من صفات المتقين العفو عن الناس، وقد ذكر الله - جل وعلا - هذه الصفة في أوصاف المتقين الذين وعدهم بالمغفرة لذنوبهم، وأعد لهم الجنة جزاء لهم على أعمالهم الصالحة. ويزيد الأمر بهاء وعظمة وثواباً وأجراً إن وافق ذلك مواسم فاضلة وأزمنة مباركة كشهر رمضان؛ فعمل الخير في موسم الخير يزيده فضلاً وأجراً. والعفو عن الناس من أجلّ الأعمال وأفضلها، ولا يوفق له إلا القلة ممن وفق لقهر عدوه من الشياطين وحصّل علوَ الهمة ورفعةً على نفسه وهواها، وتحكماً في انفعالاته، وهذه أخلاق الكبار. ومن فضائل العفو أنه طريق للجنة، كما أنه طريق للمغفرة وتكفير السيئات، وجزاؤه الأجر من الله كما قال تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ). وبالعفو تحصّل حب الله؛ وهو طريق أيضاً للعزة والرفعة ولا يوفق له إلا من كان كما قال تعالى: «ذو حظ عظيم». والعفو أيها الإخوة عمن ظَلم، إحسان يرجو به من عفا أن يحسن الله إليه؛ قال الله تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)، والجزاء من جنس العمل، كيف وهو من الكريم سبحانه، فمن عفا عن عباد الله عفا الله عنه. وهذا هو خلق سلفنا الصالح (رضي الله عنهم ورحمهم)، قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «كل الناس مني في حل». وقال عمر بن عبدالعزيز (رحمه الله): «إنك إن تلقى الله ومظلمتك كما هي، خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها». أيها الأحبة إن لله في أيامنا هذه نفحات، فلنتعرض لها لعل الله أن يرحمنا، والله عفو كريم يعفو ويتسامح عن عباده ويغفر لهم، فإن نحن تمثلنا خلق العفو فحري بنا أن نحصل عفو ربنا خاصة في هذا الموسم العظيم شهر رمضان، الذي يعفو فيه الجبار ويتجاوز عن عباده. وأخيراً، إن تذكرك قدرة الله عليك، يفتح باب العفو ويجعلك ترجو ما عند الله، فتصبر وتتسامح وتعفو، ولا بد للمسلم أن يوطن نفسه على مواقف قد يمر بها يحتاج فيها للعفو والمسامحة وكظم الغيظ والصبر والتحمل رجاء ما عند الله تعالى، وأعظم ما يزيد الشقة والخلاف مقابلة الإساءة بالإساءة، والواجب السكوت والتحمل والعفو. قال الشافعي (رحمه الله): قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم إن الجواب لباب الشر مفتاح فالعفو عن جاهل أو أحمق أدب وفيه أيضاً لصون العرض إصلاح إن الأسود لتخشى وهي صامتة والكلب يُرمى لعمري وهو نباح