لم تركم أم نبيل الى الشكوى والانكسار بعد وفاة زوجها ومعيلها وهي تستشعر عظم المسؤولية التي تركها فيها زوجها، ثلاث بنات وولدين وآخر في أحشائها لم يمنعها من دفع عربة البضائع التي اشترتها بمعاونة احدى معارفها من سوق الجملة والافتراش في البسطة في سوق (الحريم) القديم بحي القزاز بالدمام.. قالت: انها قانعة برزقها الذي يعينها على تربية أبنائها وبناتها حتى لا تلجأ للآخرين وأنها تتوقع أن تتوسع تجارتها حتى يعتمد الأولاد على أنفسهم. وأم نبيل نموذج لقبيلة من النساء اللائي حملن معول المسؤولية وقمن بدور الأم والأب في الوقت نفسه ولان الحاجة أم الاختراع، فكثيرا ما نرى الانسان يلجأ لتطويع حياته ليستطيع العيش كما ينبغي.. فالعجز عن تغطية متطلبات الحياة وطلبات الأبناء المتزايدة مع تقدمهم في العمر دفع بعض السيدات للعمل في مهن تدر عليهن دخلا غير ثابت ولكنه يسد بعض الحاجات ويغطيها.. أم جاسم وأم بدر ولما وأم يوسف.. حالات تكشف عن الأسباب التي دفعتهن للعمل كسيدات أعمال من منازلهن. سر المهنة أم جاسم أم لثمانية أبناء وبنات، تمتهن صناعة البخور وبيعه مما يدر عليها مبالغ تغطي نفقات الأبناء واحتياجات المنزل. السبب في لجوئها لهذا العمل هو ضعف راتب زوجها والديون المتراكمة، وتقول أم جاسم: في الماضي كان الأبناء صغارا وبالكاد كان راتب زوجي يغطي المصروفات، والآن كبر الأبناء فتزايدت المصروفات والراتب لا يكفي وعلم بعض معارفي بالظروف التي نمر بها، فأبنائي الكبار أصبحوا على أبواب الجامعة ويحتاجون الى سيارة فعلمتني احدى قريباتي صناعة البخور وائتمنتني على سر المهنة فحفظته لها. في البداية كنت أبيع لقريبتي البخور فتعطيني الفائدة وتهديني علبة بخور وكنت أبيعها أيضا، بعد ذلك بدأت في صناعة البخور بنفسي وكان ذلك في البداية مكلفا ولكن الأمر تحسن بالاقبال المتزايد من الزبائن الذين كانوا معارفي وقريباتي، والآن أتعامل مع محلات البخور والعطور المعروفة التي اكتسبت ثقتها من خلال تعاملاتي معها لسنين طويلة، ولم أكتف بالبخور بل توسعت أعمالي الى دهن العود والثياب والعطور، كنت في بدايتي أعمل في حدود ألف ريال الى ثلاثة آلاف، أما الآن فقد تعديت ذلك الرقم بمراحل بعد أن زاد حجم المبيعات وتضاعف الزبائن وأحمد الله على نعمته فقد أصبح الحال مستورا. فن الطبخ الظروف الصعبة وتردي الأحوال المادية قد تكون السبب في لجوء السيدات لامتهان أعمال من منازلهن ولكن عندما يستغني الزوج عن زوجته ويرفض حتى دفع نفقتها يكون الأمر أشد صعوبة.. (لما) تركها زوجها بلا معيل، فلا نفقة يدفعها ولا شهادة جامعية تحملها تعينها على الحصول على عمل لتوفير متطلبات الحياة ولكنها ربة منزل ممتازة تتقن فن الطبخ، لذا اتفقت مع أحد المطاعم على صنع (ساندويتشات) مقابل سعر معين بشكل يومي وحقق لها ذلك دخلا جيدا.. ولم تكتف بذلك بل وسعت نشاطها واتفقت مع أكثر من مطعم ونوعت في الأكلات التي تعدها، وأصبحت موردا للوجبات في المناسبات. كان جيران (لما) يمدون لها يد العون والمساعدة نظرا لظروفها الصعبة التي تمر بها، واعتمدت على المكونات البسيطة والمتوافرة في كل بيت لاعداد الوجبات وعندما اتسع نشاطها وحققت دخلا لا بأس به خصصت جزءا منه للتمويل، فقد أصبح دخلها كبيرا والنجاح قادها لتعدد زبائنها، تقول (لما) انها تعتبر نفسها خاسرة اذا قل صافي دخلها الشهري عن 10 آلاف ريال. لكن مقابل ذلك كانت هناك ضريبة لابد أن تدفع فمن المشكلات التي واجهتها اهمالها لطفلها لاسيما أنها تقضي معظم الوقت في المطبخ، كذلك معاملة بعضهم لها كخادمة يسيؤون اليها وأحيانا يقتطعون جزءا من أجرها بحجة أن الأكل كان سيئا، بالاضافة الى نظرات الشفقة والدونية وبعض الحروق التي أصابتها أثناء عملها في المطبخ لكن في المقابل ورغم عدم ثبات مصدر الدخل فإنها استطاعت أن تتخطى الأزمات المالية التي مرت بها حتى حصلت على حقها من النفقة بعد الطلاق، وأصبحت تستعين بسيدات أخريات الى جانب بعض الخادمات لتوفير طلبات الوجبات. حاضنة الأطفال بعد مرور عام من الزواج من دون انجاب أطفال وطول فترة غياب الزوج عن البيت نظرا لظروف عمله شعرت أم بدر بالملل وكانت جارة مقربة لها تبحث عن حاضنة أطفال لرعاية رضيعها في فترة غيابها عن المنزل أثناء الدوام الرسمي فاقترحت عليها أم بدر أن تتولى ذلك. لاقت الفكرة استحسان صديقتها التي اشترطت أن يكون ذلك مقابل مبلغ معين تمنحه لها، وعندما تأخر انجاب أم بدر احتاجت المال لتلقي العلاج اللازم، وضعت اعلانا عن قدرتها على حضانة اطفال خلال فترة خروج الامهات لقضاء أعمالهن وتجاوب جيرانها مع الاعلان وذلك لسيرتها الحسنة بينهن. وبذلك استطاعت أن تجمع ما يكفي للعلاج وأنجبت طفلها الأول بعد مرور خمس عشرة عاما وتوقفت عن هذه المهنة واتجهت لتربية طفلها، ولكن المصروفات زادت عليها ولجأت لتربية الأطفال مرة أخرى لتغطية نفقات الطفل ومصروفه.. مهنتها كحاضنة أطفال أشبعت غريزة الأمومة لديها واكسبتها احترام من حولها من المعارف والأقرباء وغطت احتياجاتها المالية. تقول أم بدر: خمسة من الأطفال الصغار مقابل 300 ريال لكل طفل شهريا كفتني مذلة سؤال الناس، ولكن المسؤولية الملقاة على عاتقي كانت كبيرة وذلك لتخوفي من تعرض الطفل أثناء وجوده معي للخطر. أعمال الخير الحاجة للمال ليست هي دائما التي تجعل السيدات يمتهن أعمالا من منازلهن، فأم يوسف تخيط الملابس وتبيعها وتوجه ما تكسبه من ذلك لأعمال الخير.. وتقول ابنتها فاطمة: في الماضي كانت أمي تخيط الملابس وانقطعت عنها فكان معارفنا يأتون ويطلبون منها ان تخيط لهم لأن بعض السيدات الكبيرات في السن وحتى بعض الشابات لم يكن يحبذن فكرة أن يخيط لهن الرجال الملابس. وكانت تمنح ما تحصل عليه لمن تسمع أنه يمر بظروف صعبة سواء من جيرانها أم معارفها، رغم أن ربحها لم يكن يتعدى سبعمائة أو ثمانمائة ريال وبالنسبة للمواد التي تستخدمها للخياطة فهي تشتريها من مالها الخاص أو أحيانا تخصص جزءا من ربحها لشراء المواد. لا يتوقف نشاط أم يوسف على خياطة الملابس فقط بل تصنع كذلك المخللات التي تبيعها في المعارض التي تقام في المدارس أو بعض المراكز المهتمة وينتعش سوقها خلال فترة الدراسة، اذ تكثر المعارض فترسل ما صنعته من ملابس ومواد غذائية للبيع فيكون الريع من نصيبها والربح من نصيب المراكز أو المدارس التي أقامت المعرض، وتقول أم يوسف عن نشاطها: أجد في الأعمال التي أقوم بها سعادة غامرة فأنا لاأعمل من مبدأ الكسب الشخصي ولكني أسعى لإسعاد الناس قدر استطاعتي، وأرى أن مئات السيدات والفتيات ممن فتح الله عليهن بالمال اذا قمن بهذا العمل يمكن أن يساعدن العديد من المحتاجين وبذا يكون التكافل الحقيقي بين أفراد المجتمع، ودائما أحث من أقابلهن بضرورة اللجوء الى مثل هذه الأعمال لمساعدة الآخرين.