يُكتب اليوم الفصل الأخير من حكاية مونديال 2014 الرائعة، على ملعب ماراكانا التاريخي، عندما تتواجه ألمانيا، بطلة العالم 3 مرات، مع الأرجنتين، البطلة مرتين. دموع كثيرة بين الفرح والحسرة ستُذرف عند صفارة النهاية وستُعيد، لا شك، ذكريات ما حصل بعد لقاء المنتخبين في نهائي نسختي 1986 يوم فاز التانغو، و1990 يوم فاز المانشافت. وصل قطار مونديال 2014 إلى المحطة الأخيرة بعدما جال على امتداد البرازيل ليتوقف في ريو دي جانيرو، ركاب كثيرون ترجلوا منه باكراً بعدما كانت حجوزاتهم في بلاد سحرة الكرة تمتد لليلة 13 يوليو، وبعضهم حتى قبل أن تقطع الرحلة أيامها العشرة. وحدهما ألمانياوالأرجنتين ظلتا متمسكتين بمقعديهما تودّعان عند كل محطة ركاباً وتستقبلان مزيداً من الحلم والأمل، لكن اليوم لن يتسع هذا القطار، الذي اختزن في هذه الرحلة كمّاً هائلاً من الذكريات واللقطات التي ستبقى خالدة في الأذهان لردح من الزمن، إلا لراكب واحد عندما يطلق الحكم صفارة ختام هذا الكرنفال المدهش إلى أبعد الحدود، اليوم راكب واحد سيكمل الأمتار الأخيرة نحو احتضان الحلم. إذاً، إنه النهائي الحلم، نهائي "ماراكانا" ونسيم بحر الكوبا كابانا وسحر ليالي البرازيل، بطل للعالم في بلاد الكرة ومنبع سحرها، بطل للعالم في بلاد الكرة الأصيلة التي تجسدت بعمالقة أفذاذ من غارينشيا الى بيليه وزيكو وروماريو وريفالدو ورونالدو ورونالدينيو حتى كاكا؟، بطل للعالم في "ماراكانا" وفي بطولة كالتي شهدناها؟، بالتأكيد لن يكون أي بطل في تاريخ هذه اللعبة على اتساع سحر فنونها ومتعة جنونها. اليوم، سيكون العالم كله في ريو دي جانيرو، وفي ملعبها التاريخي سيقف الألمان بنجماتهم الذهبية الثلاث على قمصانهم، يقابلهم الأرجنتينيون بنجمتيهم، وبينهما نجمة برازيلية جديدة تلمع وذكريات ماض وصور مواعيد جمعتهما في أكثر من مونديال تحكي عنها تحديداً ابتسامة دييغو أرماندو مارادونا وهو يرفع الكأس الذهبية في ملعب "آزتيك" في مكسيكو بعد فوزه على ألمانيا في نهائي مونديال 1986، ودموع دييغو نفسه تقابلها فرحة لوثار ماتيوس وهو يحتضن الكأس في روما مونديال 1990. لا شك في ذلك، البلدين ينتظران احتضان ذهب المونديال منذ أكثر من عشرين عاماً، وتحديداً منذ 24 عاماً لألمانيا، و28 عاماً للأرجنتين. ماذا ينتظرنا الليلة؟ خارج الملعب، سيكون كرنفالاً حقيقياً مشوباً بقلق أمني، طبعاً مع التقديرات التي تحدثت عن وصول 100 ألف متفرج أرجنتيني إلى ريو دي جانيرو، وما يعنيه هذا الرقم في معقل البرازيليين على جنبات «ماراكانا» انطلاقاً من العداء الكروي التاريخي بين البلدين. أما داخل الملعب، فمعركة بأتمّ ما للكلمة من معنى ستدور رحاها بين الألمان المعروفين بجديتهم، والأرجنتينيين المعروفين بروحهم القتالية، وخصوصاً أنهم ينشدون الثأر من رجال المدرب يواكيم لوف. قلنا ميسي؟ بالتأكيد فإن الأضواء ستكون مصوّبة على نجم برشلونة الإسباني أكثر من غيره في الامسية، إذ يمكن الجزم أن "ليو" سيكون أمام المباراة الأهم في مسيرته، كيف لا، وتألقه فيها سيضعه على مرتبة واحدة مع مارادونا، لكن مهمة ميسي لن تكون بتلك السهولة على الإطلاق، ليس فقط لأن "البرغوث" برز في دور المجموعات ومن ثم اختفى تدريجاً في الأدوار الإقصائية، بل لأن مواجهة الألمان تحديداً ليست كمواجهة غيرهم، فالكل لا يزال يذكر كيف أن هؤلاء أخفوا بريق هذا النجم في مواجهتهما السالفة الذكر في مونديال جنوب أفريقيا، ليعود الأمر ويتكرر مع ميسي أمام معظم هؤلاء اللاعبين في مباراة بايرن ميونيخوبرشلونة في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي. من هنا، يُنتظر أن يتعامل الألمان مع المباراة بجدية تامة متناسين فوزهم السابق، لسببين، أولهما طبيعة المباراة، وثانيهما والأهم، أنهم اختبروا كيفية أن يكونوا مرشحين والطرف الأقوى، ومن ثم يخرجون بخيبة كما حصل في مونديال 2010 بالفوز على إنجلترا 4-1 في الدور الثاني وبعدها على الأرجنتين 4-0 في ربع النهائي، ومن ثم السقوط أمام إسبانيا 0-1 في نصف النهائي. الليلة إذاً سنشهد الفصل الأخير من رواية رائعة كُتبت في ملاعب البرازيل على مدى شهر.