الولايات المتحدة هي وحدها القادرة على المساعدة في جعل الانسحاب الإسرائيلي من غزة نهاية للصراع العربي الإسرائيلي لا أن يصبح مجرد حلقة من حلقات هذا الصراع. الدليل الإدانة التي يلقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون المعروف بمهندس الحركة الاستيطانية، من قبل المستوطنين لقراره بالانسحاب من غزة، وإلى المعارضة القوية التي تلقتها خطته من حزب الليكود الذي يترأسه والأحزاب الائتلافية التي دفعته إلى الاستعانة بحزب العمل المعارض للحصول على موافقة الكنيست على الخطة. لقد وجد شارون نفسه مضطرا للقيام بحملة عسكرية في غزة ردا على قصف إسرائيل من داخل القطاع وقد هدف بذلك الى دحض الاعتقاد بأن انسحابه سيكون إراديا لا تحت وطأة المقاومة العنيفة التي تلقاها القوات الإسرائيلية هناك. ونحذر من أن يؤدي هذا الاعتقاد الذي يغذيه البعض إلى شن العديد من الهجمات على إسرائيل، تبلغ ذروتها عند قيامها بالانسحاب الفعلي، مما يدفع الأخيرة إلى الرد بعنف يفوق رد الأسابيع الماضية بمراحل. المؤسف هو التناقض في أن يؤدى ما ينبغي أن يرى كخطوة إيجابية في إخلاء إسرائيل ل 21 مستوطنة في غزة إلى تدهور الموقف بين الطرفين. مما يؤكد أن الولاياتالمتحدة وحدها القادرة على المساعدة في جعل الانسحاب الإسرائيلي من غزة نهاية للصراع العربي الإسرائيلي. المهم ان الخطوة الإسرائيلية غير المسبوقة على أساس أنها المرة الأولى التي تنسحب فيها إسرائيل من مستوطنات في المناطق الفلسطينية، لكنها تلقي بمسئولية تلك المناطق على عاتق الفلسطينيين بما فيها من مسئوليات أمنية. كما يمكن أن تنهي الحرب التي تدور رحاها يوميا بين الطرفين وأن تدفعهم للجلوس حول طاولة المفاوضات مرة أخرى. من اجل ذلك يجب أن يقبض طرف ثالث يملك القدرة على التنسيق بين الطرفين على خطة شارون للانسحاب، مشددا على أن الولاياتالمتحدة وحدها قادرة على الضلوع بذلك الدور. ونرى أن الاتحاد الأوروبي غير مجهز بشكل كفء للقيام بتلك المهمة، ونشيد بتعاظم الدور الذي تحرص مصر على القيام به فليس في مصلحتها أن ترى غزة مسرحا للفوضى والعبث. وعلى الرغم من أهمية الدور المصري فانه لا يمكن أن يحل محل الجسر الذي تمثله واشنطن بين إسرائيل والفلسطينيين. ونشدد على ضرورة تنشيط الدور الأمريكي سعيا لتجنب مايسمى بكارثة غزة. ومن واقع خبرتنا وتجربتنا فى المنطقة نؤكد على إمكانية التعاون مع أصحاب الأصوات الفلسطينية الداعية للإصلاح لتحقيق هذا الهدف. اما التحدي الذي يواجههم والفرصة التي سنحت لهم فإنها تكمن في ضرورة أن يضطلع الفلسطينيون بحكم أنفسهم بعد انسحاب الإسرائيليين والفرصة التي سنحت لإثبات قدرتهم على منع قيام ميليشيات مسلحة تتحصن في غزة لمعاودة الهجمات على اسرائيل. إن نجاحهم سيثبت للعالم أنهم مستعدون لتشكيل دولة تكون فيها غزة نموذجا لما يمكن تطبيقه في الضفة بينما يمكن أن يلحق إخفاقهم الأذى بالقضية الفلسطينية ويدفعها الى مواجهة انتكاسة مروعة. و إنه إذا ما صاحب الانسحاب الإسرائيلي اندلاع أعمال عنف في القطاع فان الرد الإسرائيلي سيقوض الدعائم التي يستندون إليها. اما الخطوات التي يجب أن تتخذها الولاياتالمتحدة للقيام بدورها كوسيط بين الطرفين، فهى مساعدة رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع في تشييد ما يطالب به شارون من مؤسسات أمنية وسياسية تسمح بانسحاب اسرائيلي هادئ من القطاع، بالإضافة إلى التنسيق بين الاتحاد الاوروبي والدول العربية لتلبية احتياجات الفلسطينيين في هذا الشأن. خلاصة القول إن على الرئيس القادم للولايات المتحدة أن يمهد الأرض بعناية للانسحاب الإسرائيلي من القطاع، هذا إذا رغبت الولاياتالمتحدة في أن يكون هذا الانسحاب فرصة للاستقرار لا أن يكون مجرد حلقة من حلقات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يدور وطيسه كل يوم.