في كلمته للشعب الأمريكي، والتى استمرت 14 دقيقة، بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، طرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما إستراتيجيته لمواجهة تنظيم (داعش). في وقت كانت توجه للرئيس الأمريكي انتقادات بافتقاده لإستراتيجية واضحة للتعامل مع داعش. وقد جاء الإعلان عن الإستراتيجية في وقت كان يزور فيه وزير الخارجية الأمريكي جون كيرى الشرق الاوسط للحصول على الدعم المطلوب من دول المنطقة في التحالف الدولي المتوقع تشكيله. لتكون أكبر عملية عسكرية يقوم بها أوباما منذ توليه الرئاسة. ووفقا لأوباما فإن الهدف الأساسى هو: «الحط من قدرات وفي نهاية المطاف تدمير داعش من خلال إستراتيجية شاملة ومستدامة لمكافحة الإرهاب». تجدر الإشارة إلى أن هذا التحرك من قبل أوباما يحظى بدعم شعبي، فوفقا لاستطلاع رأي أجرته " آى. بي. سى" وواشنطن بوست فإن 65 % من الأمريكيين يؤيدون توسيع الضربات ضد داعش، خاصة أن التهديد الذي يمثله داعش اقترب بشدة من المواطن الأمريكي عندما أعدم داعش بطريقة وحشية صحافيين أمريكيين هما جيمس فولي وستيفن سوتلوف. وهذه ليست أول مرة تتدخل فيها الولاياتالمتحدة في المنطقة فقد سبق أن تدخلت لتغيير موازين القوى وفي كل مرة كان الإرهاب هو المبرر. محاور إستراتيجية أوباما وفقا لأوباما اشتملت الإستراتيجية على أربعة أجزاء هي: توسيع الضربات الجوية من خلال «حملة منظمة من الضربات الجوية ضدهم بالتنسيق مع الحكومة العراقية»، كما أكد أوباما أن الأمر لن يقتصر على العراق فحسب مشيرا «سنطارد الإرهابيين الذين يهددون بلادنا أينما وجدوا» مضيفا «لن أتردد في اتخاذ إجراء ضد داعش في سوريا بالإضافة إلى العراق». أما العنصر الثاني فهو عدم القيام بعمليات عسكرية على الأرض، حيث أشار إلى أنه سيتم إرسال 475 عسكريا إلى العراق (ليصبح بذلك إجمالي عدد العسكريين الأمريكيين بالعراق 1600) ليقوموا بمهام تدريب القوات العراقية مشيرا «لن نستدرج لحرب برية أخرى في العراق». كما أشار إلى عدم الاعتماد على نظام الأسد حيث قال: «لا يسعنا أن نعوّل على نظام كنظام الأسد الذي يرهب شعبه نفسه؛ نظام لن يستعيد بتاتًا الشرعية التي فقدها». مؤكدا على دعم المعارضة السورية «وعوضًا عن ذلك، علينا أن نقوي المعارضة باعتبارها أفضل من يشكل التوازن المتكافئ مقابل متطرفين مثل داعش وفي الوقت ذاته السعي للتوصل إلى حل سياسي بهدف إنهاء الأزمة السورية إلى الأبد». واشتمل العنصر الثالث على استمرار جهود مكافحة الإرهاب لمنع داعش من تنفيذ أي هجمات عن طريق العمل مع الشركاء وقطع التمويل عن داعش ووقف تدفق المقاتلين الأجانب. وأخيرا تحدث أوباما عن دعم المدنيين مشيرا «سنواصل توفير مساعدات إنسانية للمدنيين الأبرياء الذين شردتهم هذه المنظمة الإرهابية. ومن هؤلاء الأبرياء مسلمون سنّة وشيعة يواجهون خطرًا شديدًا، إضافة إلى عشرات آلاف المسيحيين وغيرهم من أبناء الأقليات الدينية. ونحن لا يسعنا أن نسمح لهذه الطوائف أن تطرد من مواطنها العريقة». والمحور الأساسي فى إستراتيجية أوباما لمحاربة داعش هو تشكيل تحالف دولي على غرار تحالف الراغبين Coalition of Willing والذي سبق أن شكله سلفه أثناء حرب العراق 2003. ويُقصد بتحالف الراغبين كمصطلح سياسي تم استخدامه بعد الحرب الباردة «المشاركة الجماعية في التدخل العسكري خارج نطاق عمليات حفظ السلم التابعة للأمم المتحدة». ورغم ان المصطلح يرتبط بحرب العراق 2003، إلا أن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون استخدم الكلمة في إشارة إلى عمليات ممكنة ضد كوريا الشمالية، وقد تم تطبيق هذا التحالف في عملية انترفيت INTERFET في تيمور الشرقية. إستراتيجية غير كافية في واقع الأمر يشكل داعش خطرا لم يسبق أن واجه العالم له مثيلا، إلا أن القراءة المتأنية للخطة المطروحة توضح أنها ليست كافية فهي ليست إستراتيجية بالمعنى الدقيق وإنما أشبه بتكتيك مرحلي وقتي لا يمكنه مواجهة الكارثة خاصة أن وسائل المواجهة المقترحة ليست كافية وتستغرق وقتا طويلا حتى تؤتي ثمارها وخاصة الشق المتعلق بتدريب المعارضة السورية وتدريب القوات الأمنية العراقية. وتطرح الإستراتيجية التي طرحها الرئيس أوباما في كلمته عددا من الإشكاليات، من أبرزها وفي إطار المحاور الرئيسية التي ناقشتها الإستراتيجية. فهي من ناحية وفيما يتعلق بتوسيع الضربات ضد داعش في العراق فحتى (15/9/2014) بلغ عدد الضربات العسكرية الأمريكية شمال العراق 164 ضربة جوية أسهمت في تمكين القوات الكردية من السيطرة على عدد من المناطق. إلا أن المشكلة الأكبر ستكون فيما يتعلق بمحاربة داعش في سوريا. ومن ناحية ثانية أشار الرئيس الأمريكي إلى أنها لن تكون حربا شبيهة بحربي العراقوأفغانستان وإنما ستكون شبيهة بعمليات مكافحة الإرهاب في الصومال واليمن، ورغم أن الهدف من هذه الأمثلة واضح من حيث عدم الدخول في حرب برية، إلا أن ما لم يذكره الرئيس الأمريكي هو وضع الإرهاب في الوقت الحالي في الدول الأربع. فوفقا للتقرير السنوى لوزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب في دول العالم لعام 2013 والذي نُشر في مايو 2014، جاءت الدول الأربع سالفة الإشارة من بين أكبر عشر دول في العالم تُعاني من الهجمات الإرهابية في عام 2013، حيث جاءت العراق في الترتيب الأول حيث بلغ إجمالي عدد الهجمات 2495 وعدد القتلى 6378 أما عدد المصابين فقد بلغ 14956، وجاءت أفغانستان في الترتيب الثالث عالميا بإجمالي عدد هجمات بلغ 1144، ثم جاءت اليمن في الترتيب الثامن بإجمالي عدد هجمات بلغ 295 والصومال جاءت في الترتيب العاشر حيث بلغ عدد الهجمات 197 هجوما. وفيما يتعلق بمؤشر الإرهاب العالمي 2012 ويقيس العمليات الإرهابية على مدار 10 سنوات (2002-2011) جاءت العراق في الترتيب الأول على مستوى العالم أيضا، وجاءت اليمن في الترتيب الخامس كما جاءت الصومال في الترتيب السادس عالميا. هذا الوضع كان من الطبيعي أن ينعكس على وضع الدول الأربع وفقا لمؤشر الدول الفاشلة 2013، حيث جاءت الصومال في الترتيب الأول عالميا واليمن وأفغانستان جاءتا في الترتيب السادس والسابع تباعا ولم تكن العراق أحسن حالا لتأتي في الترتيب 11عالميا. وبذلك ففي كلتا الحالتين ما زال خطر الإرهاب قائما بشكل يؤكد فشل الإدارات الأمريكية والأدوات المستخدمة في تحقيق الهدف، ويؤكد أيضا أن محاربة الإرهاب لم تكن الهدف الرئيسي. ويرتبط بالعنصر الثاني من الإستراتيجية بالحديث عن دعم المعارضة السورية وفي واقع الأمر فجزء كبير من الجدل مرتبط بالمسرح السوري وتعقيداته وكيفية تسليح المعارضة السورية، وهذا الجدل ومواقف الأطراف الإقليمية والدولية منه من شأنه إضعاف التحالف. فوفقا لمسئولين أمريكيين لن يكون هناك تنسيق مع بشار الأسد الذي تحمله الولاياتالمتحدة مسئولية صعود داعش فى سوريا ثم انتقالها للعراق، ووفقا للمخطط الأمريكي فمن شأن تلك الضربات إضافة إلى دعم المعارضة المعتدلة أن تقوم بدور أساسي في الضغط على الأسد لتسريع المرحلة الانتقالية وهو هدف يحتاج الى التزام واضح. خاصة وان فكرة دعم المعارضة المعتدلة هي كلمة فضفاضة تحتاج إلى تحديد دقيق. فعلى سبيل المثال التشكيلات التي يراها أوباما معتدلة تضم في صفوفها عناصر من إخوان سوريا ومقربين من تنظيم القاعدة. من ناحية ثالثة ركزت إستراتيجية أوباما على التعاون مع الشركاء وفي الواقع تبرز عدة إشكاليات خاصة بالتحالف المزمع تشكيله ويتعلق ذلك بشكل التحالف ومستوى المشاركة فهي أمور ما زالت غير واضحة ان لم تكن سرية، فمرة يتم الحديث عن أن التحالف سيضم 40 دولة، بعضها سيشارك لوجستيا ،و 25 دولة قد تشارك عمليا. كما كان من الواضح أن إدارة أوباما تسرعت في الإعلان عن التحالف دون أن تحصل على موافقات مؤكدة خاصة مع دول المنطقة فالتهديد المباشر هو لدول المنطقة لذا كان لابد أن يكون هناك تنسيق أكبر مسبق، حيث ربطت دول الاقليم بضرورة ان تكون محاربة داعش في اطار جهد دولي شامل لمحاربة الارهاب في المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التحالف هو ليس تحالفا إستراتيجيا بالمعنى التقليدي وإنما هو تحالف مرن Tactical Alliance وهو ذلك النمط من التحالفات الذي ينشأ لمواجهة تهديد مشترك وينتهى بمجرد تحقيق الهدف منه دون أن ينسحب إلى ملفات أخرى غير تلك المنشأ من أجلها. وبالنظر إلى المواقف الإقليمية والدولية المختلفة فأثناء زيارته للمنطقة أبدى كيرى رغبته في ضم مصر للتحالف الدولي، ومصر واحدة من الدول التي تُعاني من خطر الإرهاب في الوقت الراهن وخاصة في سيناء، لكن المشكلة في هذا الشأن تتعلق بأن مصر تريد خطة شاملة لمواجهة الإرهاب في المنطقة وشمال أفريقيا -وليس الاقتصار على خطر داعش فحسب- وجزء مهم منه هو إرهاب جماعة الإخوان المسلمين وهو ما يتطلب أولا تغيير الموقف الأمريكي من الاخوان المسلمين. كما أن مصر أكدت أنها لن تُشارك بقوات عسكرية خارج أراضيها. كما أن هناك دولا أعلنت أنها لن تُشارك في التحالف الدولي مثل تركيا، فتركيا أعلنت صراحة رفضها السماح باستخدام قواعدها لشن غارات جوية. ووفقا لجريدة التايمز البريطانية فإن التحالف سيكون محكوما بالفشل في حالة عدم مشاركة قوى إقليمية بفاعلية، وأضافت التايمز أنه «سيكون من الصعب على تركيا أن تلقي بثقلها وراء حملة يمكن أن تفيد نظام الرئيس السوري بشار الأسد على الأٌقل في المدى القصير». الحال نفسه بالنسبة للمملكة العربية السعودية، كما تُشير الجريدة أنه «يصعب على الرياض مهاجمة المتطرفين السنة ما يؤدي إلى استفادة نظامي العراقوإيران، الشيعيين، إستراتيجيًا». ومن دون هاتين القوتين سيكون مآل التحالف الفشل. ورغم أنه تم استبعاد أطراف إقليمية مهمة من التحالف ومنها روسياوإيران وربما يرجع ذلك إلى الملفات المثارة كالأزمة الأوكرانية والملف النووي الإيراني. إلا أن المخاوف الأساسية تتعلق بتنسيق سري أمريكي- إيراني، حيث تدرك الولاياتالمتحدة عدم قدرتها على النجاح في تحقيق هدفها دون تنسيق مع إيران ومن المتوقع ألا يعلن عن هذا التحالف خشية أن يُنظر للأمر من بعض الأطراف الإقليمية على أنه حرب ضد السنة في المنطقة. خاصة في ظل المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى زيادة نفوذ إيران فى المنطقة. وفي حالة تقديم تلك الدول للدعم للولايات المتحدة في حربها ستكون هناك مقايضات في ملفات أخرى، حيث تشير المعلومات الى ان ايران طالبت بصفقة شاملة تضمن مشاركتها في الحرب على داعش مقابل تعديلات للعملية السياسية في العراق، وعقد جنيف سورية ثالثة، تضمن وجود حكومة ائتلاف وطني في سوريا، مع بقاء شكلي للاسد حتى انتهاء فترته الرئاسية وبضمانات دولية. كما أعلنت ألمانيا أنها لن تشارك بأي عملية عسكرية ضد داعش. وقال نائب المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية «إينغو غيرهارتز» ان ألمانيا سترسل مساعدات عسكرية إلى شمال العراق في الرابع والعشرين من سبتمبر الجاري. وأضاف ان بلاده أرسلت طاقما مكونا من 7 أشخاص للإقليم للقيام بالتحضيرات اللازمة. وقال هارتز ان حجم المساعدات بلغ (600) ألف طنٍ، وتحتاج عدة طائرات لنقلها، فيما أكد المتحدث باسم الحكومة الألمانية على دور ألمانيا في ثلاثة مجالات هي تقديم المساعدة للفارين من رعب تنظيم الدولة، وتقديم الدعم للجهات التي تقاتل داعش، ومساعدة الحكومة العراقية من خلال السبل الدبلوماسية لتمثيل كافة العراقيين. على الجانب الآخر هناك توقعات بأن تلجأ روسيا إلى إنشاء تحالف آخر يضم إلى جانب روسيا كلا من تركيا والصين وإيران. ويمكن الإشارة إلى أن الإستراتيجية ليست محددة بجدول زمنى للتنفيذ، كما أن أدوات المواجهة جاءت محدودة لا تعبر عن حجم الخطر الذي يفرضه داعش عالميا بشكل يطرح تساؤل هل الأمر سيكون مواجهة أم مجرد إحتواء. وحتى في حالة الإحتواء فهناك مخاوف من انتقال داعش بعد الضربات إلى مناطق أخرى بشكل يدخل المنطقة في داومة مستمرة من العنف. ولعل هناك من يربط بين صفة الاستعجال في تشكل التحالف الدولي الجديد ضد داعش، وتغير استراتيجية الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي كان رافضا للتدخل العسكري والاكتفاء بالضربات الجوية بدون طيار ، الا ان ثمة تبدلات جيوسياسية عالمية فرضت على الادارة الامريكية الاستعجال، ولعل من بينها الموقف الروسي من اوكرانيا، وتحالف دول البريكس، والوجود الصيني في جنوب السودان، وتكاثر الوجود والتعاون العسكري مع روسيا وتحديدا بين طهران وبغداد ودمشق وموسكو، والحديث عن انتشار استخباراتي روسي في سورياوالعراق وعودة اتصالات الكي جي بي مع عملاء سابقين لها، وحصول شركات نفط روسية على حقوق التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة. دكتوراة في العلوم السياسية