دعا الرئيس اللبناني ميشال سليمان في خطاب الوداع الذي ألقاه قبل مغادرته مقر الرئاسة أمس، في اليوم الأخير من ولايته حزب الله إلى الانسحاب من سوريا حيث يقاتل إلى جانب قوات النظام، معتبرًا تدخله في الأزمة السورية خطرًا على الوحدة الوطنية في لبنان المنقسم على خلفية النزاع السوري. كما دعا النواب إلى انتخاب رئيس جديد «من دون إبطاء» حفاظًا على استقرار المؤسسات، بعدما عجز البرلمان عن إنجاز الاستحقاق بسبب الانقسام السياسي الحاد. وقال سليمان في احتفال دعا إليه في القصر الجمهوري في بعبدا قرب بيروت: «أما وقد شارفت الولاية على الانتهاء بعد ساعات ولم نتمكن من انتخاب رئيس جديد للبلاد ضمن المهل الدستورية، فإنني أهيب بالمجلس النيابي والقوى السياسية الممثلة فيه إتمام الاستحقاق الرئاسي من دون إبطاء وعدم تحمل مسؤولية، ومخاطر خلو الموقع الرئاسي بصورة تتنافى مع الديموقراطية لا بل ومع روح الشراكة والميثاقية الوطنية». وأضاف «لما كان موقع الرئاسة موقعًا جامعًا ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، فإن خلو هذا الموقع يشهد تهديدًا لهذا الدور الذي نريده ضامنًا لانتظام الحياة السياسية خصوصًا إذا كان الشغور مقصودًا بفعل انقسام عامودي بين القوى السياسية وغياب نقاط الالتقاء، أو بسبب رغبة دفينة لا تريد للبنان أن يستقر بمؤسساته». الفراغ وتبدأ اليوم مرحلة من الفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية. وستتولى الحكومة الحالية برئاسة تمام سلام مجتمعة صلاحيات رئيس الجمهورية في انتظار عملية انتخاب رئيس جديد يصعب التكهن بموعدها. وكان المجلس النيابي دعا إلى انتخاب رئيس خمس مرات في فترة الشهرين التي سبقت انتهاء الولاية والمحددة من الدستور، من دون أن ينجح في ذلك. ويعود هذا العجز بشكل أساسي إلى انقسام المجلس كما البلاد، بشكل حاد بين مجموعتين سياسيتين أساسيتين هما قوى 14 آذار المناهضة لدمشق وحزب الله وأبرز أركانها الزعيم السني سعد الحريري والزعيم المسيحي الماروني سمير جعجع المرشح الى رئاسة الجمهورية، وقوى 8 آذار وأبرز أركانها حزب الله الشيعي والزعيم المسيحي الماروني ميشال عون الذي أعلن رغبته بتولي منصب الرئاسة شرط حصول توافق عليه من كل الأطراف، الأمر الذي لم يحصل. ولا تملك أي من القوتين الأكثرية المطلقة في البرلمان حيث توجد أيضًا كتلة ثالثة صغيرة مؤلفة من وسطيين ومستقلين. بانتظار التسويات وتوقع أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية غسان عزة ألا يتم انتخاب رئيس قبل أشهر. وقال لفرانس برس: «من الناحية الرمزية، الشغور في المنصب الأعلى في السلطة الذي يعود إلى طائفة معينة (الطائفة المارونية بموجب ميثاق وطني)، أمر سلبي جدًا». وأضاف «لم يتمكن اللبنانيون من انتخاب رئيس، هذا أمر معيب يثبت مرة أخرى كم أن اللبنانيين عاجزون عن إدارة شؤونهم بأنفسهم». وتابع إن لبنان «سيدخل غرفة انتظار التطورات الإقليمية وما ستؤول إليه الانتخابات العراقية، الانتخابات السورية المحسومة النتيجة، ولكن ماذا سيجري بعدها، الانتخابات المصرية، وبعدها... قد تبدأ معالم تسوية إيرانية سعودية بالارتسام برعاية أمريكية وقد تشمل لبنان». اتهامات متبادلة وكتبت صحيفة «السفير» القريبة من حزب الله الصادرة أمس «صار الفراغ أمرًا واقعًا بدءًا من صباح الخامس والعشرين من مايو»، مضيفة «عمليا، يمكن القول: إن رئيس الجمهورية المنتهية ولايته السبت هو الابن الشرعي للفراغ بحيث لم يجد رئيسًا يستلم منه ولا وجد رئيسًا يسلمه». وتشير الصحيفة إلى أزمة مماثلة شهدها لبنان بين سبتمبر ومايو 2008 إذ بقي خلالها من دون رئيس إلى حين حصول تدخلات دولية وإقليمية ضاغطة وتسوية بين الأطراف اللبنانيين انتهت بانتخاب قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان «رئيسًا توافقيًا». وكتبت صحيفة «النهار» القريبة من 14 آذار من جهتها «يغرق القصر (مقر الرئاسة) ومعه الجمهورية في فراغ رئاسي نتيجة تعطيل الانتخابات الرئاسية على أيدي القوى التي سخرت مفهومها وممارسات للتعطيل تحت ستار حق ديموقراطي في إفقاد الجلسات الانتخابية النصاب، منتهكة بذلك جوهر التزام الدستور في تداول السلطة». وأضافت إن البلاد «تنفتح على مسار أزمة سياسية ورئاسية وعلى حقبة محفوفة بالغموض والمجهول مع فجر الفراغ الذي لا يملك أحد أن يتكهن بمداه وتداعياته وانعكاساته على البلاد». وتتهم قوى 14 آذار فريق حزب الله بالتعطيل؛ لأن نوابه وحلفاءهم امتنعوا عن حضور جلسات الانتخاب وبالتالي عن تأمين النصاب القانوني المطلوب. وقال النائب أنطوان زهرا من حزب القوات اللبنانية الذي يرأسه جعجع لوكالة فرانس برس: إن «الحل الأمثل بالنسبة إلى حزب الله يتراوح بين عدم وجود رئيس أو انتخاب رئيس يستسلم لإرادة حزب الله في تنفيذ سياسته الخارجية والتدخل في سوريا من دون محاسبة واقتناء سلاح من دون رقيب والهيمنة على مؤسسات الدولة». وأضاف إن حزب الله يهدف إلى «جعل لبنان جزءًا من منظومة إقليمية زعيمتها إيران حجتها مقاومة إسرائيل ومشروعها تاريخي يقضي بالهيمنة على منطقة الشرق الأوسط». سلاح حزب الله وقال الرئيس سليمان في الحفل الذي شارك فيه نواب ووزراء ودبلوماسيون وقاطعه نواب حزب الله: إن «وحدتنا الوطنية تحتل الأولوية وتفرض علينا عدم التدخل في شؤون الجوار مهما عز الجوار، لا بل توجب الانسحاب بلا تردد من كل ما من شأنه أن يفرق صفوفنا». وتوترت العلاقة بين الرئيس اللبناني وحزب الله منذ انتقاد سليمان موقف الحزب من النزاع السوري، ومطالبته بسحب عناصره المشاركين في القتال الى جانب النظام. وفي موقف آخر يثير امتعاض حزب الله الشيعي، كرر سليمان في كلمته اليوم دعوته إلى حصر إمرة السلاح في لبنان بالقوى الشرعية. وقال: «بكل محبة وحرص، حان الوقت لبناء استراتيجية دفاعية كمدخل ضروري لبناء الدولة»، داعيًا إلى «تحقيق سيادة الدولة وحدها على شؤونها كافة وكل أراضيها». ودعا إلى تمكين الجيش اللبناني من «استكمال قدراته العسكرية، ما يمكنه القيام بكافة واجباته الوطنية بامتلاكه وحده كافة عناصر القوة». وترأس سليمان خلال عهده الذي امتد لست سنوات جلسات عدة لهيئة الحوار الوطني التي ضمت ممثلين عن كل الاطراف بهدف إيجاد حل لسلاح حزب الله الذي يرى فيه خصوم الحزب أداة ضغط على الحياة السياسية، بينما يتمسك به الحزب بحجة مقاومة إسرائيل.