مصابيح الدخول: جَبَلٌ يُحاكي الدَّهْرَ في عَليائِهِ ماضٍ وحاضِرُ ما ثناه زمانُ لا يَنْحَنِي عَبْرَ العُصورِ كأنَّما بِصُمُودِهِ تتوَقَّفُ الأزْمانُ هذان المصباحان للشاعر/ القاص/ الأديب خليل الفزيع، من قصيدة كتبها مؤخرا ل(جبل القارَة)، وعنه ،وأهداها لأبناء القارَة، ولأهل الأحساء كافة، وإن كان قد خص كاتب هذا المقال مشكورا بإهدائه إياها أيضا.. ولقد أجاد أستاذنا أبو الوليد في هذه القصيدة الرقيقة التي غازل فيها الجبل، وهو ليس من أبناء القارَة، ولا من القرى المحيطة بها.. كما هو معروف.. والقارَة.. بفتح الراء، دون تشديدها: بَلْدَةٌ شهيرة، من كبريات بَلْدَات الأحساء المتعددة التي تخطت مرحلة تصنيفها بالقرية إلى (البَلْدَة) في اقتراب شديد إلى فئة (المدينة)، بحسب التوجّهات الأخيرة لأمانة الأحساء، ويربو سكان القارَة على 14 ألف نسمة، بحسب إحصاء عام 2012م، وبها عدد من الدوائر الحكومية والجمعيات والمؤسسات والأنشطة الاقتصادية والثقافية المختلفة، وتحيط بمعظم مساحة وأجزاء الجبل، واتخذت اسمها من اسم الجبل نفسه، ومع مرور الزمن نسب المُسَمّى إلى المسمى به أو العكس، فأصبح اسم الجبل ينصرف إلى اسم القارة/ البلدة.. ووجود الجبل جاء قبل القرية بطبيعة الحال فالقارة هو اسم الجبل نفسه وبلدة القارة منسوبة إليه والعكس بالعكس. ويبدو لي أن كليهما اتخذ اسمه من الآخر، فالقارَة معناها في اللغة: الجبل الصغير المنقطع عن الجبال، وغير المتصل بجبال أُخرى، وهذا المعنى تُجَسّده بصورة دقيقة كومة جبل صغير منقطعة عن الجبل الكبير المقابل لها، والبعيدة عنه بحوالي: 200م، وتتوسط البلدة، وتقع غرب الجبل، وتعلوها 3 صخرات جبلية هائلة متلاصقة ترسم أشكالا وصورا، وتشكل تجسيداً جمالياً وطبيعياً رائعا، تصعب تسميتها، ولكن أهل القارَة يسمونها: (راس القارة). وتذكر بعض الدراسات التاريخية (بشكل اجتهادي لا قَطْعِي) أن جبل القارَة كان يسمى سابقا (جبل الشبعان)، لأنه محاط بالنخيل المُشَبَّعة بالماء، وهناك ما يُؤيّد هذه التسمية، وما ينفيها أيضا، وليس هذا المقال محل تحليل وتعليل لها، وإن كنتُ لا أميل إلى تصديقها. لكن الأشهر والمُتوارَث، وما جاءت به الأجيال السابقة من أهالي القارَة، والبَلْدات المجاورة، ورجال الأحساء ومؤرخيها قديما وحديثا، وما هو معروف ومُوَثَّق في اليونسكو والمعاجم والنشرات السياحية، وأذهان الناس من عرب وأجانب، والمواقع الإلكترونية وغيرها؛ أن اسمه هو (جبل القارة). ولا يُلْتَفَتُ إلى الآراء التي تخالف ذلك، أو تحاول صرف الاسم عن المسمى بمجرد ذكر (جبل القارَة) بِنِيّاتٍ مختلفة، فالحقائق كالشمس ساطعة بالاسم، وباقية بالخلود. وقبل أن أعرض شيئا عن الجبل أشير إلى خطأ تقع فيه بعض وسائل الإعلام أحيانا، في قولها (جبل قارَة)، ويعللون ذلك بأنه تم حذف (ال) التعريف للجبل رغبة في التخفيف بسبب التقاء لام الجبل بألف التعريف، وهذا خطأ فادح، فلا مكان للتخفيف هنا، ولم نسمع به من قبل لغة ونحواً، وأستغرب أن نقول ونكتب ونحافظ على مسميات أجنبية أخرى بكامل اسمها دون قضم رغبة في التخفيف، ونفعل ذلك مع جبل وطني شامخ. وجبل القارَة هو أعجوبة ثامنة و إن كانت عجائب هذا الزمان قد تجاوزت المئات ، وهو كما هو معروف بارد صيفا ودافئ شتاء.. ويرى المؤرخ والأديب الراحل: حمد الجاسر في معجمه الجغرافي: (أن سبب برودة الجبل صيفا ناشئة من وقوعه أسفل الواحة حيث تتسرب مياهها الجوفية، كما أنه يتكون من صخور عظيمة تحجب حرارة الشمس عن الوصول إلى داخله، فيمر الهواء في مغاراته المظللة فيصل إلى أسفل الغيران الباردة أصلاً.. أما دفء الشتاء فيؤدي تساقط الصخور في تلك المغارات إلى توقف دوران الهواء، فتُخْرج الصخور ما كان قد تم تخزينه من حرارة الشمس صيفاً، وقذفها -أي الحرارة- إلى داخل الكهف.. وسبحان الخالق العظيم) انتهى.. وتصل درجة الحرارة في عز الصيف داخل أبرد المغارات التي يطلق عليها أبناء القارة (الإفريز) نحو: 8 درجات مئويّة بينما يواصل اللهيب دوره في الخارج في الوقت نفسه إلى 46-50 درجة مئوية. ومن أعاجيب هذا الجبل أنك لا تجد فيه حشرة أو زاحفة أو حيوانا أو غير ذلك. والحديث عن (جبل القارَة) ذو شجون، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن العمل قائم الآن على قدم وساق من قَِبَل إحدى الشركات الوطنية بتهيئته من الجهة الشرقية ليكون مصيفا لائقا للسياح. * المدير الإداري بنادي الأحساء الأدبي