تحظى اجتماعات الدورة العادية ال142 لمجلس الجامعة العربية المقررة الأحد المقبل بأهمية استثنائية، في ظل حالة الاحتقان والأزمات في عدد من الدول العربية على نحو ينذر بتفكيكها وانخراطها في حرب أهلية. ووفقا للدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية في حوار مع "اليوم" فإن ملفات عديدة ستعرض على هذه الدورة، ولكنه يلفت إلى أنها ستكون مغايرة حيث سيقدم للوزراء تقريرا صريحا شاملا عن الأوضاع العربية لإجراء مناقشات مستفيضة لوضع الأسس والقواعد التى تمكن المنطقة العربية من الخروج من حالة الأزمة، مع وجود اضطرابات غير مسبوقة في تاريخها على حد تعبيره، وهو ما يستوجب آليات جديدة للتعامل معها. قضايا عدة طرحتها "اليوم" على الدكتور نبيل العربي قبيل انطلاق هذه الدورة. وتاليا نص الحوار: الجامعة العربية تتعرض للهجوم بشكل مستمر ولكن مع بروز أي أزمة عربية مثل العدوان الاسرائيلي الأخير على غزة، أخذ الهجوم منحى أكثر حدة بسبب ما وصف بأنه عجز عن مواجهة تداعيات هذا العدوان ما رأيك في ذلك؟ لقد ذكرت مرارا أن العالم الذي نعيشه لا يقوم على منظمات فوق الدول، فهو قائم على الدول بمعنى أن ما تقرره هذه الدول هو الذي تقوم بتنفيذه الدول وبالتالي فإنه فيما يتعلق باسرائيل، فإن الجامعة غير مرتبطة بأي علاقات معها فضلا عن كونها ليس بوسعها أن تدخل في حرب ضدها، ومن ثم فإن الخيار المطروح أمامها هو اللجوء الى الأصل في التنظيم الدولي المتمثل في مجلس الأمن وهو ما فعلته الجامعة في إطار استيعابها لمحددات ميثاقها، واللافت أن الجامعة العربية وأنا شخصيا تعرضنا لهجوم غير مبرر بل ويفتقر الى المعطيات الصحيحة، فقد قيل إنني أغلقت أبواب الجامعة بينما كنا نعمل بداخلها خلال أيام العدوان، وأقوم بإجراء الاتصالات الاقليمية والدولية وشاركت في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره الأمريكي جون كيرى، كما قيل أنني حصلت على إجازة في لندن بينما لم أقم بزيارتها منذ يناير الماضى، وبلغ الأمر مداه عندما قال أحد الإعلاميين: إن الجامعة العربية ماتت وأن سرادق العزاء مقام في ميدان التحرير – مقر أمانتها العامة، ودائما ما يطرح المنتقدون سؤالا: ماذا فعلت الجامعة العربية إزاء هذه الأزمة أو تلك؟ إن الجامعة تتحرك وفق ميثاقها وتقوم بالخطوات المطلوبة منها باتجاه حل مختلف هذه الأزمات، ولكن عندما تعجز عن تقديم الحل في الإطار العربي فإنها تتحرك باتجاه مجلس الأمن، وفقا للفصل الثامن من ميثاق الأممالمتحدة، وبالتالي فإن أي موضوع يتعلق بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين داخل أي منظمة إقليمية، سواء كانت الجامعة العربية أم الاتحاد الأفريقي يتعين إحالته الى مجلس الأمن إذا فشلت محاولة حله، وهو ما حدث مع الجامعة العربية والتي قررت إحالة ملف الأزمة السورية الى المجلس بعد تعثر محاولاتها ومبادراتها لإنهائها على المستوى العربي والإقليمي والتي تمثلت في إرسال بعثة للمراقبين العرب، ثم فرض عقوبات اقتصادية وتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية ومنظماتها، ولكن عندما لم تفض هذه الإجراءات الى أية نتيجة تقرر اللجوء الى مجلس الأمن في 22 يناير 2012، غير أنه لم يتحرك – أي المجلس – إلا بعد ذلك بعامين. قصور دولي وأخلص من ذلك الى القول: إن ثمة قصورا في التنظيم الدولي نتيجة غياب أي وسيلة لإجبار الدول -من خلال المنظمات الأقليمية - على فعل شيء محدد باستثناء قرارات مجلس الأمن التي تتغلب على إرادات الدول، بل إن هذه القرارات تخضع للعرقلة من خلال لجوء الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس الى استخدام حق الفيتو الذي نص عليه ميثاق الأممالمتحدة، وذلك بحد ذاته ينبئ عن خلل واضح في التنظيم الدولى. وهنا أتساءل: من يتحمل مسؤولية أي قرار يصدر عن الأممالمتحدة. هل هو بان كي مون الأمين العام للمنظمة الدولية أم أعضاء المجلس الذين تبنوا هذه القرار؟ إن الأمر نفسه ينطبق على قرارات الجامعة العربية التي تتحمل دولها الأعضاء مسؤوليتها وليس الأمانة العامة أو الأمين العام. الحماية الدولية -ثمة مقترح قدمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس للأمم المتحدة بتوفير حماية دولية للفلسطينيين، وقام وفد وزاري عربي بزيارة الى جنيف مؤخرا لإجراء مباحثات بهذا الشأن، فماذا يعني ذلك؟ لقد أجرى الوفد على مدى يومين في جنيف سلسلة من الاجتماعات من أجل دعم طلب الرئيس عباس بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطينى، سواء مع اللجنة الدولية للصليب الاحمر أو مع الحكومة السويسرىة المودعة لديها اتفاقيات جنيف الأربع التي تتضمن الأسس القانونية لتطبيق هذه الحماية، بالإضافة الى بحث عقد مؤتمر الأطراف الموقعة على هذه الاتفاقيات، وأود أن أشير الى هذه الاتفاقيات تنص على احترام إحكامها، والأهم من ذلك أن تتعهد الدول بضمان هذا الاحترام وهو ما يعني أن هناك مسئولية دولية جماعية على جميع دول العالم بتوفير الحماية الدولية للشعوب الخاضعة للاحتلال. وللأسف لم يتحقق ذلك بالنسبة للشعب الفلسطينى، وحاليا بدأت الأممالمتحدة في بحث الموضوع الى أن يتم إنهاء الاحتلال الاسرائيلى، هذا موضوع أساسي ومن الأهمية بمكان أن يتم التركيز على أن المعضلة الرئيسية هي استمرار الاحتلال. انتقدت غير مرة أسلوب المجتمع الدولي في التعاطي مع النزاع العربي الاسرائيلى، فهل ما زال هذا الموقف قائما؟ لقد اكتفي المجتمع الدولي خلال العقود الأخيرة بما أطلق عليه إدارة الصراع من خلال اجتماعات رباعية خماسية وإصدار بيانات وغيرها، ولكن وزراء الخارجية العرب درسوا هذه الإشكالية في 17نوفمبر 2012، وتقرر فيه ضرورة السعي والعمل على إنهاء الصراع وبناء على هذا القرار كلفت بالاتصال بالدول الكبرى وحصلت على موافقتهم جميعا، وفي ضوء ذلك جاء الى القاهرة جون كيري في الرابع من مارس2012، وعقدت معه اجتماعا مطولا وتعهد خلال هذا الاجتماع بأن الولاياتالمتحدة ستعمل على إنهاء النزاع خلال ستة أشهر وعلى وجه التحديد قال: ان بلاده سوف تسعى الى اقامة دولتين دولة فلسطينية الى جانب الدولة الاسرائيلية على حدود الرابع من يونيو 1967، وستكون متصلة وليست كقطعة الخبز السويسري ثم كلفت بالتوجه الى واشنطن مع وفد وزاري عربي للالتقاء بنائب الرئيس الأمريكي جون بايدن، الى جانب جون كيري وعدد من كبار المسئولين، وتم التأكيد أبان ذلك على أن الإدارة الأمريكية سوف تسعى الى استئناف المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلى، وتم تحديد سقف زمني لها لمدة 9 أشهر ولكن للأسف توقفت كل هذه الجهود بعد تعثر هذه المفاوضات؛ بسبب تعنت اسرائيل التي تسعى دائما الى كسب الوقت والهدف الثابت لها في أي مفاوضات يتمثل في إهدار المزيد من الوقت، وهو ما خبرته شخصيا من تجربة المشاركة في التفاوض مع وفودها خلال مباحثات طابا المصرية في ثمانينات القرن الفائت، اقتناعا من قياداتها بأن ذلك يتيح لاسرائيل الفرصة لتجاوز الأزمة أو الضغوط التي تتعرض لها ثم التمكن من فرض حقائق على الأرض، ومن ضمن المفارقات في المواقف الاسرائيلية المتعنتة التركيز على ضرورة الأخذ في الاعتبار المطالب الأمنية لاسرائيل عند الحديث عن الانسحاب الاسرائيلي الى حدود العام 1967، بينما المنظور العربي في هذا السياق يرى أن تؤخذ في الاعتبار المطالب الأمنية للطرفين وليس لطرف واحد، فقرارات مجلس الأمن تتحدث عن أمن تبادلي وذلك يجب أن يكون واضحا ومن الأهمية بمكان، ونتطلع في ضوئه لأن تبدأ مرحلة جديدة من المفاوضات على أسس سليمة وصحيحة، فالشعب الفلسطيني لم يعد قادرا على تحمل أعباء الاحتلال المتمثلة في المكابدات والعذابات والإهانات والانتهاكات اليومية التي يتعرض لها منذ أكثر من ستين عاما، فكل شعوب العالم حصلت على تقرير مصيرها منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، بينما الشعب الفلسطيني وحده ما زال خاضعا للاحتلال، فضلا عن ذلك أن المنطقة والعالم كله لا يحتملون كلفة استمراره على هذا النحو المؤلم، وما نرجوه أن يتم أخذ العبرة مما جرى في قطاع غزة بعد استشهاد أكثر من الفي شهيد وأكثر من عشرة آلاف مصاب، وحالة التدمير الشامل التي تعرض لها من جراء العدوان الاسرائيلي الأخير حتى يتم البدء في خطوات باتجاه تكريس الأمن والاستقرار في المنطقة، وذلك في حد ذاته ينطوي على مصلحة لاسرائيل. الاقتراح الروسي كيف قرأت الاقتراح الروسي الأخير بضم مصر والجامعة العربية للجنة الرباعية الدولية المعنية بعملية السلام؟ وهل ترى أن من شأن ذلك تفعيل هذه اللجنة التي أعلم أن لك رأيا سلبيا في أدائها؟ ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها طرح مثل هذا الاقتراح، فقد أثاره معي صديقي وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قبل ثلاث سنوات ولم أتحمس كثيرا له في ذلك الوقت، هذا أولا، أما ثانيا فأرى أنه من الضروري تدخل مجلس الأمن ليفرض حلا بمقتضى الصلاحيات المخولة، لا أن يفوض لجنة تقوم بإدارة الأزمة مثلما فعلت على مدى سنوات تشكيلها وهو ما يشكل مبررا لموقفي الشخصي السلبي من هذه اللجنة، ولكن لو أن مجلس الأمن قرر ضم الجامعة العربية اليها فإنها ستقوم بواجبها ومع ذلك لست سعيدا بأداء هذه اللجنة. الوضع السوري ماذا عن الوضع في سوريا، فالأزمة تتفاقم ولكن لا يبدو أن ثمة حلا في المدى المنظور، فهل باتت هذه الأزمة خاضعة لحالة الاستقطاب الإقليمي والدولي الحاد؟ لا شك في أن الأزمة السورية تعيش حالة مراوحة بعيدا عن أي حلول حاسمة حتى الآن، خاصة بعد استقالة الأخضر الابراهيمي من منصبه مبعوثا خاصا للأمم المتحدة والجامعة العربية، وقد تم مؤخرا اختيار شخصية أخرى لخلافته في هذا المنصب وهو الدبلوماسي السويدي الإيطالي "ستافان دي ميستورا " وقد عمل لسنوات طويلة في الأممالمتحدة من بينها مبعوث للسكرتير العام للأمم المتحدة في العراق وآخر منصب تولاه كان نائب وزير خارجية إيطاليا وهو يتميز بقدرات هائلة للغاية، كما تم تعيين الدبلوماسي المصري رمزي عز الدين رمزي الذي كان مديرا لمكتب الجامعة العربية في فيينا نائبًا ل "دي ميستورا " بعد أن رشحت الجامعة العربية أكثر من شخص لهذا الموقع، وبالتأكيد فإن المهمة المنوطة بهما ستكون مختلفة عن طبيعة مهمة الابراهيمي وكوفي عنان والتي كانت تركز على البحث عن حل سياسي في إطار بيان جنيف 1 الذي عقد نهاية يونيو من العام 2012، والذي كان يهدف الى بدء مرحلة انتقالية في سوريا من خلال تشكيل هيئة حكم بمشاركة الحكومة والمعارضة تتمتع بصلاحيات واسعة، وقد عقد مؤتمر جنيف 2 بعد ذلك في شهر يناير الماضي أي بعد أكثر من عام ونصف من جنيف 1، ولكنه لم يسفر عن بلورة أي حلول بهذا الاتجاه خاصة بعد حدوث تغيير في معادلة الصراع العسكري على الأرض بعد أطراف خارجية إقليمية ودولية، فضلا عن دخول عناصر متطرفة أساءت الى سمعة الثورة، وللأسف فان من يدفع الفاتورة هو الشعب السوري من الطرفين، وفي ضوء هذه المعطيات فإن مهمة دي ميستورا ونائبه ستركز على البحث عن حل سياسي والى أن يتحقق ذلك فينبغي التركيز على معالجة الأوضاع الانسانية الشديدة الصعوبة التي يواجهها السوريون، فهناك أكثر من ستة ملايين نازح في الداخل لا يجدون لقمة الخبز أو قطرة الماء، وأنا هنا لا أتحدث عن النقص الواضح في الخدمات الطبية والعلاجية، فضلا عن ثلاثة ملايين لاجئ بدول الجوار وغيرها، وثمة إطار يمكن الاستناد إليه في التحرك بهذا الاتجاه يتمثل في القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في الرابع عشر من يوليو الماضي تحت رقم 2165، والقاضي بالسماح بدخول مساعدات انسانية الى المناطق المحتاجة عبر المعابر الحدودية، بغض النظر عن موافقة الحكومة السورية، بعد تعثر تطبيق القرار رقم 2139 الذى كان أصدره المجلس في الثاني والعشرين من شهر فبراير الماضى. تطورات ليبيا كيف تقرأ الوضع في ليبيا اليوم؟ لقد قمت بزيارة الى طرابلس على رأس وفد من الجامعة العربية، لبحث إمكانية مساهمتها في بناء مؤسسات الدولة، وتم الاتفاق مع السلطات الليبيبة على افتتاح مكتب للجامعة في طرابلس ولكن مع تدهور الاوضاع الأمنية توقف ذلك، ومع تداعيات الأزمة الأخيرة قرر مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية تعيين الدكتور ناصر القدوة مبعوثا خاصا للجامعة لليبيبا والذي زار طرابلس بالفعل، وقد تفاءلت بالاجتماع الذي عقده مجلس النواب الجديد في طبرق قبل فترة الذي شاركت فيه الجامعة العربية بوفد ترأسه السفير جواد فاضل الأمين العام المساعد للشئون السياسية، ولا شك أن المطلوب بعد سلسلة الاجتماعات الأخيرة وعلى رأسها اجتماع دول الجوار لليبيا على مستوى وزراء الخارجية بالقاهرة مؤخرا وشاركت فيه هو البدء فورا في حوار وطني، بهدف بناء توافق بين مختلف القوى السياسية وإسراع المنظمات الإقليمية والدولية ودول العالم المعنية في بناء مؤسسات الدولة الليبية، ومساعدة السلطات الليبية في جمع السلاح في ظل وجود أكثر من عشرين مليون قطعة سلاح خارج السياق الرسمى، مما جعله في أيدي كل الفئات وهو وضع خطير لا يعقل أن يستمر وثمة واقعة رواها لي رئيس وزراء ليبي سابق تحمل العديد من الدلالات، وهي أن فتاة شكت لشقيقها عن قيام شاب بمعاكستها فسارع بتوجيه قذيفة آر بي جيه نحو منزله فنسفه على الفور بمن فيه. ومن الأهمية بمكان في هذا السياق أن يلتف أبناء الشعب الليبي وكافة أطرافه السياسية حول المؤسسات الليبية الدستورية الشرعية المنتخبة، وفي مقدمتها مجلس النواب والجمعية التأسيسية لصياغة الدستور باعتبارها المعبر عن إرادة الشعب الليبي والمؤتمنة على تنفيذ خطوات مسار عملية الانتقال السياسي في ليبيا. وينهض موقفنا في الجامعة العربية الدعوة إلى نبذ العنف ودعم العملية السياسية الجارية في ليبيا والجهود المبذولة من أجل إطلاق عملية الحوار الوطني الشامل، وتشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على إنقاذ البلاد من مخاطر الإرهاب وأعمال العنف والاقتتال الأهلي، وبما يحقق تطلعات الشعب الليبي ويحفظ لليبيا وحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها. وماذا بشأن الدعوات المتزايدة من بعض الدوائر الليبية للتدخل الخارجى؟ رئيس الوزراء الليبى السابق على زيدان كان قد طلب من الجامعة طلبا محددا، وهو بناء المؤسسات وجمع السلاح، بالتعاون مع الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبى، وأبدينا موافقة وترحيبا بذلك، لكننا رأينا أن يبدأ ذلك بعملية سياسية، وبالفعل وافق والمؤكد أن ليس هناك أطراف أقليمية أو دولية ترغب في التدخل العسكري في ليبيا وهو ما تم التأكيد عليه في مؤتمر القاهرة الأخير لوزراء خارجية دول الجوار، ولكن قد يكون هناك مطلوب شيء شبيه بعملية حفظ السلام، وليس شن حرب مثلما حدث عند إسقاط نظام معمر القذافي عام 2011 بعد تدخلات من حلف الأطلسي والبرلمان الجديد حاول التخفيف من ذلك عندما وجد معارضة، ربما يكون هناك نوع من المساعدة الدولية، كما ذكرت وليس تدخلا دوليا عسكريا، هذا ما تحتاجه ليبيا في المرحلة الراهنة. مع التطورات المتلاحقة في النظام الأقليمي العربي يبدو واضحا أن الحاجة الى تطوير الجامعة العربية باتت من الضرورة بمكان، فكيف سيتم التعامل مع هذا الملف؟ في أول مشاركة لي في اجتماعات مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، كانت في سبتمبر من العام 2011 وقد تقدمت بجملة من المقترحات لتطوير الجامعة العربية، وتفعيل أدائها تمحورت في أن يكون التركيز على سلسلة من المشروعات العملاقة بمنأى عن معالجة المشكلات السياسية الطارئة، وهنا أود أن ألفت الى أن ميثاق الجامعة العربية تم إقراره في سبتمبر من العام 1944، وبالتالي لا يمكن أن يستمر حتى الآن بنفس نصوصه التي لا تتوافق مع المتغيرات الإقليمية والدولية، والأمر بات بالنسبة لي أشبه بسيارة موديل 1944، فهي لن تكون قادرة على التحرك بنفس الكفاءة في العام 2014 هذا من الصعوبة بمكان وهو ما دفعني الى تشكيل لجنة مستقلة لإعداد تقرير عن متطلبات التطوير، ضمت خبراء من أغلبية الدول العربية تقريبا برئاسة وزير الخارجية الجزائري الأسبق، والذي تم عرضه بالفعل وتم إقراره وطلب منا تنفيذه وهي عملية تأخذ كثيرا من الوقت وعبر خطوات متوالية وهي العملية التي تجرى حاليا، وهناك مقترحات عدة لإجراء تعديلات مهمة على ميثاق الجامعة وعلى مجلس السلم والأمن العربى، وكذلك بالنسبة للمحكمة العربية لحقوق الانسان وآلية للإسراع بتقديم المساعدات الانسانية والطارئة ستعرض جميعا الى جانب مقترحات أخرى على الدورة العادية ال 142 لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية يوم الأحد المقبل - السابع من شهر سبتمبر - في ضوء ما أعدته فرق العمل الأربعة المشكلة لبحث ملف التطوير والتي انتهت من أعمالها في الآونة الآخيرة، ولا شك أن ثمة آليات مغايرة باتت مطلوبة لإنجاح العمل العربي المشترك وهو ما سيتم التركيز عليه في الفترة المقبلة، ودعني أشر هنا الى أن منظمة أقليمية كالاتحاد الأفريقي حقق قفزات نوعية أكثر بكثير من الجامعة العربية، على الرغم من أن إمكانات الدول العربية تتجاوز بكثير إمكانات الدول الأفريقية لسبب بالغ البداهة، يتمثل في أن هذه الدول تلتزم بقراراتها وتنفذها بينما الدول العربية كثيرا ما تسوف في تطبيق القرارات التي تتخذ على المستوى القومي أقول ذلك وأنا أشعر بأسف شديد. هل تلعب الخلافات العربية العربية دورا في هذا الشأن؟ بالتأكيد تلعب هذه الخلافات الى جانب تدخلات بعض الأطراف في النزاعات الراهنة – على سبيل المثال في ليبيا - تسهم في التأثير سلبا على تنفيذ القرارات العربية، وكل ذلك يدفعني الى القول إن الدورة القادمة لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، ستكون مختلفة ومغايرة. بأي اتجاه؟ لقد طلبت عقد اجتماع يشارك فيه وزراء الخارجية على هامش الدورة ال142 لمجلس الجامعة فقط بحضوري، وسأقدم تقريرا يتضمن نوعا من العصف الفكري يتناول بصراحة شديدة المعضلات والمشكلات وحالة الاضطراب غير المسبوقة في المنطقة العربية، وفي تقديري فإن الأمور في حاجة الى مراجعة شاملة وتغيير المفاهيم السائدة وفي الوقت نفسه عدم تجاهلها الى جانب تجنب الآليات البيروقراطية والتهاون في اتخاذ القرارات الصحيحة والسريعة. وضع خطير كيف ترون الوضع في العراق على ضوء التطورات الراهنة؟ بالغ الخطورة، وهو ما دفعني أكثر من مرة الى دعوة كافة التيارات السياسية والزعماء السياسيين لتضافر الجهود والتعاون فيما بينهم للاسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية عراقية لاخراج العراق من هذا الوضع المتردي، كما طالبت بضرورة مواجهة حركة "داعش" الإرهابية بكل حزم، وكذلك المجموعات الارهابية التي تستغل الحالة الراهنة في العراق لاثارة النعرات الطائفية والمذهبية بهدف ضرب مكونات نسيج المجتمع العراقي وتقويض مقومات الدولة الوطنية العراقية. لكن يرى البعض أن الجامعة نأت بنفسها عن الملف العراقى، ولم تسع الى المساهمة في دفعه الى الحل السياسى؟ لقد عرضت مساهمة الجامعة خلال زياراتي المتعددة على نوري المالكي رئيس الوزراء السابق لكنه كان يرفض بشدة ذلك. هل أفهم من ذلك أن المالكي كان ضد تدخل الجامعة؟ نعم.. وبمجرد تشكيل حيدر العبادي لحكومته الجديدة سيتوجه وفد عربي يضم عددا من ورزاء الخارجية، في مقدمتهم الشيخ خالد الصباح نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي والذي ترأس بلاده الدورة الحالية للجامعة العربية إلى بغداد، لعرض إمكانية المساعدة العربية في تجاوز الأزمات التي يعاني منها العراق. وبالنسبة لكردستان العراق؟ يبدو أنهم الآن داخل العملية السلمية، والتدخل الأمريكي الراهن يتم بناء على اتفاق مع الحكومة العراقية. وهل تعتقد أن انفصال الأكراد بات على الأبواب؟ لا أستطيع أن أقول هذا، وصلاح الدين الأيوبي كان كرديا، وكان يقود العرب والمسلمين، والأكراد سيشاركون في تشكيل الحكومة، وكل سيضع شروطه، والعراق مكونة من ثلاثة مكونات كبيرة، أو مكون عربي ومكون كردى، فلا داعي للحديث عن الأديان أو المذاهب، كلهم مسلمون سواء كانوا سنة أو شيعة، ولا أدري لماذا نتحدث عن خلاف يعود للقرن الثامن، وليس له علاقة على الإطلاق بعالم اليوم، هذا لم ينشأ إلا مع مجيء الإمام الخميني عام 1979. الدور الإيراني المتصاعد السلبي في العراق والمنطقة..كيف يمكن تعظيم الدور العربي لمواجهته؟ لنا موقف ووزير الخارجية الإيراني الحالي صديقى، وقد تكلمت معه بكل صراحة، والمطلوب هو عدم التدخل في شئون الدول العربية، وهو يؤكد أنه لا يوجد تدخل، وقد أكدت له أن التدخل قائم، وقد أطلعته على كتب مطبوعة في إيران تدعو إلى التشيع في الأزهر نفسه، هم لا يريدون نسيان أن الأزهر أنشأه الشيعة وبقي مائتي عام شيعيا، لكنني أعود فأؤكد أن هذا الأمر لا علاقة له بالقرن الحادي والعشرين، فكلنا مسلمون من نفس الكتاب ونفس الإله ونفس النبى، فكيف تكون هذه الخلافات. رغم الكبوات التي تواجهها الثورات العربية..هل ما زلت متفائلا بها؟ بطبيعتي أنا متفائل، ولا شك أن الأمور تتحسن، رغم كل الصعوبات التي تواجهها الدول التي نشبت بها هذه الثورات. هل تقول ذلك في ظل ما نشهده حاليا من مخاطر التجزئة والتقسيم والحديث عن خرائط جديدة لدول المنطقة؟ أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة، لأن جميع دول العالم الكبرى أو الهامة التي لها سياسة خارجية تفكر وعندها خبراء يفكرون ويدرسون مصالحهم في كل مكان، وهناك أفكار تمس في هذا السياق العالم العربي في الدول الغربية وفي اسرائيل، وكل شيء يفكرون في مصلحة اسرائيل أولا، وهناك مقولة قالها ديفيد بن غوريون مؤسس دولة اسرائيل في الخمسينات من القرن الماضي أن قوة اسرائيل ليست فقط في ترسانتها العسكرية، ولكن في تفتت وانهيار مصر والعراقوسوريا، هذه مصلحة لهم. وماذا بشأن العلاقة مع دول الجوار العربي؟ من ضمن الموضوعات التي ستعرض على وزراء الخارجية العرب في اجتماعات دورتهم ال 142 خلال الأسبوع المقبل هو أن تكون لنا سياسة واضحة، وندرس تماما المواقف في دول الجوار العربى، وتركيا وأثيوبيا لها تأثير عى المياه العربية، ولنا جيرة غيرطيبة نشيطة على المستوى السياسي والديني. هل يمكن تطوير الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب على ضوء داعش وغيرها؟ هناك اجتماع مرتقب بين وزراء الداخلية والعدل العرب وهو المنوط به بحث مثل هذه الملفات. الأمين العام يتحدث ل «اليوم»