كتبت الأسبوع الماضي عن معاناة بعض المبتعثين التائهين في شوارع أمريكا بلا منزل أو بلا قبول في الجامعة؛ والسبب مشكلات في تطبيق مشروع البوابة الإلكترونية، وعدم إدارة الملحقية الثقافية في الولاياتالمتحدةالأمريكية الأزمة بشكل صحيح، أو تقديم حلولٍ عملية لمعاناتهم. ومنذ ذلك الحين وصلتني عشرات الرسائل من الطلاب السعوديين المبتعثين في أمريكا بين تأييد لمقالي أو بث لشكاوى مبتعثين آخرين، ومعاناتهم من نظام البوابة الإلكترونية، ومعاملة موظفي الملحقية من غير السعوديين تحديداً، أو مقترحات لحل الأزمة. وقبيل بروز الأزمة الأخيرة كانت بوادرها موجودة وتلقيت بريدا إلكترونياً من أكاديمي بارز سبق وأن عمل في المجال الإعلامي (طلب مني عدم ذكر اسمه) يقول: بودي تكتب عن مأساة المبتعثين في أمريكا وتعامل موظفي الملحقية معهم .. في يوم من الأيام كانت إحدى الزميلات من أعضاء هيئة التدريس في الملحقية استغربت أن الهواتف تعزف في كل ناحية دون أن يرد عليها أحد فقالت لها إحدى الموظفات العرب هكذا حالنا لا أحد يرد إلا القليل منا مساكين الطلاب والطالبات..أيضا الجامعات وإرسال الطلاب إليها تكدس في جامعات ضعيفة لأسباب الله يعلم بها وهناك جامعات قوية يطلبها الطلاب ويرفضون ومن لا يوجد لديه صلة بأحد في الملحقية يشتكي ويشتكي ولا أحد يسمع والمبررات بالطبع جاهزة.. انتهى وبعد شهور قليلة من هذا البريد بدأت تتسرب معاناة المبتعثين بشكل أكبر .. ولضيق مساحة النشر أعتذر عن سرد القصص التي وصلتني منهم وسأكتفي بالإشارة إلى وجود أزمة حقيقية في عمل الملحقية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، عليها أن تديرها بصورة احترافية وفقاً لمفهوم (إدارة الأزمات) من منظور العلاقات العامة الحديثة، وسأضرب مثلاً للتعاطي مع الأزمات. آلاف المواقف يحملها السعوديون في الولاياتالمتحدة لا تحكي فقط عن معاناتهم من تجاهل موظفي الملحقية لمطالبهم أو البوابة الإلكترونية وعدم وجود عدد كاف من الملحقيات يوازي العدد الهائل للمبتعثين، أو مماطلة السفارة الأمريكية في منحهم التأشيرات حتى أن بعضهم ترك بعثته ولم يتبق على تخرجه سوى فصلين دراسيين!، لكن في جعبة كل طالب أيضا معاناته التي خاضها إلى أن تمكن من التأقلم مع المجتمع الأمريكي وكسب ثقة المحيطين به. قبل يومين حاولت قراءة مضامين الأطروحات التي يكتبها بعض الأمريكيين في ذكرى 11 سبتمبر تلك الحادثة الإجرامية المريرة، مستخدماً موقع التواصل الاجتماعي twitter تحت (هاش تاج 11sep و غيره)، لكني فوجئت بأن عشرة أعوام على مرور الحادثة لم تقلل من النسبة الكبيرة من (المغردين) الأمريكيين التي تحدثت بعنصرية وضغينة مريعة تجاه العرب (ومن يضعون الفوط على رؤوسهم كما يصفوننا)، وجاءت أغلب التوصيات بالتحذير من التعامل مع العرب أو الثقة فيهم أو التعاطي معهم أو حتى ركوب طائرة من بين مسافريها كائن عربي بجانب بعض النقد المتحيز للمسلمين. هنا تذكرت عشرات الآلاف من السعوديين الذين يدرسون في الولاياتالمتحدة وتساءلت عن حجم المعاناة التي تعرضوا لها، لكن السؤال الأبرز والذي أود أن أطرحه هنا اليوم، هو كيف تمكن عشرات الآلاف من السعوديين من إدارة علاقاتهم المتأزمة مع نسبة من الأمريكيين العنصريين والمتخندقين خلف حادثة 11 سبتمبر التي أساءت للإسلام والمسلمين بصورة لا مثيل لها، واسْتُخدمت لإثارة الكراهية لشعوب المنطقة العربية. وفي نظري توجد آلاف المواقف يحملها السعوديون في الولاياتالمتحدة لا تحكي فقط عن معاناتهم من تجاهل موظفي الملحقية لمطالبهم أو البوابة الإلكترونية وعدم وجود عدد كاف من الملحقيات يوازي العدد الهائل للمبتعثين الذي ربما فاق 40 ألف مبتعث، أو مماطلة السفارة الأمريكية في منحهم التأشيرات حتى أن بعضهم ترك بعثته ولم يتبق على تخرجه سوى فصلين دراسيين!، لكن في جعبة كل طالب بجانب ما سبق معاناته التي خاضها إلى أن تمكن من التأقلم مع المجتمع الأمريكي وكسب ثقة المحيطين به حتى عاد إلى وطنه. هذا المثل أطرحه للملحقية الثقافية السعودية في أمريكا، وأدعوها للاستفادة من تجارب الطلاب قبل المؤسسات الثقافية الأخرى في مواجهة المشكلات وإدارة الأزمات، والتي تقوم على مبادئ لا تستقيم مع إنكار المشكلة بقدر التعامل الصحيح معها، وتوظيف قنوات الاتصال المتاحة، وكسب الثقة والتأييد، وعمل التسويات الممكنة، والحلول العملية العاجلة، وقبل كل شيء المصداقية. وفي المقابل أتمنى من الطلاب المبتعثين أن يطالبوا بحقوقهم دون أن تشغلهم فكرة النقمة على الملحقية فهي في النهاية لا تمثل موظفيها بقدر ما تمثل الوطن، وأنصحهم بأن يديروا أزمتهم مع الملحقية بنفس الإصرار والحكمة والصبر و الدبلوماسية التي أداروا فيها أزمة 11 سبتمبر مع الشعب الأمريكي.. تحياتي،، [email protected]