في الصين، بايدو ليست مجرد محرك البحث المُهيمن، إنها مصدر فخر وطني. في بلدان أخرى، لا تستطيع الشركة الاعتماد على ميزات وجودها في بلادها- لا سيما بعد غياب جوجل، التي سحبت خوادمها من الأرض الرئيسية الصين في عام 2010 بعد صراع مع الحكومة بشأن الرقابة. في جميع أنحاء العالم، تُسيطر جوجل على 49 بالمائة من عائدات إعلانات الإنترنت، حيث قامت العام الماضي بتوليد مبيعات تزيد على عشرة أضعاف مبيعات بايدو البالغة 5.2 مليار دولار. بايدو متوفرة في كافة أنحاء العالم، لكن أكثر من 99 في المائة من عائداتها تأتي من الصين. يقول جوه تشينج جانج، المحلل في شركة السمسرة آي تي جي: «إن محرك بحث بايدو ليس بنفس أهمية جوجل أو حتى بينج». كما يقول المتحدث الرسمي لشركة بايدو، كايزر كوه، إن هذا «أمر سخيف بحد ذاته»، مُشيراً إلى عمل الشركة على إصدارات باللغة اليابانية والبرتغالية والعربية والتايلندية. «نحن جادّون تماماً بشأن توفير أفضل تجربة بحث ممكنة في كل سوق نعمل بها». روبن لي، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي في بايدو، قام بتعزيز الإنفاق على قسم البحث والتطوير بنسبة 85 في المائة، ليصبح 1.74 مليار يوان (284 مليون دولار)، في الربع الثاني عن نفس الفترة من العام السابق. (على الرغم من الزيادة، إلا أن هذا حوالي عُشر ما أنفقته جوجل على البحث والتطوير في ربعها الثاني). في شهر أيار (مايو)، أثار «لي» الاهتمام عند تعيين أندرو نج، عالِم الكمبيوتر الشهير والخبير في مجال الروبوتات والتعلّم الآلي، بمنصب كبير العلماء في بايدو. كما أن نج الآن يُشرف على أبحاث الشركة المتنامية في أحد فروع الذكاء الاصطناعي المعروفة باسم التعلّم العميق، الذي يهدف إلى تحسين نتائج البحث ومهمات الحوسبة عن طريق تدريب أجهزة الكمبيوتر على العمل أكثر مثل العقل البشري. يقول نج: «أيّاّ كان الفائز في الذكاء الاصطناعي سيفوز بالإنترنت في الصين وفي كافة أنحاء العالم. بايدو تملك أفضل فرصة لتحقيق ذلك». لقد أصبحت أبحاث التعلّم العميق مسألة أكبر بكثير بالنسبة لشركات البحث في عصر الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، حيث بايدو مُتخلّفة لأعوام. إنتاج عمليات بحث دقيقة بناءً على أوامر صوتية وصور رقمية يتطلب أجهزة وبرمجيات يمكنها أن تتعلم التعرّف على الأغراض، وفهم السياق، وتقوم بالربط كما قد يفعل أي شخص. قبل أن يُشارك في تأسيس كورسيرا، التي توفر مسارات تدريبية عبر الإنترنت من أفضل الجامعات لحوالي 10 ملايين مستخدم، نج، الذي لا يزال أستاذاً في جامعة ستانفورد، ساعد على قيادة مشروع التعلّم العميق في جوجل في عام 2011. حيث قام فريق جوجل بتجميع حوالي 16 ألف جهاز كمبيوتر قاموا بتكوينها لتُقارب الشبكات العصبية للدماغ البشري. وقامت المعدات تدريجياً بتدريب نفسها للتعرّف على قطة بناءً على ملايين اللقطات من فيديوهات يوتيوب، كما قامت جوجل بتطبيق بعض الدروس على برمجياتها الخاصة بالتعرّف على الصوت. في بايدو، يُشرف نج على حوالي 140 باحثاً عبر ثلاثة مختبرات: في شهر أيار (مايو)، قامت بايدو بفتح مركز أبحاث للذكاء الاصطناعي في سانيفيل، كاليفورنيا، ومختبر تحليل بيانات في بكين، حيث فتحت الشركة منشأة للتعلّم العميق العام الماضي. يقول إن فريق بايدو يقوم بربط عدد كافٍ من أجهزة الكمبيوتر لتوليد 100 ضعف النشاط العصبي الصوري لمشروعه في جوجل عندما اكتماله في مطلع العام المقبل. بالفعل، يقول نج إن أبحاث التعلّم العميق في بايدو قد ساعدت على تخفيض معدل الخطأ لبرمجياتها الخاصة بالتعرّف على الصوت بنسبة 25 بالمائة، وقد يكون العمل يساعد على تحسين التعرّف على الصور أو توليد إعلانات ذات صلة أكثر بالمستخدمين. يقول ديفيد ريديل، رئيس ومؤسس مجموعة أبحاث ريديل لتحليل الأسهم، «إنه نظراً لتدفق موهبة بايدو في البرمجة، والجمع الهائل للبيانات على سلوك البحث، وميزانية البحث والتطوير، فإن الشركة «تملك فرصة حقيقية لتصبح لاعباً أساسياً في مجال التكنولوجيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي. إنها أحد المجالات التي يمكن لبايدو تمييز نفسها عن الآخرين». كما يقول يوشوا بينجيو، أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة مونتريال، إن إنجازاً كبيراً في بديهية تصميم محرك البحث سيكون ميزة كبيرة. تقول جوجل إنها ترحب بالمنافسة. حيث يقول المتحدث الرسمي جيسون فرايدنفيلدز: «نحن في مرحلة نهضة تعلّم الآلة»، مُضيفاً أن جوجل تقوم بتدريب الشبكات بأكثر من ألف ضعف القدرة الذي عمل بها نج هناك. «العديد من المجموعات تحصل على نتائج رائعة مع الشبكات العصبية العميقة». بايدو لم تكُن خجولة بشأن اللحاق بجوجل إلى مجالات أخرى. في شهر أيلول (سبتمبر) قامت بتقديم بايدو آي، وهي سماعة رأس بكاميرا بإمكانها التقاط صور أحد المنتجات في متجر واستخدام جهاز هاتف ذكي موصول للبحث عن استطلاعات أو مقارنة الأسعار عبر النصوص أو سماعة الأذن. يقول كيرك بودري، المحلل في نيو ستريت للأبحاث، إن البيانات التي تولّدها تعتبر مفيدة في الغالب باعتبارها طريقة لدراسة سلوك المستهلكين. أندي تشون، الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي وكبير الإداريين للمعلومات في جامعة المدينة في هونج كونج، يقول، إنه سواء كان بإمكان التعلّم العميق مساعدة بايدو على الخروج من ظل جوجل فإن هذا سوف يعتمد تماماً على مدى القدرة التحويلية التي ستكون عليها إنجازاتها. (حتى تكون بايدو قوة تكنولوجية حقيقية، ستكون بحاجة لإعطائنا شيئاً يجعلنا ننبهر. وليس شيئاً من قبيل «وأنا أيضاً مثل جوجل»).