يلفت النظر في الآونة الأخيرة ورود أنباء متوالية عن تصعيد المنظمات التنصيرية نشاطاتها مجددا في منطقتنا خصوصا في تركيا حيث إن هناك نوعا ما من الحرية في التحركات بعموم البلاد. المعلومات المتوافرة تفيد بأن المنصرين يوزعون كعادتهم كتب الإنجيل مجاناً ويستهدفون التأثير على الشبان العاطلين عن العمل بصورة خاصة وجذبهم إلى المسيحية بشتى الوسائل والمغريات في تركيا. وآخر هذه النشاطات كانت في ميدان "كيزيل آي" بقلب العاصمة التركية أنقرة حيث قامت مجموعة من المنصرين (ستة من اليابان بقيادة رجل من إنكلترا) خلال أعياد رأس السنة الميلادية عام 2005 بتوزيع أكثر من 2500 إنجيل على المواطنين الأتراك في الميدان الذي يعتبر من الميادين المهمة في أنقرة وأمام أعين رجال الشرطة التركية وساعدهم منصرون أتراك لتقديم المعلومات للمهتمين من المواطنين بالإنجيل قائلين لهم "رحبوا بالمسيحية، أنه دين جميل، أنظروا ما أجمل أعيادنا، أننا نحتفل بأعياد النوئيل". وعند توجيه السؤال للبريطاني الذي قيل أنه رئيس المجموعة رد عليهم قائلا "انني لا أجيد اللغة التركية". لكنه قدم التهاني باللغة التركية لكل من يستلم كتاب إنجيل من المنصرين. وقام بعض من المواطنين الأتراك بالتعبير عن سخطهم لقيام الماسونيين بفعالياتهم بكل حرية في قلب العاصمة التركية قائلين "لماذا لا تقدمون لنا فعاليات كي نفهم ديننا بشكل أفضل، لماذا تضحكون على أطفالنا وأولادنا المراهقين". وعندما سألوا الشرطة لماذا لا تتدخل لتوقف هذه الفعاليات في ميدان "كيزيل آي". نالوا الرد التالي :"أنها فعاليات مشروعة لأنهم حصلوا على أذن مسبق من السلطات". الأمر الذي أدى إلى قيام مجموعة من طلاب الثانويات التركية بجمع كتب الإنجيل لخزنه كي لا يأخذها الجاهلون أو اللذين من المحتمل أن يتأثروا بها. عند سماع هذه الأقوال يعصر الإنسان ذهنه متسائلا: "هل يمكن للمسلم أن يتحول إلى مسيحي؟ ويهدر صوت داخلي ينفي هذا الاحتمال ويقول أن مثل هذا الاحتمال بعيد بل وغير ممكن. لماذا؟ لنشرح ذلك؟. ما الذي يكسبة المسلم من اعتناق المسيحية؟. وما النقص الذي سيسده بهذه الطريقة؟. وما الحقيقة التي يبحث عنها الشخص في المسيحية ولا يجدها في الإسلام؟. فإذا كان الجواب بالنفي فما الداعي لاعتناق المسيحية ؟. فلو اقترب المنصرون من المسلمين من زاوية المعتقد قائلين أن المسيح عيسى نبي عظيم من رسل الرحمن وأن الإنجيل كتاب مقدس من كتب الله فلن يكونوا قد ذكروا شيئاً لا يعرفه المسلم. فكلنا نؤمن بأن عيسى رسول الله وأن الإنجيل كتابه المقدس. فليس هناك ما يدعو لتغيير المسلم دينه لهذا السبب. والقرآن الكريم يؤكد ذلك في الآية 285 من سورة البقرة بقوله ".... لا نفرق بين أحد من رسله". بناء على ذلك فليس للمسلم التمييز بين الرسل والأنبياء فكلهم سواسية بعثهم الله لعباده ولا فرق بين عيسى وبين موسى. فإذا كان الأمر كذلك فما الجديد الذي يوضحه ويقدمه المنصر للمسلم الذي يؤمن بجميع الرسل وكتبهم المقدسة من آدم وحتى خاتم الأنبياء؟. ومن الذي ينكره المسلم ليقوم المبشر بإقناعه بالعدول عن رأيه واعتناق المسيحية؟. أي أن الإسلام الذي يحيط بكافة الأديان السماوية يتضمن المسيحية الحقيقية أيضا. ولكن المسيحية لا تتضمن الإسلام. أي أن المساعي التنصيرية لا تسعى للوصول إلى الحقيقة التي تكاملت في الدين الإسلامي. وليس لنا أن ندعو المتكامل إلى تبني الناقص, فهذا ما يقتضيه العقل والمنطق إضافة إلى استحالة تقبل المسلم مبدأ الأب والابن الذي تدين به المسيحية والذي لم يعد يؤمن به حتى شطر كبير من المثقفين المسيحيين. وهذا مثال واحد على صعوبة تبني المسلم للمسيحية في وقت يستطيع فيه المسيحي اعتناق الإسلام لأنه لا يرفض معتقداته الدينية ولا ينكر نبوة المسيح عيسى ولا كتابه المقدس. ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للمسلم الذي لا يجد في المسيحية لا نبيه ولا كتابه ولا الدعائم المتكاملة لدينه. تجاه هذه الحقائق يسأل المرء :"ولكن هناك قلة (يعدون بالأصابع) من غير دينه من الإسلام إلى المسيحية؟. والرد على ذلك هو : أولا: المسألة ليست تغيير الدين إلى المسيحية بل وبكلمة واحدة ارتداد والقائم بها مرتد. ثانياً: النشاطات التنصيرية تجري (كما جرت العادة منذ سنين وسنين وكما يعرف الجميع) في مجاهل القارة السوداء في صفوف القبائل الفقيرة والبعيدة عن الحضارة. والآن بدأت هذه النشاطات تتجه نحو شعوب آسيا الوسطى والقوقاز التي بقيت طيلة ثمانية عقود بعيدة عن التربية والتعليم الديني بضغط من النظام السوفيتي. فلماذا تستهدف الفعاليات التنصيرية هذه الشعوب المعدمة والجاهلة بالأحكام والمعتقدات الدينية؟ الجواب بسيط وهو أن ما عجزت المنظمات التنصيرية عن تحقيقه بالعقل والمنطق تستهدف تحقيقه بالمغريات والأموال. وهذا سبب توزيعها كتب الإنجيل مجاناً, فلو طالبت حتى بأقل القليل ثمنا للإنجيل ما وجدت إنسانا واحدا يبتاعها. ليس هذا فحسب بل إن هذه المنظمات تصرف ملايين الدولارات على هذه النشاطات. ولكن أتستطيع حقا أن تنزع الإيمان من قلوب هؤلاء ؟ لا نعتقد ذلك.