لم يشفع لجبل القارة الواقع على بعد 13 كيلومتراً شمال شرق مدينة الهفوف -العاصمة الإدارية للأحساء- ويمتد بين قرية الدالوة في الجنوب الغربي وقرية القارة في الشمال الغربي، وبين قرية التهيمية في الشمال الشرقي وقرية التويثير في الجنوب الشرقي، تمركزه وسط أحضان النخيل المحيطة به من كل حدب وصوب، وتربعه في موقع استراتيجي، من العيش فقيراً معدما من الخدمات التي يحتاجها كأحد أهم المعالم السياحية في المحافظة. وبالرغم من أن أوتاده التي خلقها الله غائرة في تلك الواحة الغناء ؛ إلا أنه مع هذه الهيبة والمكانة لا يزال ينشد حاضنًا لتطويره وتنميته. انعدام خدمات منذ سنين طويلة وملامح "الجبل" الخدمية كما هي ولم تتغير، رغم انتظار الأهالي تطويره منذ سنين، وسط تقدم أعمارهم، ونمو أطفالهم على نفس الذكريات القديمة التي عاشها سابقوهم، من "طرق وعرة"، و"مداخل مشوهة"، و"جدران" عبثت بها الأصباغ والكتابات، وموقع سياحي يحتاج إلى العديد من الخدمات "المفقودة"، حتى إن المواطن الذي قد تجمعه الصدفة مع سائح أجنبي في ذلك المكان، لا يستطيع أن يتغلب على إحراجه عند محاولة الإجابة على استفهام يوجه إليه من ذلك السائح الأجنبي لإرشاده على موقع خدمة معينة يجزم الأجنبي بتوفرها "بدهياً" ولكنه لا يدري أين هي بالضبط، إلا أن ما يزيد من الإحراج "سؤال قد يرد عن موقع دورة مياه" ليست لها أي وجود في هذا الموقع السياحي الشهير. مشروع لم يكتمل يرى البعض من زوار جبل "القارة" أن الدخول إليه أصبح أمراً مخيفًا، فبينما يخلو الموقع من الخدمات، ولا يوجد به سوى أعمدة إنارة مهترئة وبالكاد تنير للزائرين، تملأ الأتربة الناعمة ذات الغبار الغليظ الممرات الداخلية، لتحرم الزائرين من الحصول ولو على مقعد واحد للاستراحة قليلاً. وقبل أكثر من 4 سنوات وقعت أمانة الأحساء مع إحدى الشركات السياحية عقد استثمار لتطوير جبل "القارة" لمدة 20 عامًا على مساحة تتجاوز 2.4 مليون متر مربع، على أن تشمل ساحة التطوير إنارة مغاراته والاستفادة منها كمتحف لبعض الحرف الشعبية التي تمارس في المنطقة، ورصف مداخلها، وتجهيز مواقف للسيارات، وإنشاء منطقة ألعاب أطفال وبوفيهات ومطاعم في قمة الجبل، وتجهيز المنطقة لتكون مطلة على واحة الأحساء، وتهيئة مصعد لتسهيل الوصول إلى تلك القمة. إلا أنه وبعد مرور الوقت سريعًا، توقف المشروع بعد اكتمال نصفه إلى أجل غير معلوم. تكوينات جيولوجية ويعد جبل القارة الذي اتخذ مسماه من البلدة نفسها، من أهم المعالم الطبيعية والسياحية بالأحساء، ويتكون من صخور رسوبية يمكن ملاحظتها بالعين المجردة، ويحظى بشهرة واسعة لوجود الكهوف والممرات الضيقة المتعرجة بين التكوينات الصخرية، مما جعله واحدًا من المعالم الطبيعية في منطقة الخليج، وتمتاز كهوف الجبل ببرودتها صيفًا ودفئها شتاءً، ويصنف الجبل من أهم المعالم الجيومورفولوجية في المملكة، بل في العالم، ويبلغ طوله من الشمال إلى الجنوب كيلو مترين، ومن الشرق إلى الغرب 800 متر، ويرتفع عن سطح البحر 210 أمتار، ويعد عمره الجيولوجي من الحقب الحديثة، ولعبت الأمواج البحرية -قبل آلاف السنين- إلى جانب عوامل التعرية، دورًا في تكون مغاوره. العجائب السبع دخل جبل "القارة" منافسًا قويًا للدفع بمحافظة الأحساء إلى مراتب متقدمة في مسابقة عجائب الطبيعة السبع في العالم عام 2008 ، ويعد أعجوبة فريدة بتكويناته الصخرية الفريدة، وكهوفه المتنوعة، وأجوائه التي يبحث عنها الإنسان، فمع ارتفاع درجات الحرارة يتسع صدره ويمتلئ "بالبراد"، وفي الشتاء يدثر زوارَه بحرارةٍ دافئة تشبه إلى حدٍ كبير، حنان ودفء الأم وهي تحتضن أولادها الصغار. وبوصفه ب"الأعجوبة الثامنة" يتغزل شعراء الأحساء بجبل "القارة"، ويطلق عليه الشاعر محمد الجلواح هذا الوصف، لكونه يقع على مساحة نخلية وزراعية خضراء، ويمتاز شهرة بوجود عدة مغارات، ويتخذ مصنع الفخار الشعبي مكانه في قلب الجبل، الأمر الذي يساعد في رفع عدد زائري الواحة أثناء إجازة نهاية الأسبوع والعطل الرسمية الأخرى إلى الآلاف من الداخل والخارج. ويصفه الكثيرون بأنه الشيء الذي لا يعرف النوم والمكان الذي لا يعرف الأبواب الموصدة، تمامًا مثلما هي الأحساء وقلوب أهلها البيضاء الطيبة المفتوحة للجميع. مغارات متنوعة ويرى الإعلامي جعفر عمران-أحد سكان بلدة القارة- أن التكوينات الصخرية ساهمت في تكوين عدة مغارات أو كهوف-كما يسميها الأهالي- داخل الجبل، وأعطته جمالاً أكثر من رائع، ولكل مغارة ميزتها الخاصة، ولعل أكبرها مساحة وأجملها "غار الناقة" الذي يمتاز ببرودته العالية، فكان قديمًا يمثل ملجأً للأهالي أيام الحر الشديد ونهار شهر رمضان، فيجتمعون فيه للنوم وتبادل الذكريات، ويأتي بعده "غار العيد" وعادة ما يجلس فيه كبار السن لسهولة الدخول إليه دون الانحناء، وتسقط فيه أشعة الشمس من فتحات علوية مشكلة خيطًا ضوئيًا جميلاً، ويمتاز بوسعه وارتفاعه، وهناك كهوف مثل "الميهوب" و"عزيز" و"مهدي" و"الذهبي" وغيرها الكثير، ولكنها ذات مساحة ضيقة، وعادة ما يقصدها الأطفال ومن باستطاعته أن يزحف طويلاً، وسميت هذه الغيران بأسماء من اكتشفها قديمًا. ذكريات خليجية "الوطن" قامت بجولة في الجبل وحملت معها الشيء الكثير من معاناته. وأثناء تجول "الوطن" داخل الجبل صادفت أكثر من عائلة خليجية ممن جاؤوا للاطلاع والتنزه؛ ولكن المفاجأة هي حديث أحمد خلفان-من البحرين- عندما قال إنه جاء مع والده قبل أكثر من 20 عامًا ولم يرَ أي تغير على الخدمات، فلا المطاعم موجودة ولا الخدمات العامة تطورت، وصادف أن احتاج أحد أفراد عائلته إلى "دورة المياه" فوجدها بالية خربة لا تصلح للاستخدام الآدمي، وكأنها غير موجودة أصلاً ، مضيفا " أنه بين الفينة والأخرى وحينما نقصد الأحساء للتبضع وزيارة الأقارب نعرج على الجبل الأعجوبة الذي يتفرد به الساحل الشرقي، ومع أنه مصدر سياحي للواحة ظل كما هو، بل شعرنا بالخوف عندما دخلنا مغاراته، إذ لايوجد أحد سوانا، مشيراً إلى أن ضعف الخدمات سيقلل من الإقبال عليه". أما المواطن القطري سالم بن محمد فقال "لي ذكريات كثيرة مع هذا الجبل، فوالدي كان يأخذنا إلى هذا الجبل أثناء زياراته السابقة للتبضع من الأحساء القريبة جغرافيًا من الدوحة، وأتذكر أن الشكل الخدمي لم يتغير منذ فترة زمنية طويلة، وأعتقد أن الفرق الوحيد بين حال الجبل الآن وبين حاله في سنوات سابقة ، هو وجود عامل وافد يحمل معه ثلاجة لبيع الماء والمشروبات والسوائل". ننتظر مثلكم وفي تعليقه على حال الجبل وافتقاره للخدمات الكثيرة، قال رئيس جهاز السياحة والآثار بمحافظة الأحساء علي بن طاهر الحاجي، ل"الوطن"، إن دور جهاز السياحة والآثار هو تحفيز المستثمرين في الجبل، وليس من شأنه متابعة سير الاستثمار فيه". موضحًا أنَّ تنمية الجبل وتهيئته ستدر أرباحًا مالية وسياحية على الواحة وأهلها، قائلاً "نحن ننتظر مثلما ينتظر الأهالي اكتمال مشروع التطوير وتوفير الخدمات العامة الضرورية للسائحين في جبل القارة".