كتب على الإنسان ما دام في هذه الحياة أن يزوره المرض، وهو زائر ثقيل لا يراعي ظروف الإنسان ولا أحواله ولا مكانته فهو يزور الصغير والكبير والغني والفقير والمأمور والأمير، ولو سلم منه أحد من البشر لسلم منه صفوة الخلق وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حيث تقول عائشة رضي الله عنها: ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (أَصَلَّى النَّاسُ؟)، قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، قَالَ: (ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ)، قَالَتْ: فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَصَلَّى النَّاسُ؟)، قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ)، قَالَتْ: فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: (أَصَلَّى النَّاسُ؟)، قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: (ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ)، فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: (أَصَلَّى النَّاسُ؟)، فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَام لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. مع شدة المرض على الإنسان إلا أن المرجعية العقائدية والدينية تشكل محوراً كبيراً في كيفية التعاطي معه فالمسلم عندما يستشعر أن لهذا الزائر الثقيل مكاسب ومغانم بقدر صبره وتحمله تختلف نظرته وتعامله مع حالته المرضية حيث يوضح النبي عليه الصلاة و السلام فضيلة الصبر عليه بقوله ،(مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ، إِلَّا حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا). بل ربما كان المرض سبباً لترقي المسلم في الجنان لأن عمله الصالح لا يبلغه تلك المكانة السامية فيكون الصبر على ألم المرض ثمناً لتلك المنزلة الرفيعة يقول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى). مع كل هذه الفضائل في شأن الصبر على المرض فإن هذا لا يعني بأي حال أن يتمناه الإنسان فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ –أيْ ضَعُفَ- فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟)، قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تُطِيقُهُ أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ، أَفَلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ. والمقصود ها هنا أن المشروع في حق المسلم أن يسأل ربه العافية ويسأله الحياة الحسنة في دنيا وآخرته ولكنه عندما يُقدّر الله عليه ويبتليه بالمرض فعليه استحضار واستشعار تلك النصوص النبوية والمعاني الشرعية العظيمة في شأن المسلم مع المرض، شفى الله مرضى المسلمين وعافانا الله وإياكم من كل الأدواء والأسقام.