«هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في 8 أسابيع وسط ارتفاع الدولار    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    الوداد تتوج بذهبية وبرونزية في جوائز تجربة العميل السعودية لعام 2024م    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في stc    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    "محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    عصابات النسَّابة    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    المنتخب يخسر الفرج    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    بوبوفيتش يحذر من «الأخضر»    أجواء شتوية    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البلدان العربية تستورد 60% من احتياجاتها
أزمة الغذاء في الوطن العربي
نشر في اليوم يوم 22 - 11 - 2004

يعتبر الوطن العربي من أكثر مناطق العالم احتياجا للغذاء فقد اشارت الاحصاءات الصادرة مؤخراً الى ان سكان الوطن العربي تجاوز عددهم 290 مليون نسمة حاليا، يعتمدون على استيراد 45% من غذائهم. هذا على وجه الإجمال، أما في واقع الحال فإن هناك دولا عربية تزيد مواردها الغذائية عن حاجة سكانها لقلة عدد السكان، في حين تعاني أكثرية الدول العربية من زيادة سكانية تلتهم جميع مواردها الغذائية دون أن تشبع فتضطر إلى طلب المعونات التي غالبا ما تأتي في صورة حبوب. غير أن هذه المعونات لا يمكن الفصل بينها وبين الهيمنة السياسية: ظاهرة كانت أو مقنَّعة. ونظرا إلى أن المعونات - مهما كان حجمها - لا تكفي لسد الاحتياجات المتزايدة للسكان، فإن غالبية الدول العربية تضطر لاستيراد احتياجاتها الغذائية بأسعار السوق العالمي، ولكنها عندما تطرحها للاستهلاك المحلي تضطر لدعمها بمبالغ طائلة من موازنة الدولة لكي تكون ميسورة ومتاحة لمحدودي الدخل من المواطنين ويؤدي هذا الوضع تلقائيا إلى قيام منافسة غير متكافئة بين الإنتاج المحلي عالي التكلفة، وبين الغذاء المستورد المدعوم مما يجعل المستثمرين القادرين من أبناء العرب ينصرفون عن الغذاء كمجال من مجالات الاستثمار لعدم قدرتهم على منافسة الأغذية المستوردة المدعومة حكوميا.
هذا ما اشارت اليه دراسة صادرة حديثاً بالقاهرة للخبير الاقتصادي مصطفى رجب حيث اكد ان الوطن العربي يتمتع بموقع فريد جغرافيا واستراتيجيا فهو يمثل من حيث المساحة حوالي 23200 هكتار بنسبة 6.10% من مساحة العالم البالغة 8.1364 مليون هكتار غير أن المساحة الصالحة للزراعة من الوطن العربي 9.163 مليون هكتار أي ثلث مساحة الوطن العربي، ولكن في الواقع لا يزرع منها إلا حوالي 53 مليون هكتار وباقي المساحة الذي يمثل 87.91% غير مستغل لأسباب عديدة منها: ما يتم إهداره في الرعي، ومنها ما يتعلق بضعف الميكنة الزراعية، ومنها ما يتعلق بندرة المياه...الخ.
وتعاني الأراضي العربية بوجه عام من زيادة المساحات الصحراوية من ناحية ومن ناحية أخرى فقر الأرض الصالحة للزراعة التي تعاني من نقص في الفسفور والنتروجين لتصبح باستمرار في حاجة للمياه والسماد، ويؤدي إهمال الري والتسميد إلى زيادة مساحات التصحر.
ويرى كثير من المتخصصين أن أزمة الغذاء الحالية في البلدان العربية لا ترجع إلى فقر في الموارد بقدر ما ترجع إلى الإهمال وسوء الإدارة للأزمة. ويستدلون على ذلك بما كان عليه الحال من قديم الزمن بل وفي العصر الحديث.
يقول الباحث محمد خليفة: "حتى أمد قريب كان الوطن العربي ينتج كافة احتياجاته من الغذاء ويصدر جزءا من الفائض إلى الخارج. وفي الماضي السحيق كانت مصر دولة مصدرة للقمح، وظلت تسد حاجتها من هذه السلعة الاستراتيجية حتى مطلع الستينات. وكانت سوريا تعتبر منذ القديم "اهراء رومد" أو "مخزن غلال الإمبراطورية الرومانية"، وكان السودان "سلة غذاء" يمكن أن تكفي القارة الإفريقية والوطن العربي.
وكانت الجزائر تصدر القمح لجميع الدول الأوروبية حتى أواخر القرن الماضي. وكانت العراق والمغرب وتونس من الدول الغنية بالإنتاج الزراعي الغذائي وتصدر الكثير منه إلى مختلف الدول الأجنبية، فكانت ثروة الزيت والزيتون في تونس هي الأكبر في أفريقيا، وكان العراق يملك أكبر ثروة في العالم من النخيل والتمور. وكانت المغرب أكبر مصدر للفواكه والحمضيات في أفريقيا والوطن العربي، ويمكن أن يقال نفس الشيء بالنسبة للحوم والإنتاج الحيواني حيث كان الوطن العربي حتى عقود قليلة مكتفيا ومصدرا.
لقد بدأت مقدمات الفجوة الغذائية في الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية حين انصرفت الجهود إلى مشروعات التصنيع على حساب الاستثمار الزراعي، والاهتمام بالريف والفلاحين، وطبقت سياسات إصلاح زراعي فاشلة أدت إلى اضعاف الإنتاجية وتقسيم الملكيات الزراعية إلى وحدات صغيرة.. ترافق ذلك مع تطورين بارزين. الأول تحسن المستوى المعيشي الذي أدى إلى ارتفاع معدلات التزايد السكاني، والثاني ارتفاع مستوى الدخول نتيجة الثروة النفطية، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على الغذاء بنسبة عالية (اكثر من 50%) خلال الفترة بين 1975 و1985.
ومع مطلع السبعينات بدأت الدول العربية تعاني فجوة غذائية تزداد اتساعا باطراد. ففي الفترة بين 1970/1975 ارتفعت قيمة وارداتها من المنتجات الزراعية من 7.1 بليون دولار إلى 6.7 بليون دولار أي بنسبة 347%، في حين لم تزد الصادرات إلا بنسبة 65%.
وفي عام 1975 بلغ عجز الميزان التجاري الزراعي العربي 8.4 بليون دولار. أي بنسبة الضعف. وعلى عام 1981 قفز إلى 1.18 بليون دولار. وتأتي في مقدمة الواردات الحبوب، وفي رأسها القمح ففي عام 1973 كانت واردات البلاد العربية من القمح 1.7 مليون طن متري وفي عام 1977 وصلت إلى تسعة ملايين طن وفي عام 1985 ارتفعت إلى 21 مليون طن أي تضاعفت خلال 15 سنة بين 1973 و1985 ثلاث مرات. والدول العربية هي أكثر منطقة في العالم استيرادا للحبوب الغذائية، مع أن طبيعة الأراضي الزراعية العربية تفترض أن تكون مصدرة. ففي عام 1985 استوردت الدول العربية 7.31 بليون طن من الحبوب الغذائية، قيمتها الإجمالية 3.6 بليون دولار أي نحو 6.14 من مجموع مستوردات العالم من الحبوب الغذائية.
وأصبحت غالبية الدول التي كانت تصدر الحبوب وبخاصة القمح مستوردة له حاليا وهي: مصر، سوريا، الجزائر، تونس، العراق.
وتشير التقارير الصادرة عن الفجوة الغذائية إلى حقائق مخيفة تتعلق بزيادة معدلات استهلاك الغذاء في الوطن العربي بصورة مقلقة حيث أصبحت الدول العربية تستورد نحو 60% من احتياجاتها الغذائية من الخارج. وتشير الإحصائيات أيضا إلى أنه في حين أن نسبة الاكتفاء الذاتي العربي من الحبوب كانت خلال الفترة من 1978/1981 نحو 58% ومن البقول 89% ومن السكر 41% ومن اللحوم 74% فإن هذه النسبة تراجعت لتصل في عام 1985 إلى 1.49% و78% و6.33% و74% على التوالي.
وفي عام 1987 قدر الخبراء الفجوة الغذائية بحوالي 26 مليون طن من الحبوب و5.4 مليون طن سكر، ومليون طن من اللحوم و5 ملايين طن من الألبان. وهكذا ارتفع حجم الإنفاق العربي على واردات السلع الغذائية من بليوني دولار عام 1970 إلى 22 بليون دولار عام 1984 وإلى 25 بليون دولار عام 1985. وبهذا يكون الوطن العربي قد أصبح من أكبر مستوردي الغذاء في العالم.
وقالت نشرة اقتصادية تصدرها الغرفة التجارية العربية/ الايطالية، وفقا لتقارير المنظمة الدولية ان الدول العربية استوردت أغذية من الخارج في الفترة 1984/1986 بما مجموعه 25 مليار دولار، منها 5.3 مليار دولار في دول المغرب العربي و3.5 مليار في شمال أفريقيا و16 مليار دولار بقية الدول العربية.
وعلى الرغم من أن تعداد سكان الدول العربية المشتغلين بالزراعة يبلغ ما يقرب من 53% من عدد السكان إلا أن الناتج الزراعي لا يمثل أكثر من 9% من الناتج المحلي للدول العربية.
وجاء في التقرير أيضا أن معدل النمو الذي حققه القطاع الزراعي خلال العقد الماضي يعتبر متدنيا بشكل كبير إذ لم يزد على 2% سنويا. إذ تبلغ مساحة الرقعة الأرضية المتاحة في المنطقة العربية 1411 مليون هكتار وهو ما يعادل تقريبا عشر اليابسة على المستوى العالمي.
لكن ليس من هذه المساحة غير 133 مليون هكتار قابلة للزراعة، ورغم ذلك فالأراضي المزروعة منها لا تتجاوز 42 مليون هكتار من الغابات ونحو 199 مليون هكتار من المراعي الطبيعية، وهو ما يعادل تقريبا 1/5 من الرقعة الأرضية. ويحوز الوطن العربي على 223 مليون رأس من الحيوانات بأنواعها المختلفة، ورغم هذا لا يمثل إنتاج الدول العربية من اللحم أكثر من نسبة 8.1% من الإنتاج العالمي، وكان يمكن أن نعوض هذا النقص في إنتاج اللحم بالاستثمار الأكبر والأفضل بما تملكه المنطقة العربية من رصيد هائل من البروتين الحيواني الأرخص المتمثل في الأسماك والتي تزخر بها 7.22 ألف كيلو متر من الشواطئ البحرية المحيطة بالدول العربية، لكن الإنتاج السمكي الحالي في الوطن العربي لا يزيد على مليونين و200 ألف طن سنويا بينما المخزون القائم بالفعل يقدر بنحو 7 ملايين و700 ألف طن من الأسماك، أي أن المستغل من الرصيد لا تتجاوز نسبته 28%.
ويتخوف المتخصصون من الآثار الجسيمة التي تترتب على وجود أزمة غذاء، تلك الآثار التي عبر عنها الداعية المعروف الشيخ محمد متولي الشعراوي بطريقته المعهودة في التعبير حين قال (حين يكون طعامنا من فأسنا يكون قرارنا من رأسنا) بما يعني أن هناك خطرا على حرية القرارات في مجال العلاقات السياسية بسبب الحاجة للطعام.
وقد عبر عن هذا المعنى الدكتور رسول راضي حين أشار إلى أن العجز المستمر في القدرة على تأمين غذاء المواطن العربي في أرضه أصبحت مسألة مستعصية، لأسباب متعددة، الأمر الذي أصبح يشكل خطرا على الأمن الاستراتيجي العربي بسبب الاستيراد الواسع للسلع الغذائية الضرورية والتي تتحكم بها طبيعة السوق العالمية الاحتكارية.
إن ذلك سيؤدي بلا شك إلى تدخل الدول المصدرة للغذاء بحرية القرار العربي عن طريق سلاح الغذاء الفتاك الذي تشهره في وجه الأقطار العربية حيثما تشاء وفي المجالات السياسية والاقتصادية. ومن المعلوم أن عددا قليلا من الدول تحتكر سوق السلع الغذائية تأتي في مقدمتها: الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تساهم وحدها ب47% من صادرات الغذاء، والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا واستراليا مشتركة تساهم بتصدير 79% من صادرات العالم من القمح ونحو 72% من صادرات العالم لمجمل الحبوب. وإذا أخذنا حجم تصدير القمح والحبوب على مستوى الدول الرأسمالية لوجدنا أنها مجتمعة تقوم بتصدير ما معدله 88% و83% من صادرات السلع المشار إليها. أما بالنسبة للدول التي تحتكر تصدير المنتجات الحيوانية، فإن ثماني دول رأسمالية ساهمت بتصدير 62% من حجم صادرات العالم، وإن ما يصدره المعسكر الرأسمالي يعادل نحو 83% من صادرات جميع دول العالم من المنتجات الحيوانية وتبلغ الآن صادرات العالم الرأسمالي نحو 95% من صادرات العالم من الألبان ومنتجاتها.
إن الدول الرأسمالية استغلت الميزة الاحتكارية استغلالا بشعا سواء في فرض سياستها بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق الغذاء أو عن طريق الأسعار والحصول على أموال طائلة نتيجة لواقعها التحكمي، في الفوائض الغذائية بالعالم، وكانت الدول النامية أكثر تأثرا بهذا الواقع خصوصا الوطن العربي الذي تتصاعد حاجاته الملحة للغذاء.
الجهود العربية لمواجهة الأزمة
لا شك في أن التكامل الاقتصادي العربي هو السبيل الوحيد لمواجهة أزمة الغذاء العربي. وقد بدا هذا الإدراك واضحاً منذ نشأة العمل العربي المشترك مع نشوء الجامعة العربية قبل خمسة وخمسين عاماً لكن المتتبع لنتائج هذه الجهود، مع استمرار تفاقم الأزمة يدرك إلى أي حد يمكن الحكم على هذه الجهود بالفشل أو النجاح.
وقد استعرض خالد تحسين المستشار الإقليمي للجنة الاقتصادية الاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) هذه الجهود العربية ورصدها رصداً نقدياً شاملاً منذ حظيت مسألة التعاون في المجال الزراعي بالاهتمام منذ البواكير الأولى للعمل العربي المشترك. فميثاق جامعة الدول العربية في عام 1945 تحدث عن التعاون الوثيق في أمور الزراعة، ومعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي في عام 1905 تحدثت عن التعاون في مجالات استثمار الموارد الطبيعية وتبادل المنتجات الزراعية وإبرام ما تقتضيه الحال من اتفاقيات لتحقيق ذلك، واتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية في عام 1964 هدفت إلى قيام سوق عربية مشتركة بإطلاق حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال والبضائع وحرية الإقامة والتملك وممارسة النشاط الاقتصادي وإقامة منطقة جمركية واحدة وتوحيد السياسات الزراعية والإنماء الاقتصادي ووضع البرامج المشتركة المعبرة عنها.
من الوسائل التي اتبعها مجلس الوحدة الاقتصادية باتجاه التنسيق والتكامل الاقتصادي إنشاء الاتحادات النوعية والشركات كمدخلين للتكامل الإنتاجي. وفي مجال الزراعة والغذاء تم إنشاء اتحادات لمنتجي الأسماك وللصناعات الغذائية وللسكر، والشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية. كما قام بعدد من الدراسات الهادفة إلى تكريس التعاون العربي لعل أهمها برنامج مراحل وصيغ التنسيق والتكامل الزراعي العربي.
على أن العمل العربي المشترك خطا خطوة مهمة في الاتجاه المؤسسي والتمويلي بإنشاء الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي الذي صدر قرار الجامعة العربية بإقامته في عام 1968. حيث قضت اتفاقية الصندوق بمنح الأفضلية في منح القروض والمساعدات للمشروعات العربية المشتركة والمشروعات الاقتصادية الحيوية للكيان العربي بما في ذلك بطبيعة الحال المجال الزراعي. وفي عام 1970 أنشئت المنظمة العربية الزراعية، وكان انشاؤها منسوباً إلى إدراك البلدان العربية للمكانة التي تحتلها الزراعة في البنيان الاقتصادي العربي، وبأن الموارد الزراعية في البلدان العربية لم تستغل استغلالاً كاملاً، وعلى تشابه الظروف والمشكلات الزراعية، وعلى أهمية التنسيق بين خطط التنمية الزراعية للوصول إلى التكامل الزراعي بين الأقطار.. الخ.
وفي عام 1981 تم إنشاء المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة لإجراء دراسات إقليمية تتعلق بالموارد الطبيعية الزراعية في هذه المناطق كالمياه والتربة والمراعي والماشية الرعوية وما إلى ذلك.
وفي عام 1976 وقع 13 قطراً عربياً على اتفاقية إنشاء الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي وعلى النظام الأساسي لها والاتفاق الخاص بنشاط الهيئة في السودان. إذ قامت هذه الهيئة أساساً لتنفيذ البرنامج الأساسي لتطوير القطاع الزراعي في السودان للسنوات العشر 1976 1985 وهو أول برنامج عربي تتكامل فيه المداخلات المختلفة التي تتطلبها التنمية الزراعية وأنواع التمويل الإنمائي الميسر والتجاري الاستثماري التي تتطلبها عناصر البرنامج المختلفة. وللهيئة كذلك تنفيذ مثل هذه البرامج المتكاملة في الأقطار الأعضاء.
وفي عام 1980 أقرت قمة عمان ميثاق العمل الاقتصادي القومي العربي، واستراتيجية العمل العربي المشترك وعقد التنمية العربية المشتركة والاتفاقية العربية الموحدة للاستثمار، كما صدرت في فبراير 1981 اتفاقية تيسير وتطوير التبادل التجاري العربي.
ولقد كرست هذه الوثائق بمجملها مبادىء تنسيق السياسات الاقتصادية القطرية، والتخطيط القومي العربي وإحداث المزيد من الترابط العضوي في الهياكل الإنتاجية كما حددت أولويات العمل المشترك بما فيها مسألة الأمن الغذائي العربي. كما التزمت مجموعة من الأقطار العربية بتخصيص 5 مليارات دولار بموجب عقد التنمية العربي لمساعدة الأقطار العربية الأقل نمواً لتمويل المشاريع الكبرى التي كان من المتوقع أن تتوجه نسبة عالية من هذه الموارد للتنمية الزراعية والريفية بسبب الأهمية المركزية لهذا القطاع في تلك الأقطار.
وفي عام 1980 كذلك تم إعداد برامج الأمن الغذائي العربي من قبل المنظمة العربية للتنمية الزراعية التي تضمنت أكثر من 150 مشروعاً تتجاوز تكلفتها 33 مليار دولار موزعة في 13 قطراً عربياً.
وفي عام 1983 أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي فريق عمل مشترك خاصاً بالمشروعات العربية المشتركة في مجال الأمن الغذائي من ممثلين لعدد من المؤسسات والشركات العربية المشتركة ذات العلاقة، مهمته البحث عن فرص الاستثمار المشترك في الميدان الزراعي وإعداد دراساتها الأولية. وعرضها على الجهات المختصة لإقرارها ثم اتخاذ الاجراءات للقيام بدراساتها المفصلة وترويج هذه المشاريع بهدف استقطاب الأموال اللازمة لتنفيذها.
وأخيراً لابد من الإشارة إلى إنشاء المؤسسة العربية لضمان الاستثمار في الأقطار العربية، وإلى الاتفاقية الموحدة لاستثمار الأموال العربية في البلدان العربية، وهي ترتيبات قانونية ومؤسسية مهمة تهدف إلى تيسير استثمار الأموال العربية وتوفير الضمانات الكافية لهذه الاستثمارات، بما في ذلك الاستثمار في مجالات الزراعة والغذاء.
بعد هذه القائمة الطويلة من القرارات والمعاهدات والاتفاقات والأطر والمبادىء والترتيبات المؤسسية التي قامت لوضعها موضع التنفيذ، لابد من نظرة تقويمية لحصيلة ذلك كله. إلا أن أول ما يلفت النظر هو الفارق الكبير بين مستوى الطموحات التي عنها سلسلة القرارات العربية المشتركة ومستوى المنجزات المتحققة. إذ أن عدداً من أهم هذه القرارات كميثاق العمل الاقتصادي العربي واستراتيجية العمل الاقتصادي العربي وعقد التنمية العربي وبرامج الأمن الغذائي لم تجد طريقها إلى التنفيذ. أما بالنسبة إلى المقررات التي تم تجسيدها فعلاً المؤسسات الفنية المتخصصة وأبرزها المنظمة العربية للتنمية الزراعية والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة. وبالنسبة إلى الأولى فعلى الرغم من أن اتفاقيتها تحدثت كثيراً عن التنسيق والتكامل الزراعي، فإن هذا الميدان الأساسي لم يحظ باهتمام يذكر في برامج عمل المنظمة، إذ أنها تكاد تنصرف كلياً إلى مهام الدراسات والندوات وإصدار النشرات.
وعلى الرغم من تزايد الاهتمام بالاستثمارات المشتركة في المجالات الزراعية إلا أن هذه بقيت كذلك حتى الآن محصورة في نطاق ضيق. إذ مازالت تقتصر على مجالات مضمونة أو شبه مضمونة تتوافر لها التقنيات المناسبة والبنى الأساسية اللازمة، كإنتاج الدواجن وصيد الأسماك وإنتاج المحاصيل السكرية وبعض الصناعات الزراعية كالأعلاف والسكر. إذ من الواضح أن هذه الاستثمارات لم تطرق حتى الآن بنطاق جاد أهم فرص الإنتاج الزراعي المتاحة من حيث توافر الموارد الطبيعية غير المستغلة أو ضعيفة الاستغلال وذلك يعود إلى غياب المرتكزات الرئيسية اللازمة لقيامها ونجاحها وأهمها التقانات الحديث المجربة والخبرات الفنية وهياكل البنية الارتكازية المادية والخدمات المؤسسية التي تحتاج إليها. وكما سبق ذكره عن الحديث عن أهمية البرامج المتكاملة، فإنه في غياب الأسلوب الذي يتيح توفير هذه المستلزمات الأساسية وربطها عضوياً مع النشاطات الاستثمارية، ستبقى إمكانية تكامل الموارد العربية في الزراعة بعيدة عن المنال.
زراعة الارز مكلفة ماديا لذا يتم استيرادها
الظروف البيئية سبب لغياب الزراعة والمراعي في الوطن العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.