ما الذي يجب أن نذكره من المباراة التي وضعت في المواجهة طواحين هولندا ومنتخب المكسيك عن الثمن النهائي الثالث للمونديال، ونفذت أمراً يقضي بإعادة هذا المنتخب المكسيكي الذي افتتن به الناس إلى بلاده لا يلوي على شيء؟ هل نذكر السيناريو الغريب الذي قلب الأمور رأساً على عقب، وأحال خاتمة النزال إلى لحظة درامية؟. هل نذكر هذه العدالة التي يشكك اليوم الكثيرون في نزاهتها والنازلون من بلاد الأزتيك يرحلون على المكسيك بعد أن ضاعت منهم تذكرة ربع النهائي في لمح البصر؟. أم نذكر هذه الكرة الهولندية التي تبدع على الدوام في إحداث ثورات نمطية على منظومات اللعب، فتدافع عن الشمولية في مبناها التكتيكي، برغم أنها لا تحتكم على نصف الجيل الأسطوري الذي بلغ نهائيي كأس العالم تواليا سنة 1974 بألمانيا وسنة 1978 بالأرجنتين؟ أم نذكر ضربة الجزاء التي تصيدها في الزمن القاتل الماكر والثعلب أريين روبن، ومنها سجل الهولنديون هدف الفوز والتأهل، فألبسوا المكسيكيين ثوب الحداد، وحلمهم بالذهاب لأبعد مدى في هذا المونديال ينتحر في عز الظهيرة؟. لا خلاف على أن المنتخب المكسيكي قدم نواة لكرة قدم منقحة ومهذبة ومشبعة بكثير من قيم الجمالية بفضل روح وكاريزما مدربه هيريرا، ولكن ليس هناك من شك ولا ريب في أن المنتخب الهولندي، كما قدم نفسه في الدور الأول، وهو يتصدر مجموعته متحصلاً على العلامة الكاملة، وكما تعامل مع مباراته أمام المكسيك، بخاصة عندما استقبل مرماه هدفا سجله من تسديدة مخادعة النجم دوس سانتوس، كان يستحق هذا الوجود الثاني على التوالي في الدور ربع النهائي، فما فعله الهولنديون، وهم يبعثون الكرة الشاملة من مرقدها للرد على الهدف المكسيكي كان شيئاً مثيراً للدهشة، لا أريد أن أنال من كفاءة هيريرا المدرب المكسيكي بالاستفسار عن طبيعة التدبير التكتيكي، لفترة ما بعد هدف دوس سانتوس، ولكنني أركز أكثر على الطواحين التي ألهبها المدرب الهولندي فان جال الذي يعتبر واحداً من رموز العصر الكروي الحديث، فجعلها تغلي كالمرجل وتثور كالبراكين لتضعنا أمام ثلاثين دقيقة من نار، كان فيها الهدف الرائع لويسلي شنايدر وكانت فيها ضربة الجزاء التي هي اليوم مثار جدل وموضوع تشكيك من الذين أزعجهم أن تكون المباراة قد قلبت ظهر المجن للمكسيكيين. بالقطع من يكون له لاعب مثل أريين روبن، يكون له الجوكر الذي يتقن عشرات الأدوار بخاصة تلك التي تكون خارج النص التكتيكي، مع أنها توجد في صلبه، ويكون له الرجل الذي يحرك المياه الآسنة ويكون له السم الزعاف الذي يسقط كل المنافسين ويكون له الماكر الذي لا يستطيع أي أحد أن يحدد متى يخدع الحكام ومتى يلتبس عليهم ومتى يذهب ضحية تقديراتهم الخاطئة. في مباراة المكسيك تحايل روبن على الحكم متظاهراً بالسقوط فلم ينل منه شيئاً، وعند نهاية الشوط الأول أسقط فعلاً فاعتبر الحكم ذلك تمثيلاً، وفي الوقت بدل الضائع للمباراة أسقط روبن من ماركيز بشكل أقل وضوحاً، فنال ضربة الجزاء كتعويض وجبر للضرر، وما أثمنه وما أغلاه من تعويض، لأنه ببساطة سيرمي بالمكسيك إلى جحيم الإقصاء وسيرفع هولندا لعنان الربع المونديالي. فما أخبثك وما أدهاك وما أروعك يا روبن. نقلا عن صحيفة الاتحاد الاماراتية