جرى في تونس التي تعتبر مكان ولادة الربيع العربي منذ عام 2011 اثنتان من العمليات الانتخابية الحرة والنزيهة حتى الآن. والأكثر إثارة للدهشة هو ما حدث هذا الأسبوع عندما اعترف حزب النهضة الإسلامي بهزيمته بكل أدب وكياسة أمام منافسة العلماني في صناديق الاقتراع، وهو الذي فاز قبل ثلاث سنوات بهذه الانتخابات. تعتبر الديموقراطية التونسية إنجازاً مدهشاً يتحقق في منطقة تتراوح فيها معايير الحكم بين الفوضوية والديكتاتورية. ولكن أقل ما يمكن أن يقال هو ان النجاح السياسي للبلاد ما زال هشاً، ومن غير المحتمل أن يستمر هذا النجاح إذا لم تبدأ البلاد بسرعة التعامل مع إصلاحات اقتصادها. وقد ذكر تقرير صدر مؤخراً عن البنك الدولي مكون من 330 صفحة أن اقتصاد تونس بالكاد تغير منذ أيام الرئيس زين العابدين بن علي. وكان بن علي أقصي عن الحكم في عام 2011، بعد أن قام بائع خضار قروي بإضرام النار في نفسه احتجاجاً على مصادرة الحكومة أدوات بيعه. والانتفاضة التي تبعت ذلك كانت لها أسباب معقدة، كان على رأسها الاقتصاد ثم الفساد والافتقار لوظائف للأعداد المتزايدة من الشباب التونسي المتعلم. ولهذا ما زالت نسبة البطالة التي تزيد على 30 في المائة في بعض المناطق المهملة سبباً للقلق في البلاد، ولذلك لم تكن مصادفة ذهاب ما يقارب 3,000 من التونسيين للقتال في سوريا، وهو أكبر عدد يأتي من أي دولة أخرى. والتونسيون الآن يقيمون وزناً للاقتصاد بثلاثة أضعاف ما يقيمونه للديموقراطية. يقدر البنك الدولي أن القروض غير المسددة التي قدمت لعائلة بن علي والتي ما زالت مسجلة في قيود البنك، وقوانين الإفلاس غير الملائمة والدعم المنفلت للزارعة كلها تكلف تونس 13 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي. وفي العام الماضي كلف دعم الطاقة وتكاليف تحويلات أخرى نسبة إضافية بلغت 7.5 في المائة. وإذا أضفنا إلى ذلك تأثير قوانين العمالة الجامدة والفساد المستمر والمحسوبية في التعيينات، فسنرى عجباً لو رأينا أي نمو اقتصادي يحدث أصلاً. وإذا تمكنت تونس من كسر كل هذه الحلقات، فسيكون لديها أكبر الامكانات مقارنة بأي دولة أخرى في شمال أفريقيا. كانت تونس ولعقود طويلة مصدراً قوياً للبضائع إلى الاتحاد الأوروبي، وهي تستطيع عمل المزيد من ذلك. كما يمكن أن تكون نقابات العمل القوية فيها دليلاً على أن لدى تونس مجتمعا متمدنا وقويا بما يكفي لدعم نمو اقتصادي. وكانت الحكومة التونسية السابقة بدأت بتخفيض دعم الطاقة، وهو الشيء الذي سبق أن طلبه صندوق النقد الدولي قبل موافقته على تمديد الاستفادة من القرض المتعلق بالالتزامات الائتمانية وهو 1.75 مليار دولار. ومع ذلك يمكن القول إن هذا بالكاد سيكون له تأثير على ما يلزم لبناء اقتصاد ديناميكي قادر على خلق الوظائف في البلاد. وتستطيع أوروبا والولايات المتحدة المساعدة في التخفيف من صدمة أي إصلاحات أكبر وذلك بتقديم بعض المساعدات التي وعدت بها أثناء موجة مد الربيع العربي ولكنها لم تسلمها حتى الآن، وستكون تلك المساعدات ميسرة، عند الأخذ بحجم تونس الصغير. والآن مضى وقت طويل على الآمال التي عقدت على الثورة التونسية في عام 2011 لنشر الديموقراطية في أنحاء الشرق الأوسط. فقد وجدنا أنه بدلاً من أن يحدث ذلك، بدأت المنطقة بالدخول في نوع مختلف من التحول المشكوك النتائج والذي يمكن أن يطول لعدة أجيال. ومع ذلك يمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة في أهمية جهود دولة صغيرة في إنتاج ديموقراطية مستقرة ومزدهرة. ويمكن أن ينجح هذا فقط إذا استطاعت الحكومة الجديدة إحداث تغير في الاقتصاد.