قبل حوالي ستة أشهر بدأت بالانزواء شيئاً فشيئاً من أجل أن أرى المشهد من زاوية أبعد، ليس لأنني أردتُ أن أسترد هدوئي داخل المنزل فقط، أو أن أجد وقتاً لممارسة هواياتي أو حتى الاستلقاء على الأريكة أمام فيلم أجنبي أو لتقليب القنوات بكسل وعدم اكتراث، بل لا أظنني قد مررتُ بمرحلة الكسل الطبيعية في حياتي من قبل، لهذا وجدتُ أنه من الحكمة أن أمارس شيئاً من كسل في الفترة المسائية مع تنمية القدرة على انتقاء أي أنشطة محببّة ومفيدة خارج فترة العمل. كان من المهم جداً أن تبدأ مرحلة الانزواء هذه بالجدية حين قررتُ أخيراً أن أحذف برنامج الواتس أب من حياتي -عقبالكم-، وذلك بما فيه من جروبات الأهل والصديقات وتلك الكثيرة التي تخص العمل، وبما فيه أيضاً من جروبات تطوعية. لا أنكر أنني عانيت وقتها من أعراضاً انسحابية كبيرة مقابل الصمود على حالة الحذف هذه. أصابتني كآبة غير مبررة، وزيادة في ساعات النوم وبعض الكوابيس وشهية مفرطة للآيسكريم والكنافة. هذا فعلاً ما انتباني مقابل برنامج شعرت في لحظة بأنني لا أشاهد الحياة ولا أتفاعل معها إلا من خلاله. وهذا طبعاً ما لا يجب حدوثه أبداً، حيث إن في الحياة ما يستحق أن نراه بأعيننا وأن نلمسه ونتحسسه دون وسيط إلكتروني أو برنامجٍ يأخذ أغلب الوقت.. إن لم يكن كلّه. أمارس حالياً نوعاً من التقييم الذاتي، سافرت إلى عدة أماكن خلال هذه الفترة مستغلة عدم ارتباطي بأعمال تأتيني بغتة عن طريق الواتس أب، أو دعوة لا أستطيع ردّها لأنني ببساطة فتحتها وقد ظهر أنني شاهدتها بعلامة (الصحّين) التي تقفشنا وتقبض علينا. يا ساتر.. إنه الواتس أب، لا أصدق أنني تخلّصت منه أخيراً. وأحمد الله أنني لم أصل إلى اضطراب يدعى «Nomophobia». والذي تم تعريفه من خلال قاموس للمصطلحات بكونه «الخوف من البقاء بلا جوال». على فكرة احفظوا واحتفظوا بهذا المصطلح الجديد جيداً. فكلمة «Nomo» هي اختصار ل«No-Mobile» وتعني: بلا جوال، أي «عدم القدرة على فراق الهاتف الذكي أو الابتعاد عنه حتى للحظات، ويتبعه فقدان التواصل مع الآخرين. وتنتج هذه الفوبيا خوفاً وقلقاً يراود صاحبه عندما يفقد هاتفه أو تنفذ بطاريته.. أو حين يكون غير متصل بشبكة الإنترنت». عليكم جميعاً مراعاة فارق الأعراض والاعتراف بها، ومحاولة التخلّص مما أصابتنا به هذه التكنولوجيا التي تصبح لعينة جداً في حال سيطرتها علينا، قد تكون هذه دعوة مبطّنة لمقاطعة أي برنامج أو تكنولوجيا تشعرون بأنها تفصلكم عن ذواتكم.. وعمّن تحبون.