في الحياة عقبات ومشكلات، وأخطاء وأعباء، منها يتعب القلب، وتجهد النفس، ويتطور الأمر بالبعض فيصاب بالاضطرابات النفسية من القلق والاكتئاب وغيرهما، وربما انعزل عن الناس أو ترك عمله، وسعى جاهدا للبحث عن حل أو علاج لدى الأطباء أو القراء أو المعالجين، لكن السؤال الأكبر والأهم، هل صاحب الشكوى أو المرض أو المشكلة فكر بحلٍّ أقرب وأسهل؟!. أذكر مرة لقيني رجل يشكو من إصابة ابنه بمرض السرطان، وأنه صرف مبالغ طائلة لعلاجه ولم يشف الابن، ورأيته حزيناً جداً، لأنه بذل السبب الطبي والعقاقيري وهذا حسن، ثم سألته: هل سألت الله بصدق شفاء ولدك، وتحريت مواطن الإجابة وتصدقت بما تيسر؟ قال: قليلاً وأنا مستعجل، قلت له: إذن قم في آخر الليل وألحّ على الله بصدق وأنت خال من البشر، وعليك بزمزم وليكثر منه ابنك، ثم تركته عدة أشهر ولقيته بعدها والبشر يعلو محياه، فبشرني بأنه طبق ما سبق، وأنه قام عدة ليال حتى دعا مرة فقال: "يا رب إن لم تشف ابني فخذني معه!"، كان ذلك من شدة كربته، وفعلا لاحظ الاطباء انحسار المرض ثم تلاشيه، والآن شفي الابن وسيتخرج من الجامعة بإذن الله.. إنَّ قرع باب السماء لمن يملك الأمر والخلق هو الباب العظيم الذي لا يغلق أبداً، وهو الخير العميم المتتابع، لكنه يتطلب حضور القلب واليقين بالإجابة وتحيّن أوقات الإجابة كآخر الليل وحالة السجود وبين الأذان والإقامة وغيرها. أعزائي القراء، لقد توكل صديقي كثيراً على الأسباب، وتعب معها، بينما غفل عن باب عظيم: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان"، وفي القرآن مواقف كثيرة لأنبياء كرام قرعوا أبواب السماء فانهمر الخير، ابراهيم -عليه السلام- لما ألقي بالنار، وموسى -عليه السلام- حينما لحق به فرعون وقومه فوصلوا البحر، ومحمد -عليه الصلاة والسلام- في الغار، وأيوب -عليه السلام- لما مرض، وزكريا -عليه السلام- لما عقم، وذا النون -عليه السلام- لما ألقي في بطن الحوت، ويوسف -عليه السلام- لما طلب العفة، ولنا فيهم قدوة حسنة.. ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله» رواه الترمذي، والقرآن والسنة والسير وقصص التأريخ والواقع تحفل باستجابة الرب لعباده متى ما صدقوا في سؤاله، فالله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يرجعهما صفراً.. أذكر أيضاً أن جاراً لنا يعاني من العقم هو وزوجته 14 عاماً، فشكى لي ذلك، وأخبرني أنه بذل كل أنواع الطب العقاقيري والشعبي ولم يفد، قلت طيب هل طرقت وزوجتك باب السماء وبصدق؟، قال: أحيانا لكن بصراحة بشكل سريع عام، قلت: لا بد من إلحاح وصدق ويقين بالإجابة، وعدم ملل، ثم طلبت منه أن ينظر أفضل ما يملك هو وزوجته فيتصدقان به، فكان أغلى ما لديه أرض فتصدق بها، وأغلى ما لدى زوجته حزام ذهبي «صباحة الزواج» فتصدقت به، ثم لقيته بعد ستة أشهر وبشرني بحمل الزوجة! أرأيتم! الآن لو ذكر رجل كريم جواد وغني ثم أقبلت عليه صادقاً هل تظن أنه يردك؟ في الغالب لا، ولله المثل الأعلى، الله أكرم وأجود وأرحم وأرأف، "أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله"!. وقد أكد المعالجون النفسيون أن المريض محتاج لمن يستمع له لينفس عن نفسه ويخفف الضغوط التي لديه، وهذا صحيح، ويفيد المريض، فما بالك إذا تركت المخلوق ونفّست للخالق وذكرت له همك وكربك وشوقك وأملك وألمك، والله إن الله لقريب سميع مجيب.. ويعضد هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء" رواه الحاكم وأحمد وحسنه الألباني. لقد فقد يعقوب -عليه السلام- أعز أبنائه ثم الثاني، فكان يقول: "إنما أشكو بثي وحزني الى الله"، وعلق قلبه بالله، "عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً"، وفعلاً أجاب الله دعوته فقرت عينه بهم جميعاً.. أحبابي.. إنها دعوة -وأنتم تبذلون السبب المادي من تطبب واستشارة وعلاج- لأن تبدأوا -قبل السبب وأثنائه وبعده- بقرع باب السماء في كل حاجاتكم، ولا تستقلوا شيئاً، وتيقنوا من الإجابة، ونفسوا عن همومكم لربكم فهو يحب السائلين، ولا يغلق بابه عن عباده الأواهين، اسألوه كل وقت، وارفعوا له كل حاجة، ولن تخيبوا إطلاقاً، فهو إمَّا يحققها مباشرة أو يصرف عنك من السوء مثلها، أو يدخرها لك في الآخرة، ورددوا بقلوب موقنة مطمئنة: أدعوك يا ربي لتغفر حوبتي وتعينني وتمدني بهداكا فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي ما خاب يوما من دعا ورجاكا.