في أحد أماكن العمل الداكنة، يضطر مواطن يقترح عليّ أن أسميه «س . ص» لا أعرف لماذا اختار هذا الاسم بالتحديد، وحاولت التخمين، سعد صالح، سعيد صيرفي، سالم ...، وربما تكون مجرد رموز تشبه رياضية أجهل معادلاتها وفكّ رموزها. «س . ص» خرج من العمل، مثل عادة موظف حكومي لديه التزامات «كُبر» تجاه الحياة، يقول: إنه يركب عادة سيارات الليموزين ليتخلص من الزحام، ويركن سيارته في الظل الذي لا يتكرر، قبل أن يبدأ حكاياته مع سائق سيارة الأجرة، اشتكى من الحرّ ، ولم يخلُ كلامه من الاقتراحات ( لماذا لا يقتطع جزءا من كل مناقصة حكومية يستفيد منها مقاولون بعشرات الملايين، مبلغاً لترميم حرّ الشوارع بنظام الضباب، لم ينتظر المدعو «سين» أي تعليق وأطلق تسميات الشوارع والميادين التي يحفظ أسماء جدات جداتها، والمرافق الحكومية المزدحمة بالمراجعين. هو لا يعمل في جهة لها علاقة بالجمهور ، لكنه مواطن اسمه «س . ص» فقط! حكاياته عادة تنتهي بالشتائم لكل شيء وهو أمر علّقت عليه بأنه غير مقبول، لكنه شتمني شتيمة مبطنة، مثلها مثل عادات الكلام والمقاطعات التي تغلّف حواراتها حتى عند الحديث عن حقوق المواطن، وهذا ليس بالضرورة أن ينتهي اسمه ب « ص » مثل «سين» المقسوم على الحياة بشكل مفجع، يقول : «ركبت الليموزين وفتحت نوافذ كبيرة مع رجل يتمتع بلده بالغابات واشتكى: أي أنه فتح لصاحبنا الباب، ولم يتوقف حسب روايته من نظام صاحب الشركة التي يقودها الرجل الذي يتمتع بلده بالغابات إلى بلدية المدينة التي تعطي عقود صيانة الشوارع لموظفيها، إلى نظام العمل الجديد الذي يحدد مستويات الشركات والمؤسسات بثلاثة ألوان متدرجة، إلى نظام ساهر ...) وهنا أوقفته. اذا عن نظام ساهر ؟ لم تتغير ملامح «سين» أبداً وهو يضحك ، كنت أعرف أنه سيبدأ إجابته بكلمة واحدة تشبه ( الاستغلال ) وكنت أيضاً أنتظر منه أن يكمل. قال: « لماذا لم تتدرج المخالفات؟ لماذا نظام ساهر ليس نظام وعي، بل نظام جباية؟ لماذا تريد الأجهزة الحكومية دس يدها في جيب المواطن، وتضيف نفسها إلى كل الشركات والمؤسسات التي تقدم خدماتها للمواطنين من أجل استغلاله وإعادته للصفر؟». الرجل إياه حين يفتح فمه لا يتوقف ، وكل الجهات الحكومية مقصرة ويلحق ذلك بعشم كبير بأننا بخير وستين نعمة، لكننا نسير بالبركة، وهذه البركة لا يمكن أن تمد يدها لتنظيم الحياة. استشهد بالطبع بمثله العامي الدائم «الشق أكبر من الرقعة» وهو يعدد مزايا مسئولين حكوميين، لكنه في نهاية الأمر لا ينسى أن هناك ما هو أكبر من الشق والرقعة ولا يستطيع ذكره أمام أحد! قلت له : سأكتب. استحلفني بالله ألا أكتب أنه «س.ص» ولا آتي على ذكر حتى الأحرف الأولى من اسمه فقلت له : سأغيرها، قبل أن يذهب إلى الأحوال المدنية ويتصل بي من هناك بعد عشر سنوات من مكالمتنا الأولى ليقول: إنه غير اسمه واسم عائلته، سألته عن اسمه الجديد لكنه .. أغلق الهاتف. [email protected]