أصبح مالكولم جلادويل مؤلف كتاب " قوة التفكير بدون تفكير"كاتبا ذائع الصيت بعد صدور كتابه "نقطة الرجحان" عام 2000. وهو يعمل محررا بجريدة "نيويوركر"، كما عمل من قبل محررا بقسم المال والأعمال والاقتصاد، وكذلك بالقسم العلمي بجريدة الواشنطن بوست. ويتميز جلادويل بامتلاكه قدرة هائلة على إيجاد عناصر مشتركة بين المجالات الدراسية المختلفة، ثم الربط بينها. وفي هذا الكتاب يوضح كيف يصدر الناس أحكاما فورية حول نوايا الآخرين (عندما ننظر إلى شخص ما فنعرف فورا أنه يضمر لنا الشر)، وأصالة أحد الأعمال الفنية ( عندما ينظر خبير لوحات إلى إحدى اللوحات ليقرر في لحظة واحدة أنها مزورة وليست أصلية) وحتى في مجال الاستراتيجيات العسكرية. كما يصول ويجول في مجالات غير مطروقة للإجابة عن أسئلة عجيبة من نوع: لماذا يختلف طعم كوكاكولا عن طعم بيبسي كولا؟ ويخلص جلادويل - بعد دراسة مستفيضة حول كيفية قيام الأفراد باتخاذ قرارات فورية في عديد من المجالات، من علم النفس إلى علم استجوابات الشرطة، إلا أنه يمكننا إصدار أحكام أفضل من خلال تدريب أذهاننا وحواسنا على التركيز على أكثر الحقائق وضوحا، والالتزام بمبدأ هام في هذا الشأن، هو أنه كلما قلت مدخلاتك قبل التوصل إلى قرار ما كان ذلك أفضل، وهو بالتأكيد أفضل من المدخلات الزائدة. أما أكثر الأمثلة التي يقدمها إبهارا فهو مثال من العسكرية الأمريكية، حول ضابط شاب اتبع تدريبات جلادويل ليصل إلى نتائج مضادة لرؤسائه الذين اتبعوا خططا واستراتيجيات وتكنولوجيا عسكرية مدروسة، واتضح أنه على صواب. ولكن إذا وضعنا إبهار جلادويل ونظرياته جانبا، وأعملنا العقل والمنطق، لوجدنا في أسلوبه هذا بعض التناقض، ولثارت في أذهاننا بعض التساؤلات. فإذا اتبع الأطباء مثلا أسلوبه هذا، فهل سيتمكنون من التوصل إلى قرار أفضل بشأن المريض الراقد أمامهم، خاصة إذا كانت حالته خطيرة وتستدعي قرارا سريعا لإنقاذ حياته؟ وهل يمكن استخدام أسلوبه الرياضي القائم أساسا على اللوغاريتمات في كل مجالات الحياة، كما يدعي؟ ورغم هذا القصور، يبقى الكتاب محفزا على التفكير، ومليئا بعديد من الأفكار الجديدة المثيرة. كما عالج جلادويل حالاته الدراسية وأمثلته الواقعية بشكل جيد وباستفاضة تامة. يمزج جلادويل بمهارة بين علوم الرياضيات والاحتمالات والسلوكيات البشرية والمهارات العقلية والذهنية. كما يحاول أن يبني جسرا لسد الفجوة بين العلم من ناحية، وقرارات حياتنا اليومية من ناحية أخرى. فالعلم في رأيه ليس كيانا قائما بذاته بعيدا عن حياتنا، بل يجب أن يصبح جزءا لا يتجزأ منها، وأن يساعدنا على الوصول إلى قرارات أفضل فيها. فكثير من قراراتنا أو أحكامنا تكون وليدة اللحظة، أو خلال رمشة واحدة من عيوننا. ويهدف جلادويل إلى تحسين تلك القرارات اللحظية. فإيقاع الحياة السريع أصبح يتطلب منا سرعة في جميع ما نقوم به، ومنه بالطبع عملية إصدار الأحكام واتخاذ القرار. فهذا العلم الذي يدور في اللاوعي يشبه الشمعة المضيئة، التي يريد جلادويل أن يحولها إلى مصباح باهر الإضاءة. بذلك يجيب هذا الكتاب عن أسئلة من عينة: لماذا يمتلك البعض منا قدرات أفضل على اتخاذ قرارات سليمة وفورية أكثر من غيرهم؟ كاشفا تعقيد اللحظة الصغيرة التي نتخذ فيها قرارنا ونصدر حكمنا. ويدحض المؤلف تماما فكرة أن يكون اتخاذ القرار وإصدار الأحكام وليد معلومات يملكها بعضنا أكثر من البعض الآخر. فما نسميه عادة (الفطرة) وهو التفكير السليم الذي نجده عند كثير جدا من غير المتعلمين أو أنصاف المتعلمين، هو ما يقصده الكاتب. وهي عملية ذهنية لا علاقة لها بالمرة بالتعليم أو المعلومات التي نقرأها أو نتثقف بها. ولكنه يؤكد أننا جميعا نمتلك الاستعداد الجيد لرفع درجة تفكيرنا الفوري من خلال إتباع التدريبات والمقترحات التي يقدمها. وسر استعدادنا جميعا لذلك هو أنها قدرة لا تتطلب مستوى معينا من العلم أو التعليم أو البيئة المحيطة أو غيرها من العوامل. بل مجرد أن تكون إنسانا طبيعيا، يتخذ قرارات عديدة في حياته اليومية، ويحتاج إلى تحسينها والإسراع بإيقاعها لتواكب هذا الزمن الذي نعيشه. Blink: The Power of Thinking Without Thinking By: Malcolm Gladwell 288 pp. - Little, Brown & Co.