أكد عدد من المشايخ والمختصين أن هدر المياه والإسراف فعلٌ يبغضه الرَّب - جلَّ وعلا –، وان وعي المواطن يظل هو العنصر الأهم في عملية الحفاظ على هذه الثروة الوطنية الغالية واستخدامها الاستخدام الأمثل. وأوضحوا أنه يغلب الإسراف في الماء مع غياب المسؤولية الذاتية في المراقبة الواقعية للتصرفات والاستهلاك، ويزيد الأمر صعوبة شح الأفكار لإنتاج تطبيقات تفيد في الاستفادة من كل قطرة ماء مع كثرة المساجد. وقالوا: إن توجيه الخطباء والدعاة للناس جزء من المسؤولية المجتمعية، لاسيما أن التوجيه المحمدي نص على عدم الإسراف في الوضوء، والتحقيق التالي يتناول أبعاد الإسراف من الناحية الشرعية وضرره على المجتمع. النهي عن الإسراف يقول فضيلة الشيخ د.صالح بن عبدالرحمن اليوسف: إن الإسراف عموما تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، ولهذا من تدبر القرآن وجد أن النهي عن الإسراف ورد فيه من عدة نواح، تخص المسلم في حياته وفيها كل الخير له، فقد نهى الله عن الإسراف في الأكل، والشرب فقال تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين} [الأعراف: 31]، وقال تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر، وآتوا حقه يوم حصاده، ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأنعام: 141] ويضيف اليوسف: «لقد جاء النهي عن الإسراف في الإنفاق في المال، والمال كما نعرف قوام الحياة وسبب في تلبية حاجات الإنسان وتوفير حياة كريمة، ولم يفرق النهي بين من يجد ولا يجد قال تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} [الفرقان:67». وعن أهمية الماء، يشير الى أنه سبب في حياة المسلم ولا غنى لأحد عنه قال تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} [الأنبياء: 30]، وقال تعالي: (والله خلق كل دابة من ماء) وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإسراف في استعمال الماء حتى ولو كان من أجل الوضوء، فقد روي عن عبدالله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال (ما هذا الإسراف؟)، فقال: أفي الوضوء إسراف؟، قال (نعم وان كنت على نهر جار) أخرجه بن ماجه في سننه. ويرى اليوسف أنه قد يكون الجهل بالأحكام الشرعية من أوسع الأسباب انتشارا؛ لما يصاحبه أيضا من ضعف في الإيمان، لا سيما مع انتشار الخير والنعمة وكل وسائل الراحة والترف في المجتمع، مما يضعف الواقع التطبيقي للبعد عن السرف والإسراف. ونحن في واقعنا الصحراوي والحار مع شح المصادر المائية نستهلك معدلات كبيرة من الماء، ويغلب الإسراف في ذلك مع غياب المسؤولية الذاتية في المراقبة الواقعية للتصرفات والاستهلاكات، ويزيد الأمر صعوبة عدم شح الأفكار لدينا عن انتاج تطبيقات تفيد في الاستفادة من كل قطرة ماء، مع كثرة المساجد في كل مكان أو الوصول لتقليل الهدر في المياه، والمسؤولية في الحفاظ على المياه مسؤولية مجتمعية يشارك فيها الجميع، وعلى كل مستوىً، وزارات ومؤسسات وأفراد ومتخصصون ومختصون. وتوعية الناس إجراء مؤثر وهام لتتكاتف الجهود في الحفاظ على أهم الموارد التي تقوم عليها حياة الناس، وكذلك اهتمام الجهات المسؤولة في عقد الأبحاث وورش العمل للوصول إلى المقترحات الفعالة في هذا الشأن. وتوجيه الخطباء والدعاة للناس جزء من المسؤولية المجتمعية، لاسيما أن التوجيه المحمدي نص على عدم الإسراف في الوضوء، وهو عبادة ولا تصح الصلاة إلا به مع وجوده. ويشير الى أن غياب القدوة في التطبيق في المجتمع من عدة مستويات من أسباب عدم وجود التفاعل المطلوب من الجميع، في المجتمع في الاقتصاد بالثروات المائية وعدم الإسراف أو الهدر فيها. توسّط واعتدال ويرى فضيلة الشيخ رياض البراك أنَّ الأصول التَّشريعية، والقواعد القرآنية، والمبادئ النبوية - أصلُ التوسُّط والاعتدال في جميع الأمور وفي كلِّ الأحوال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143]. ومن أصول الشَّريعة أيضًا : حفظ الأمور الضرورية للنَّاس، وهي: الدِّين، والنَّفس، والمال، والعِرْض، والعقل، ومن هذا المنطلق جاءت النُّصوص الشَّرعية تحذِّر من الإسراف والتَّبذير، وتنْهى عن البخل والتَّقتير. ويقول البراك: إن الإسراف فعلٌ يبغضه الرَّب - جلَّ وعلا - وتصرُّفٌ يذمُّه المولى العظيم؛ يقول - جلَّ وعلا -: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، ويقول «صلى الله عليه وسلَّم» في الحديث المتَّفق عليه: ((إنَّ الله حرَّم عليكم عُقوقَ الأُمَّهات، ومنعًا وهات، ووأد البنات، وكَرِه لكم قِيلَ وقالَ، وكَثْرةَ السُّؤال، وإضاعةَ المال))؛ يقول النَّوويُّ – رحمه الله – ومعنى قوله: ((إضاعة المال))؛ أي: تبديده وصرفه في غير الوجوه المأذون فيها من مقاصد الآخرة والدُّنيا، وتركُ شبه ما أمكن فعله. ويضيف: «لقد ذكر العلماء أنَّ الإفراط في تناول المُباحات، والتَّوسُّع العظيم فيها، وبذل الأموال الكثيرة فوق قدْر الحاجة، بما فيه زيادةُ تَرَفُّه وتَنَعُّم مبالَغ فيه - كلُّ ذلك من الإسراف الذي لا ينبغي». ويوضح فضيلته أنه ليس من شأن المسلم المبالغةُ في التنعُّم، والاسترسال في الملذَّات بما يبعده عن الكمال في أمور الدِّين، وبما يوقعه في ركونه إلى هذه الدُّنيا الفانية. ويبيّن أن هذا لا يعني أنَّ الإسلام يحرِّم التَّنعُّم بما خلق الله من الطيبات، وإنما المراد أن يوطن المسلم نفسه على الاعتدال وعدم الإسراف في المباحات، وعدم الإسراف في المشتَهَيات فوق الحاجة؛ حتى لا تقع النَّفس الأمَّارة بالسُّوء في المأثم وأكل الحرام؛ مضيفا أن الواجب على المسلم أن يعلم أن الماء نعمةٌ واجبٌ حفظها، محرَّمٌ الإسراف فيها، فلقد وجَّه رسول الله - صلى الله وسلم عليه - أمته إلى هذا المغزى، وضرب لهم المثل الأروع في المحافظة على هذه النعمة العظمى. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع، إلى خمسة أمداد»؛ رواه مسلم. وعي المواطن ويقول مدير عام المياه بالمنطقة الشرقية، المهندس سراج بن عمر بخرجي: إن المسؤولية تقع علينا كمواطنين أولا، لأنه مهما كانت العقوبات التي تفرض نظاماً على مخالفات إهدار المياه، ومهما كانت الأنظمة التي تحافظ على المياه وطريقة ضخّها وتشغيلها، فإنه يبقى وعي المواطن هو العنصر الأهم في عملية الحفاظ على هذه الثروة الوطنية الغالية واستخدامها الاستخدام الأمثل، وما لم تتغير أنماطنا الاستهلاكية المعتادة ليس فقط في المياه بل في كافة حاجاتنا الاستهلاكية فإن القضاء على ظاهرة الهدر بشكل تام يبدو مطلباً أشبه بالمستحيل، ولا شك أن برامج وحملات الترشيد التي تقوم بها وزارة المياه والكهرباء ومديرياتها قد ساهمت في الحدّ من هذه الظاهرة. ويوضح أن هناك برامج عملية تقوم بها المديرية في إطار حملة الترشيد الوطنية للحفاظ على هذه النعمة التي لا حياة بدونها، وذلك من خلال تركيب أدوات الترشيد في المنازل ومرافق القطاعين الخاص والحكومي والمساجد والمدارس، وكذلك من خلال برامج كشف ومعالجة التسربات الخفية في شبكات المياه، فضلاً عن برامج التوعية المستمرة التي تستهدف النشء بشكل خاص والمواطن والمقيم بشكل عام، وقد نجحت ولله الحمد في إيصال رسالتها بالشكل المطلوب. ويؤكد المهندس بخرجي أن هناك تنسيقا بين وزارة المياه والكهرباء ووزارة التجارة، بخصوص إيجاد مواصفات تضمن استيراد وتصنيع أجهزة وأدوات تسهم في تخفيف هدر المياه. ويضيف: إنه توجد برامج ترشيدية ومعارض تقيمها المديرية للمياه بالمنطقة الشرقية، ورسائل إعلامية تحتوي جرعات توعوية، ونعوّل باستمرار على تفاعل المواطن والمقيم للوصول للهدف المنتظر. ويشير مدير مياه الشرقية الى أنه توجد فرق لمراقبة هدر المياه، مثل غسيل المنازل وتقوم بجولات ميدانية على مدار الساعة لرصد هذه الحالات وتوثيقها بالصور، وتطبيق الغرامة النظامية المقررة على هذه المخالفات بمقدار 200 ريال حسب لائحة تحديد المخالفات ومقدار الغرامات، مع العلم بأن تنظيف المنزل يمكن أن يتم دون حاجة لإهدار كميات من المياه في الشوارع، ونهيب من خلال جريدتكم الغراء بالأخوة المواطنين والمقيمين لاستشعار المسؤولية تجاه هذه الثروة الوطنية الغالية، وضرورة تضافر الجهود للحفاظ عليها. سياسات مائية يؤكد المهندس محمد بن عبدالله الحسين أن ترشيد المياه ضرورة حتمية، حيث إن الوضع المائي في المملكة العربية السعودية، وضع دقيق وحرج حيث كما هو معلوم بأن المملكة تقع ضمن المناطق الصحراوية شحيحة المياه، وتفتقر إلى مصادر المياه الطبيعية كالأنهار والبحيرات، وتعتبر قليلة الأمطار مقارنة ببعض الدول الأخرى. ويقول الحسين: «تعتمد المملكة العربية السعودية في تأمين احتياجاتها من المياه على مصدرين رئيسيين. الأول: المياه الجوفية، والتي تستخرج من باطن الأرض من مصائد المياه التي تم تجميعها عبر مئات السنين في طبقات جوفية حاملة للمياه، حيث تقوم المملكة باستخراجها بمحاذير كبيرة خوفاً من نضوبها. والمصدر الثاني: هو تحلية مياه البحر، وهو أحد المصادر الإستراتيجية للبلاد، حيث قامت المملكة وتقوم ببناء العديد من محطات التحلية على الساحلين الشرقي والغربي رغم التكلفة العالية لهذه التقنية، إلا أنها إحدى الوسائل المتاحة في ظل الموارد المالية الكبيرة للدولة. وبناء على ذلك فإن المملكة في حاجة إلى وضع سياسات مائية، تعنى بإدارة الطلب على المياه، وكذلك لرسم خطط مستقبلية وسن الأنظمة التي تساعد على ترشيد الاستهلاك المتصاعد؛ نتيجةً لاستمرار شح الموارد وارتفاع تكلفة محطات التحلية». ويضيف «في ظل هذا الوضع القائم إلا أنه وللأسف الشديد تعتبر المملكة من أعلى المعدلات للاستهلاك الفردي اليومي للمياه، حيث يصل إلى أكثر من 400 لتر يومياً للفرد، بينما في دول أخرى تتمتع بوفرة مائية، لا يتعدى بحده الأعلى 150 لتراً للفرد في اليوم. وتسعى وزارة المياه والكهرباء بشتى الطرق الى تخفيض معدل استهلاك الفرد الى مستويات معقولة في حدود 200 الى 230 لتراً في اليوم، وهذا ما يستدعي وبشكل عاجل وضع خطة متكاملة لإدارة وترشيد استهلاك المياه، لعل من أهمها التوعية والتثقيف بخطورة الوضع المائي على الفرد وعلى التنمية بشكل عام، حيث إن المتتبع لوضع المياه في المملكة يدرك أن التوعية والتثقيف لا تكاد تذكر من قبل الجهات المختصة، وهذا جانب مهم يجب التركيز عليه، بالإضافة الى الوسائل الأخرى حتى نصل إلى العلاج المنشود للحد من الإسراف». قيمة المياه والأزمة مع الإسراف تموت شعوب في أفريقيا بسبب جفاف الآبار وانقطاع الأمطار، بحيث لا يجدون ما يروون به أبناءهم وبهائمهم، فتتهاوى أجسادهم فاقدة الحياة يوما بعد يوم، في وقت يغسل فيه آخرون أيديهم فقط بما يعادل لترا من الماء، ويستحمون بما يعادل 200 لتر من المياه، أي بما يعادل حاجة 200 شخص ليوم كامل من مياه الشرب، فيما تعتبر المياه التي في كرسي الحمام أنظف من المياه التي يشربها الكثير من سكان القرى الأفريقية وبأكثر من 10 مرات. وفي ضوء الإسراف والهدر المتواصل للمياه، ترى اللجنة الدائمة أنه من المستحب تقليل ماء الوضوء مع الإسباغ؛ اقتداء بالنبي «صلى الله عليه وسلم» ولا يجوز الإسراف في الماء في الوضوء أو الاغتسال؟ لنهي النبي «صلى الله عليه وسلم» عن ذلك، وقد كان النبي «صلى الله عليه وسلم» يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، ونهى عن الإسراف في الماء، كما في حديث أنس قال: كان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد رواه مسلم. ولما روي عنه «صلى الله عليه وسلم» أنه قال للمتوضئ «لا تسرف، لا تسرف» رواه ابن ماجه. مع عموم الأدلة في النهي عن الإسراف. وأما الشك في خروج الريح بعد الوضوء، فلا يؤثر ولا تبطل به الطهارة؛ لأن اليقين لا يزول بالشك؟ لقول النبي «صلى الله عليه وسلم» لمن سأله عن ذلك: لا تنصرف حتى تسمع صوتا أو تجد ريحا» متفق عليه.