رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي يستحق الثناء لقيامه بفعل شيء لم يحاول القيام به سوى عدد قليل من رؤساء البنوك المركزية الأخرى، ولم يقم أي منهم تقريبا بانجازه بنجاح. في خطابه الذي ألقاه يوم الجمعة في جاكسون هول، وايومنغ، أمام جمع من محافظي البنوك المركزية والاقتصاديين، ربط استعداد البنك المركزي الأوروبي لبذل المزيد من الجهد مع التقدم الذي تحرزه الحكومات في تنفيذ تدابير داعمة. فعل ذلك عن طريق تقديم خمس نقاط التي ينبغي أن تكون قراءة إلزامية للقادة السياسيين في أوروبا. أولاً، افتتح دراجي كلمته بالإشارة إلى أنه «لا أحد في المجتمع يظل بمنأى عن حالة الارتفاع في معدلات البطالة». كما يوضح من البيانات والتحليلات المقدمة، والتي تضمنت مناقشة ثاقبة لتحديات إضافية من الاتحاد النقدي، أن أوروبا تواجه مشكلة البطالة الملحة التي تنطوي على أبعاد اقتصادية ومالية وسياسة اقتصادية وسياسية واجتماعية مثيرة للقلق. بل هي أيضا «مصدر هشاشة للوحدة النقدية». ثانياً، ناقش دراجي حلول مأزق البطالة في أوروبا بالإشارة إلى أن «الاستنتاج الوحيد الذي يمكن استخلاصه بأمان، في رأيي، هو أننا بحاجة إلى العمل على جانبي الاقتصاد: سياسات الطلب الكلي يجب أن تكون مصحوبة بالسياسات الهيكلية الوطنية. «هذه ليس من قبيل الكلام الفارغ، ولا هو يتهرب من النقاش الساخن بين الاقتصاديين فيما يتعلق بدور القوات الدورية والهيكلية. وإنما هو إجراء تقييم نزيه للوضع الذي تواجهه أوروبا، معترفا بأن «تقديرات درجة البطالة الدورية والهيكلية يجب أن تتم مع بعض الحذر الشديد». ثالثاً، وعلى أساس تحليل سياسته، اعترف دراجي أن البنك المركزي الأوروبي مستعد وقادر على بذل المزيد من الجهد في إطار ولايته باستخدام «كل الوسائل المتاحة». وبالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالقلق حول ميزان المخاطر، جادل دراجي أنها «مخاطر القيام بما هو أقل من اللازم - أي أن البطالة الدورية تصبح الهيكلية - وتفوق مخاطر القيام بما هو أكثر من اللازم - أي الأجور التصاعدية المفرطة وضغوط الأسعار». رابعاً، أكد دراجي بحق على أن فعالية سياسة البنك المركزي الأوروبي مرتبطة بصورة بالغة بالتقدم الذي أحرزته الحكومات في تقديم استجابة أشمل بكثير في مجال السياسة الاقتصادية. وكان صريحاً حول هذا الموضوع، مشيراً إلى أن «سياسات الطلب الكلي في نهاية المطاف لن تكون فعالة دون العمل بالتوازي على جانب العرض». في الواقع «لا يمكن لأي قدر من الاستقرار المالي أو النقدي... أن يعوض عن الإصلاحات الهيكلية اللازمة في منطقة اليورو». وعلى هذا النحو، إذا استمر البنك المركزي الأوروبي في تنفيذ معظم العبء السياسي، كما فعل في معظم فترة ما بعد الأزمة، فإن الأمر ليس سوى مسألة وقت حتى تفوق التكاليف المحتملة لموقفها السياسي غير المتوازن الفوائد. وأخيراً، ساعد دراجي في وضع جدول أعمال السياسة الاقتصادية للسياسيين. في تفضيل للموقف المالي الأكثر استيعاباً، حيث جادل بأن «المرونة الموجودة داخل القواعد» تسمح بتخفيف الميزانية جنباً إلى جنب مع الإصلاحات الضريبية المؤيدة للنمو. وفي الضغط من أجل إيجاد إصلاحات هيكلية أكثر وضوحاً خص «أسواق العمل وأسواق المنتجات والإجراءات لتحسين بيئة الأعمال». وحين تطرق دراجي إلى خوض مواضيع هي أبعد بكثير من السياسة النقدية، وفي ربط المزيد من التدابير النقدية بإجراءات السياسات في أماكن أخرى، فإنه يُعَرِّض نفسه والبنك المركزي الذي يقوده إلى مجموعة أوسع من مخاطر السمعة والمصداقية. ينبغي الثناء عليه ودعمه لقيامه بذلك. الآن حان الدور على السياسيين ليكونوا أكثر استعداداً في تقديم مسؤوليات الإدارة الاقتصادية.