تحدثت في مقال سابق عن نذر الخطر في سوق الأسهم الأمريكية. (نشر المقال في صحيفة اليوم في عدد الأحد الموافق 12 أكتوبر 2014). وأواصل في هذا المقال الحديث عن بعض الإشارات التحذيرية. وقد تكون مؤشرات الأسهم الرئيسية عند أو بالقرب من أعلى مستوياتها على الإطلاق، إلا أنني أرى عدداً من الإشارات التحذيرية للأسهم. في مقالي السابق، قمت بدراسة أربع منها: وهي ارتفاع نسب السعر إلى الأرباح، والتباطؤ في النمو الاقتصادي وفي إيرادات الشركات، ونمو الأرباح المدفوع من تخفيضات التكاليف وتكلفة أسعار الفائدة المنخفضة، وهي أمور غير مستدامة، وقيام الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بإنهاء برنامج التحفيز. في مقال اليوم، سأقوم بدارسة خمس إشارات تحذيرية أخرى. ومشاكل الأسواق الناشئة. النمو الاقتصادي في الصين يتباطأ. مشاكل الصين في القطاع المصرفي وغيرها من المشاكل المحلية تمتد إلى بلدان أخرى. علاوة على ذلك، كثير من الاقتصادات في البلدان النامية هي مضطربة بالفعل وتعاني من المشاكل، خاصة تلك التي يتم إدارتها بشكل سيء في ظل عجز الحساب الجاري، والعملات الضعيفة، والتضخم المرتفع، وانخفاض البورصات وارتفاع أسعار الفائدة. النمو الأقل سرعة في الصين يخلق مشاكل لكثير من البلدان النامية الأخرى التي تقوم بتصدير السلع ومنتجات أخرى إلى الصين، خاصة إندونيسيا، وجنوب إفريقيا، والبرازيل وتركيا، التي تعاني جميعها من عجز في الحساب الجاري والعجز الحكومي، والتضخم المرتفع والعملات الضعيفة. الدولار القوي يرهق الاقتصادات الناشئة من خلال الديون الكبيرة المقومة بالدولار. خسائر العملات. خسائر تحويل العملات للشركات القائمة في الولاياتالمتحدة هي بالفعل واضحة في الأسواق الناشئة ذات العملات المتعثرة. عندما يتم تحويلها إلى دولارات أقل وأقل، فإن الأرباح من الصادرات إلى تلك البلدان والإيرادات من العمليات هناك تبدو أصغر بكثير. مع تباطؤ النمو العالمي والاندفاع العالمي إلى الملاذ الآمن لعملة الولاياتالمتحدة، فإن الانكماش المحتمل ينتشر إلى عملات السلع مثل الدولار الكندي والأسترالي والنيوزيلندي. في الوقت نفسه، لتجنب خطر الانكماش وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال الصادرات، تبذل حكومة شينزو آبي في اليابان قصارى جهدها لتخفيض قيمة عملة الين، إلى جانب أن البنك المركز الأوروبي عازم على إضعاف اليورو. وعمليات إعادة شراء الأسهم الكبيرة. عمليات إعادة شراء الأسهم غالباً ما تكون إشارة على بورصة بلغت ذروتها، حيث تقوم إدارات الشركات باتباع النمط المعتاد للشراء بسعر مرتفع والبيع بسعر منخفض. في نهاية عام 2007، عندما بدأت الأسهم تتلاشى تدريجياً، كان نشاط إعادة شراء الأسهم قرب مستوياته القياسية لكنه اختفى عندما تراجعت الأسهم. في الآونة الأخيرة، في النصف الأول من هذا العام، قامت الشركات بإعادة شراء أسهم بمقدار 338 مليار دولار، وهي الأكثر من نوعها لأية فترة ستة شهور منذ عام 2007. حتى شهر آب (أغسطس)، قامت 740 شركة بتصريح برامج لإعادة شراء الأسهم، وهي الأكثر منذ عام 2008. في المقابل، في عمق السوق الهابطة في الربع الرابع من عام 2008 والربع الأول من عام 2009، بلغ مجموع عمليات إعادة شراء الأسهم 97 مليار دولار فقط. لنأخذ في الاعتبار أن إعلانات عمليات شراء الأسهم ليست مثل عمليات الشراء الفعلية. قد تكون الشركات تتمتع بدفعة أسهم لأن المستثمرين يتوقعون أسهماً صادرة أقل وبالتالي الحصول على أرباح أكثر لكل سهم، لكن بعض الشركات لا تنوي تفعيل ذلك إلى النهاية. بالطبع، عمليات إعادة شراء الأسهم هذا العام لا تحمل وعوداً بتكرار الشيء نفسه في العام المقبل، وهو ما يمنح الإدارة مرونة أكثر. في المقابل، يتوقع المستثمرون عموماً أن تستمر زيادات أرباح الأسهم. كذلك، باستثناء تخفيض عدد الأسهم القائمة، فإن عمليات إعادة شراء الأسهم تقوم بمكافأة المساهمين المُغادرين الذي يبيعون أسهمهم، وليس أصحاب الأسهم المخلصين الذين يحافظون على ما لديهم من أسهم. هناك أيضاً مسألة ما إذا كان بإمكان الإدارة استخدام أموال عمليات إعادة شراء الأسهم للاستثمار في الأنشطة الإنتاجية. الشركات غير المالية في المتوسط تملك نقوداً نسبة إلى إجمالي أصولها أكثر مما كانت منذ الخمسينيات - كما أنها لا تزال حتى الآن تحجم عن الاستثمارات. أرباح أسهم أقل. عائدات أرباح الأسهم تبقى منخفضة، كذلك نسب دفع التعويضات في المتوسط. بالطبع، يمكن للمرء أن يُجادل بأن عائدات أرباح الأسهم الكبيرة ليست مطلوبة لجذب المستثمرين في أجواء أسعار الفائدة المنخفضة هذه الأيام. مع ذلك، لا يوجد شيء مثل أرباح الأسهم الإضافية لتخفيف أسواق الأسهم الضعيفة. مثال على ذلك: مؤسسات المنافع العامة (مثل شركات الماء والكهرباء والغاز)، التي تدفع أرباح أسهم ضخمة، ارتفعت هذا العام أكثر من 12%، متفوقة على المؤشرات الرئيسية حتى منتصف شهر أيلول (سبتمبر). عمليات شراء المضاربة. تقوم الشركات الصغيرة غير المجربة بإصدار أسهم في العام الأكثر نشاطاً بعمليات الاكتتاب العام الأولي منذ عام 2000. في التاسع عشر من أيلول (سبتمبر)، توجه المستثمرون إلى عملية الطرح العام الأولي لأسهم مجموعة علي بابا القابضة المحدودة -وهي أكبر عملية اكتتاب أولي على الإطلاق- وقاموا برفع سعر الاكتتاب بنسبة 38% في اليوم الأول من التداول. هل يمكن أن يعني ذلك أنه الأعلى في البورصة؟. نشاط المضاربة لم يعد إلى مستويات غياب المنطق التي سادت خلال فترة الدوت كوم في التسعينيات، لكنها بالتأكيد كانت مرتفعة. لقد كان المستثمرون الصغار يتدافعون نحو الأسهم، التي غالباً ما تكون هذه هي الحالة في ذروات السوق. وفي هذه الحقبة من عائدات الفائدة المنخفضة وتحمّس المستثمرين للعوائد، فإن مستثمري الأسهم يبحثون عن الأسهم النامية في جميع المجالات. وفي العادة يقوم مشترو الدخل الثابت الهادئون أيضاً بمطاردة الإصدارات الجديدة لسندات الشركات. علامة أخرى على البحث عن العوائد بغض النظر عن المخاطر: إصدارات السندات غير المرغوب فيها كانت كبيرة بشكل خاص. بالطبع، لا شيء يستمر إلى الأبد، بما في ذلك الأسهم المرتفعة. من بداية عام 2013، ارتفعت أسهم وسائل الإعلام الاجتماعية بنسبة 78% لتصل إلى ذروتها في السادس من آذار (مارس)، وبعد ذلك انخفضت بأكثر من الربع حتى أوائل شهر أيار (مايو). كما كان مؤشر راسل 2000 للشركات الأصغر متقلباً هذا العام. وعلى الرغم من الإشارات التحذيرية التسع لسوق الأسهم، ليست هناك أي علامة واضحة على أن الأسهم الأمريكية على وشك الانخفاض -ما لم يتعثر الاقتصاد أو تظهر صدمة أخرى-. في مرحلة متأخرة في التوسع الاقتصادي يخشى الاحتياطي الفدرالي من تدهور الاقتصاد وارتفاع معدلات التضخم. لذلك فإن الإجراء الذي يتخذه في العادة هو تشديد الائتمان ورفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل حتى تتجاوز المعدلات طويلة الأجل. لقد كان منحنى العائد المعكوس الناتج بمثابة علامة مؤكدة على حدوث ركود وشيك في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. لكن الآن، منحنى العائد أصبح إيجابياً بشكل واضح ويقول الاحتياطي الفدرالي إنه لن يبدأ برفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل حتى فترة متقدمة من العام المقبل، وربما في وقت لاحق إذا استمر النمو البطيء. أما الآن، فإن الاحتياطي الفدرالي يهتم بالانكماش أكثر من التضخم، كما يفعل البنك المركزي الأوروبي. ويبدو أن الأسهم قد تستمر بالارتفاع في أجواء محفوفة بالمخاطر إلى حين حدوث صدمة كبيرة، مثل المضاربة المفرطة، أو انفجار في الشرق الأوسط، أو أزمة مالية في الصين، الأمر الذي يضطر المستثمرين إلى القيام بعملية إعادة تقييم شاملة.