يطالب بعض الإقتصاديين السعوديين بإنشاء صندوق للإحتياطي يحول إليه الفائض في الموازنة الناتج عن ارتفاع أسعار النفط .. تكون مهمته عمل موازنة للأسعار إذا تعرضت للتذبذب أو الأزمات ولتحقيق استقرار إيرادات الخزانة مقابل التذبذب في اسعار النفط مما يجنب الحكومة الاقتراض في سنوات قادمة. دعوة الخبراء السعوديين تستحق المناقشة ويستحق هذا الفكر المتزن أن يسود في كل دول الأوبك، أو على الأقل الأوابك العربية .. وهناك من الأنباء ما يبشر بتبني هذا الفكر وبأن عشرات البلايين من الدولارات الناتجة من عوائد النفط بدأت تتجه إلى الصناديق الخاصة التي أنشأتها بعض الدول المنتجة للنفط. فماذا يقول الخبراء عن هذه الدعوة وهذا الاتجاه؟. اقتراح عاقل يرى الدكتور عبد المطلب عبد الحميد عميد معهد الدراسات الاقتصادية بأكاديمية السادات للعلوم في القاهرة إن اقتراح خبراء الاقتصاد السعوديين بإنشاء صندوق احتياطي لموازنة الأسعار تصب فيه بعض هذه الفوائض هو اقتراح عاقل ويدل على فكر ناضج ومستوعب للمتغيرات العالمية .. لكني أرى ألا يكون الصندوق على المستوى القطري بل أن يكون صندوقاً مشتركاً داخل الأوبك أو الأوابك العربية .. لأن هذا الصندوق أصبح هاما جداً في حالة تذبذب أسعار البترول .. لذا كلما حافظنا على سياسة سعرية متوازنه واستقرار في أسعار النفط أدى ذلك لاستقرار العوائد .. فوق التوقعات ويقول : أسعار البترول هذه الأيام فاقت كل التوقعات .. ففي أقصى التوترات البترولية كانت تصل الى حاجز الاربعين دولارا للبرميل .. لكن استمرار شراء النفط من أجل التخزين في الدول الصناعية وتراجع المخزون الأمريكي مع اقتراب الشتاء وكذلك الطلب الرهيب عليه من الصين والهند وعدم استقرار كثير من مناطق النفط في العالم كالعراق ونيجيريا وفنزويلا .. كل هذا جعل أسعار النفط تخرج عن السيطرة .. حتى أن خبراء مجموعة "ميتسوي بوسان فيتشر" اليابانية توقعوا أن يصل سعر البرميل إلى 60 دولاراً!!. ويقول : لذلك فإن هذه الظروف العالمية الاستثنائية رفعت الأسعار ووفرت دول النفط هذه الفوائض القدرية والتي من المفروض أن تستفيد منها وتوظفها في أفضل استثمار لها .. وأن تستفيد أيضا من دروس الماضي بعدم إيداعها في بنوك أجنبية. الاستفادة القصوى ويضيف عميد معهد الدراسات الاقتصادية : إنه لو ظلت هذه العلاقة التي أصبحت في حالة توتر بين العرب والمسلمين من ناحية وبين أمريكا والغرب بشكل عام من ناحية أخرى المفروض أن تصب هذه الفوائض في المنطقة ذاتها ، أما في اتجاه التنمية على مستوى الاقطار الخليجية ولتصب في صناديق من أجل تنمية هذه الاقطار وتوظف مباشرة على مستوى الدولة المستفيدة .. ولا مانع إذا كان القطر لا يستطيع إستيعاب كل الفوائض أن تتدفق في شكل استثمارات مشتركة داخل المنطقة العربية .. أي تقرض للآخرين في شكل استثمارات ومشروعات مشتركة .. أي في النهاية تصب في استثمارات عربية بيئية .. ذلك أنه أحيانا لا يستطيع القطر استيعاب كل الفوائض فهناك طاقة استيعابية لكل اقتصاد في مرحلة معينة وظروف معينة.. مع التركيز قبل كل شيء كما يقول د . عبدالمطلب على فكرة صناديق الاحتياطي التي يجب أن تقام بغرض موازنة الاسعار في حالة تذبذبها.. مخاطر الدول الشاردة !! ويرى د . عبد المطلب أن التذبذب في أسعار البترول قد يكون إيجابيا اليوم لكنه قد يتحول إلي سلبي في الغد خاصة أن الخطر كبير على الأوبك كمنظمة عالمية والأوابك كمنظمة إقليمية .. لأن هناك دولا نشطة جداً خارجها مثل روسيا الاتحادية والمكسيك وبالتالي هذه تمثل خطراً على الأوبك لأنها تخضع لتصرفات المنتج الفرد الذي يحدد الأسعار التي يراها وبالكميات التي يراها طبقا لمصلحته هو وليس مصالح جموع المنتجين . والحقيقة أن هذه الدول خارج الأوبك لم تبذل الجهود الكافية لاجتذابها داخل الأوبك وظلت شاردة خارجها تمثل خطراً على المنظمة مع تزايد إنتاجها واحتياطيا لها من البترول. ويقول : التذبذب في سعر البترول عال وضروري أن تبحث الأوبك ليس فقط في الكميات والاسعار بل في عمل صندوق الموازنة أيضا للحفاظ على أسعار البترول في مستوى مناسب. الرسالة الحقيقية ويضيف : ارتفاع الأسعار بشدة فيه ضرر لأن الأسعار العالمية تمثل خطراً على الأوبك .. والأوابك رسالتها أن نبيع باسعار مستقرة .. وللآن الأسعار غير حقيقية .. لا بد مثلا من أن تستخدم سياسة إنتاج توسعية فالاوبك لم تنشأ ليحدث إرتفاع في الأسعار أو مضاربة على الأسعار.. لذا أرحب بعمل صندوق موازن الأسعار فهذا سيساعد الأوبك على آداء رسالتها خاصة أن كبح جماح الأسعار لم يعد في قدرتها .. منذ كانت من قبل تلعب بالكميات للموازنة بين العرض والطلب الآن لم تعد هذه الورقة كافية لإحداث التوازن المطلوب مع ظروف التوتر العالمية ومع وجود لاعبين نشطين خارجها. هنا لابد أن تضع الأوبك آليات تستثمر فيها هذه الأرباح القدرية على أن تكون هناك استراتيجية على مستوى كل دولة واستراتيجية عامة للأوبك لموازنة الأسعار وتوظيف الأموال الفائضة بالاسلوب الأفضل في التنمية القطرية، والتنمية العربية وأن تكون لديها سياسة طويلة الأجل في هذا الشأن. خطوات رشيدة ويقول عميد معهد الدراسات الاقتصادية بأكاديمية السادات.. إن بعض الدول العربية النفطية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بدأت بالفعل تعمل نوعا من الجذب التدريجي وتوجيه الفوائض البترولية الى إلى داخل البلاد خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر وهذه سياسة رشيدة لأن المخاطر على الأموال العربية في الخارج مخاطر سياسية أي تخضع للظروف السياسية .. فهناك مخاطر التجميد ومخاطر انتقاص الفائدة، ومخاطر انتقاص العملة.. وهي مسائل تتكرر بقوة .. وفي بعض الأحداث تكون متعمدة.. لأن الاقتصاد يختلط بالسياسة في بعض الأمور .. ولذا المفروض أن ينتبه العرب لذلك وينتبهون لأمولهم. ويؤكد على أن الدول العربية عموما لا بد أن تندفع لتحسين مناخ الاستثمار في المنظمة العربية وإزالة معوقات الاستثمار العربي العربي وأن تجلس مع بعضها لتنسق الأموال والفروق المناسبة لكي تستثمر في رأس المال العربي ويمكن أن تلعب دوراً كبيراً في أحداث التكامل العربي وهذا سينعكس في شكل تنمية ودخل اقتصادي عربي أعلى ونشاط أكبر. التوظيف .. أفضل من الادخار د . جمال زهران وكيل كلية تجارة جامعة قناة السويس بمصر.. يرى أن توجيه فوائض البترول للاستثمارات والتنمية أفضل من ادخارها في صناديق .. ذلك أن العائد من الاستثمار أعلى كثيرا إضافة إلى أن أموال الصناديق قد تتأثر بأسعار العملات الدولية .. فالاستثمار من وجهة نظره هو الضمان الأفضل لاعادة توجيه هذه الفوائض اذا لم يكن في الدول النفطية نفعها . ففي الدول العربية فهي أولى من الدول الغربية التي قد تعرض هذه الأموال لمخاطر التجميد والمصادرة إذا حدثت مشاكل سياسية بينها وبين الدول العربية. ويقول إن الارتفاع المستمر في اسعار البترول سلاح ذو حدين فهو لا شك سيؤدي لزيادة كبيرة في العائد من ناحية أخرى سيؤدي لارتفاع اسعار السلع المصنعة عالميا .. والمعروف أن الدول الخليجية دول مستهلكة ومستوردة وستكون أول من يكتوي بنار هذا الغلاء العالمي .. أي أن جزءاً من العائد المتحقق من ارتفاع اسعار النفط سيستهلك في ارتفاع اسعار السلع المستوردة. ويقول : والوقع أن الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تحاول منذ زمن تنويع اقتصادها الذي ظل لوقت طويل معتمدا على ريع واحد هو مبيعات النفط.. والفرصة متاحة الآن لأن تسرع في هذا السبيل أي أن تستخدم هذه العوائد النفطية الناتجة عن ارتفاع الاسعار في استثمارات مختلفة وإيجاد مصادر اقتصادية بديلة وموارد بديلة للبترول أي أن تنوع مصادر الاقتصاد الوطني. فحكومة المملكة مثلا وهى أكبر دول مصدرة لا بد أن تهتم بالأنشطة الاقتصادية الكبرى مثل شركات السلاح التي يمكن نقل بعض صناعاتها إلى داخل المملكة وايضا صناعة السيارات وغيرها من الأنشطة الصناعية الضخمة التي يمكن نقلها قريبا من مناطق البترول. النقطة الأخرى كما يقول د . جمال زهران هى استخدام جزء من الفوائض في انشاء صناديق تمويل للاستثمار في الدول العربية المؤثرة أو التي بها إمكانيات للتنمية والاستثمار .. فمعظم الدول العربية تقترض من الخارج من أجل خطط التنمية وترهق ارادتها السياسية . مقابل هذه القروض .. فلم لا يقترض العرب بعضهم بعضا ويضمنون استثمار اموالهم داخل المنطقة وفي نفس الوقت يبعدونها عن مخاطر التجميد والمصادرة التي تقوم بها الدول الغربية أثناء الأزمات السياسية مع الدول العربية. ويضيف د . زهران ان هذا يحقق هدفين.. أولهما استثمار وتدوير هذه الفوائض في استثمارات قوية وبناء اقتصاد عربي قوي يتم من خلاله تحقيق حلم السوق العربية المشتركة والمنشودة. من ناحية أخرى فإن هذا التوجه كما يقول د . جمال زهران سوف يخدم التوجيه المخطط للأموال الناتجة عن زيادة أسعار البترول في تحقيق استقرار النظام العربي حيث سيوجد تنمية ووظائف. ويضيف : مثلا دولة مثل السودان التنمية والاستثمار فيها سيمنع التدخل الأجنبي خاصة إذا أقمنا المشروعات الاستثمارية في منطقة مثل دار فور التي تتخذها الدول الغربية ذريعة للتدخل في شئون السودان. ويحذر د . زهران من أن الدول الكبرى عيونها على هذه الفوائض وإذا لم تستثمر الاستثمار الأمثل فيمكن لهذه الدول الكبرى مثل أمريكا أن يمرروا حربا جديدة في المنطقة تدمر وتخرب فيها ليبيعوا لنا الاسلحة.. ويدخلونا في دوامة حرب ليمتصوا حجم الفائض.. أي يوجه هذا الفائض تحت ضغط خارجي إلى مجالات إجبارية تدعم الاقتصاد الغربي على حساب الاقتصاد العربي. ويقول د . زاهران نحن ندعو الخبراء الاقتصاديين العرب لعمل اجتماع غير حكومي أو منتدى غير حكومي لبحث كيفية توجيه مثل هذه الفوائض وذلك بالتعاون مع مجلس الوحدة الاقتصادية العربية وذلك بما يسهم في اعادة توجيه هذه الفوائض إلى التنمية الاقتصادية في المنطقة العربية واستغلال هذا الفائض المفاجىء في زيادة حجم التجارة البينية بين الدول العربية إلى 20% على الأقل بدلا من 08% كما هو الحال الآن . كما لابد أن ينافس الاقتصاديون مشروعا طويل الأجل للبدء بسحب الودائع العربية من البنوك الأجنبية واستثمارها داخل الوطن العربي. صندوق جماعي د . محمد راشد استاذ الاقتصاد بجامعة حلوان .. يرى أن فكرة وضع الفوائض النقدية غير المتوقعة في صندوق لموازنة الأسعار فيما بعد هى فكرة صائبة جداً . ويقول : لكن فوائض دولة واحدة لن تكون كافية أو تؤدي الغرض لكن يمكن انشاء صندوق جماعي لدول مجلس التعاون الخليجي .. في هذه الحالة .. سيكون رأسماله ضخما ومؤثرا.. ويمكن أن تستخدم أموال هذا الصندوق في التنمية داخل هذه الدول .. وإن كنت لا أعتقد أن خطط التنمية في دول الخليج تعتمد في جزء كبير منها على الفوائض .. فالاستثمارات السعودية الضخمة تصل إلى 30% من الدخل القومي الإجمالي والذي لا يقل عن 200 مليار دولار أي أنها حوالي 60 مليار دولار اغلبها يمول تمويلا ذاتياً والنسبة الصغيرة منها استثمار أجنبي مباشر و استثمار عربي عربي .. أي أن ما تبقى في فوائض النفط سيكون حجمه صغيراً بالنسبة للاستثمار الأصلي . ويقول د : راشد أن غير المتخصصين يعتقدون أن ارتفاع اسعار البترول كل الفائدة فيه تعود على الدول البترولية حيث صادرات البترول فيها 90% من صادراتها .. لكن الواقع أن هذه الدول أيضا تستورد معظم احتياجاتها من مأكل وملبس ومعدات وخامات وغير ذلك ، ولذا فكل هذه الواردات ستعكس هذا الارتفاع في اسعار الطاقة .. بمعنى أن جزءاً كبيراً مما ستجنيه من ارتفاع اسعار النفط سيستهلك في ارتفاع السلع المستوردة من الخارج .. فإذا كانت حصيلة تصدير البترول سترتفع فإن فاتورة الاستيراد سترتفع كذلك .. مع العلم أن ورادات الدول البترولية تمثل نسبة كبيرة من دخلها القومي .. إذن المردود من ارتفاع سعر البترول غير المتوقع سيكون أقل مما يتوقعه غير المتخصصين .. وربما تكون الآثار اكثر سوءاً بالنسبة للدول غير المصدرة للبترول لأن ارتفاع اسعار النفط سيؤدي إلى عجز شديد في ميزانها التجاري .. ولذا فمن الجائز أن ارتفاع اسعار النفط على هذا النحو يؤدي إلى موجة من التضخم العالمي. ويضيف د . محمد راشد أن هياكل الدول البترولية غير مؤهلة للاستفادة العظمى من ارتفاع اسعار النفط .. ومن هنا فإن الدول البترولية في منظمة "الأوبك" تقف مواقف مخالفة .. أي لا تتفق على قرار موحد في هذا الشأن. ضرورة مشاركة اوبك في الصندوق