سبق أن أعربت عن رأيي حول تفاهة موسوعة غينيس للأرقام القياسية، غير ان الذين لا يرون إلا بعين واحدة لم يعجبهم ذلك، فمضوا يفيضون في ذكر الأرقام القياسية التي حطمها: المتسلقون، والغواصون، والسباحون، والطيارون، والبحارون، الذين تسلقوا أعلى القمم، وأعمق المحيطات، وأكبر البحار، وأطول الأنهار، ونسي أولئك أو تناسوا أن كل نجاح لابد أن يسبقه فشل، وأن الإنسان لا ينجح مرة إلا بعد فشله مرات ومرات! أما الذين تعجبهم تفاهات غينيس، ويتباهون بمعرفة من دخلوها، فإنهم لا يعرفون الذين حاولوا مرارا وفشلوا، ولا الذين حاولوا فهلكوا، ولا الذين حاولوا فأصيبوا بحوادث مميتة، وعاهات مستديمة، الموت حق، إلا ان الإنسان إذا مات في سبيل غاية شريفة فموته محمود، وهنا سيذكره الناس مترحمين عليه مكثرين الدعاء له، وربما رثوه شعرا أو نثرا، وقد يخلدون ذكره بواحدة من وسائل التكريم الكثيرة، أما إذا مات لأجل أن يقال صاحب أطول قفزة، إلا أنه هوى على أم رأسه فهلك، أو صاحب أطول نفس تحت الماء، إلا انه غطس ولم يخرج، أو صاحب أكبر رقم لالتهام الطعام إلا انه غص ومات، فلن يُذكر إلا بحماقته، وإذا ذكر فسيقال: (الدلخ) أو الغبي قتل نفسه ليقال كذا وكذا فما نفعه أحد ! الذين تعجبهم تفاهات غينيس، ويتباهون بمعرفة من دخلوها، فإنهم لا يعرفون الذين حاولوا مرارا وفشلوا، ولا الذين حاولوا فهلكوا، ولا الذين حاولوا فأصيبوا بحوادث مميتة، وعاهات مستديمة ولذلك تجد في أول موسوعة غينيس المترجمة لنحو 37 لغة حول العالم، نصا بأسفل الصفحة لا يكاد يُرى ملخصه: إن محاولات تحطيم الأرقام القياسية أو تسجيل أرقام جديدة مهمة خطرة، تستلزم الأخذ بالنصيحة المناسبة، على أن المسؤولية من جراء أي مخاطر لا تقع إلا على عاتق الشخص المشارك وحده، أما شركة غينيس فلن تتحمل أي مسؤولية قانونية تجاه حالات الوفاة أو الإصابات التي قد يتعرض لها الأفراد لدى قيامهم بتسجيل رقم قياسي جديد، كما أن حمل رقم قياسي عالمي موثق من موسوعة غينيس لا يعني بالضرورة دخول صاحبه الموسوعة . وهو ما يعني أنه من الممكن أن تسجل رقما قياسيا بغرس مائة دبوس بشفتيك، أو تشوه وجهك بأي طريقة مثيرة، ولكن ليس بالضرورة أن تدخل الموسوعة، ووفقا لذلك ليس لك مساءلة الموسوعة عن سبب امتناعها عن تضمينك لصفحات كتابها، ولو حاولت أن تقفز أو تتسلق أو تحطم رقما من أي نوع وفشلت فمصيرك مزبلة غينيس التي لا يعرف ضحاياها ! [email protected]