يعتبر داء السكري من اهم واكثر الامراض شيوعا في تأثيرها على معظم اجزاء جسم الانسان ان داء السكري يؤثر على الكلى والقلب والاوعية الدموية والعيون والاعصاب خصوصا اذا لم يلتزم المريض بالحمية الغذائية والدواء والانتظام في مراجعة الطبيب. @ داء السكري ينقسم الى نوعين: النوع الاول: يصيب صغار السن، وهذا ينتج عن خلل في مناعة الجسم ويؤدي الى نقص حاد في افراز هرمون الانسولين من عضو البنكرياس المحاذي في موضعه للمعدة. النوع الثاني: يصيب عادة الرجال والنساء بعد سن الاربعين خصوصا ذوي الوزن الزائد، وتلعب الوراثة دورا رئيسيا في الاصابة بهذا النوع من داء السكري. وعلى الرغم من ان كلا من النوعين يؤديان الى اصابة وفشل الكلى الا ان النوع الاول هو الاكثر تسببا في ذلك. ويشكل داء السكري احد اهم الاسباب الرئيسية المؤدية الى الاصابة بالفشل الكلوي المزمن، حيث دلت الاحصائيات الاخيرة للمركز السعودي لزراعة الاعضاء بالرياض وكذلك الدراسات العالمية على ان (40%) الى (50%) من اسباب الاصابة بالفشل الكلوي المزمن يكون سببها داء السكري. ان ارتفاع نسبة السكر في الدم وفي البول عند مرضى داء السكري خصوصا الذين لا ينتظمون على الحمية الغذائية والعلاج يؤدي الى التأثير على وحدات التصفية الداخلية للكلى، وتدريجيا وعلى مر السنين يؤدي ذلك الى تلف الكلى حيث ان المريض لا يحس بأية اعراض لذلك التأثير على وظائف الكلى لديه الا في المراحل المتأخرة من المرض، اي بعد سنين عديدة من الاصابة بداء السكري الامر الذي يؤدي الى صعوبة المحافظة على وظائف الكلى، وبالتالي الفشل الكلوي المزمن. لذا تتضح اهمية انتظام مراجعة مريض السكري للطبيب ومتابعة وضعه الصحي. ان تأثير داء السكري على الكلى يمر بخمس مراحل على مدار سنين عديدة قد تصل من (10 30) عاما من تشخيص داء السكري الا ان مريض السكري تبدأ معه المعاناة عادة بعد المرحلة الثالثة من اصابة الكلى والتي تتضح بظهور الزلال في البول والارتفاع في ضغط الدم. @ مراحل تأثير داء السكري على الكلى: 1 المرحلة الاولى: تزداد فيها كمية الدم المنبعثة الى الكلى فيؤدي ذلك الى زيادة التصفية كما يؤدي الى تضخم حجم الكلى، الا ان المريض لا يحس باية اعراض ولا يبدي اية شكوى وبعض المرضى يبقون في هذه المرحلة لسنين طويلة والبعض الآخر ينتقل الى المرحلة الثانية. 2 المرحلة الثانية: تتميز ببداية تأثير السكري على وحدات التصفية الدقيقة للكلى، وتبدأ هذه المرحلة بظهوركميات بسيطة جدا من الزلال (البروتين) في البول بدون شكوى او اعراض، الا ان ذلك يتم اكتشافه بواسطة الطبيب والتحاليل المخبرية، علما بان هناك قدرة لمرضى السكري للمحافظة على بقاء وضع الكلى لديهم في هذه المرحلة بدون ان تتطور الى المرحلة الثالثة خصوصا اذا ما حافظوا على عدم ارتفاع ضغط الدم لديهم وعدم ارتفاع نسبة السكر في الدم. 3 المرحلة الثالثة: يبتدىء فيها فقدان المريض كميات كبيرة من الزلال (البروتين) في البول والتي يمكن اكتشافها بسهولة عند الفحص الروتيني للبول، اضافة الى ارتفاع ضغط الدم، وهذا بالطبع ناتج عن تلف وحدات التصفية الداخلية للكلى بحيث تفقد قدرتها على منع تسرب بروتينات الدم الى البول وفقد الجسم لها، كما تفقد ايضا قدرتها على تصفية الدم من شوائب وفضلات الاكل مما يؤدي الى ارتفاعها في الدم بنسب عالية حيث تستمر هذه المرحلة عند مرضى السكري لسنوات عديدة مما يؤدي الى تدهور تدريجي في وظائف الكلى اذا لم يتم علاج المريض. 4 المرحلة الرابعة: وتسمى كذلك المرحلة المتأخرة من اصابة الكلى بداء السكري حيث ان وحدات التصفية الداخلية للكلى تفقد حوالي (75%) من قدرتها على تصفية واخراج الفضلات عن طريق البول، كما ان معظم المرضى في هذه المرحلة يعانون ارتفاعا في ضغط الدم وتدهورا في وظائف الكلى الاخرى. 5 المرحلة الخامسة: وهي المرحلة النهائية التي تصاب فيها الكلى بالفشل الكلوي المزمن التام بحيث تفقد قدرتها على تصفية السوائل من الجسم والفضلات مما يؤدي الى ظهور اعراض المرض بشكل كامل. وغالبا ما يعاني المرضى في هذه المرحلة من ضعف عام وفقدان للشهية والارق وفقر الدم وقلة التبول، اضافة الى تجمع السوائل في الارجل والبطن واحيانا في الرئتين والقلب مما يؤدي الى صعوبة في التنفس واذا لم يسعف المريض بالغسيل الكلوي (التصفية الدموية) او بزراعة الكلى فان المريض يدخل في مرحلة الغيبوبة ثم الوفاة لا سمح الله. @ العلاج المبكر: يتضح من مراحل تأثير داء السكري على الكلى انه اذا تمت السيطرة على داء السكري سواء بالحمية الغذائية او الدواء فإنه يمكن باذن الله تلافي مضاعفاته وبالذات تأثيره على الكلى. كما اوضحت الدراسات الحديثة مؤخرا ان ارتفاع ضغط الدم يساعد على تدهور حالة الكلى عند اصابتها بداء السكري وبينت الابحاث ان السيطرة على ارتفاع ضغط الدم اضافة للسيطرة على داء السكري خصوصا في المراحل المتأخرة من اصابة الكلى تؤدي الى تقليل التدهور في اصابة الكلى والمحافظة على وضعها وتأخير وصولها الى مرحلة فشلها النهائي. وهناك مجموعة من الادوية الحديثة لها القدرة على السيطرة على ارتفاع ضغط الدم اضافة الى المحافظة على الكلى والتقليل من التدهور المؤدي الى الفشل الكلوي. كما دلت الدراسات الحديثة على ان الاقلال من تناول البروتينات كاللحوم ومشتقات الحليب والبيض خصوصا في المرحلة الثالثة او الرابعة من اصابة الكلى بداء السكري يؤدي الى ابطاء تدهور الفشل الكلوي وعدم الوصول بالحالة في وقت مبكر الى الغسيل الكلوي او الحاجة الى زراعة الكلى. @ علاج الفشل الكلوي: عند وصول الكلى الى مرحلة الفشل النهائي والتي لا تستطيع معها افراز السوائل واخراج فضلات الاكل والشرب اليومي عن طريق البول تنتج عنها تأثيرات سامة على جسم الانسان تؤدي الى ظهور جميع اعراض الفشل الكلوي كالتعب والارهاق والارق والحكة وفقدان الشهية ونحول الجسم وقلة البول وتجمع السوائل وانتفاخ الجسم وكل ذلك يؤدي في نهاية المطاف الى الاغماءة والوفاة. وعند الوصول الى هذه المرحلة يحتاج المريض الى تنقية الدم وازالة الشوائب العالقة به وتصفيته من السوائل الزائدة بطريقة الغسيل الكلوي او بزراعة كلية وذلك لانقاذه من الوفاة. 1 الغسيل الكلوي: هو اما ان يتم عن طريق البطن (الغسيل البريتوني) من خلال تركيب قسطرة في تجويف الغشاء البريتوني داخل البطن، او الغسيل الدموي الذي يحتاج فيه المريض الى توصيلة شريانيه وريدية عن طريق اليد او الصدر وذلك لاستخراج دم المريض وتمريره على جهاز كلية صناعية لتنقيته ومن ثم اعادته الى جسم المريض نقيا بحيث تقوم الكلية الصناعية ما امكن بعمل الكلية الحقيقية، وتستغرق عملية الغسيل الكلوي او التنقية الدموية حوالي (4) ساعات ويحتاج المريض اليها من مرتين الى ثلاث مرات اسبوعيا بصفة منتظمة، كما يحتاج المريض الى الاستمرار في اخذ ادوية مختلفة وبعض الحقن للتعويض عن وظائف الكلية التي لا يمكن سدها بواسطة الغسيل الكلوي، الا ان هذا النوع من العلاج لا يخلو من المضاعفات، كما ان ارتباط المريض باستمرارية الحاجة الى الغسيل يقلل من راحته وعطائه ويؤثر على حياته العملية والاجتماعية والعائلية. @ زراعة الكلى: يعتبر ذلك هو الحل الأمثل والاجدى للمريض المصاب بالفشل الكلوي المزمن لما فيه من تعويض المريض عن كليته وقيام الكلية المزروعة بعملها كعمل الكلية الاصلية، كما لا يحتاج معها المريض الى الارتباط بماكينة غسيل الكلى وتحمل مضاعفات الغسيل الكلوي، كما ان تنقله وسفره بسهولة يساعد على حياة عملية وعائلية واجتماعية طبيعية الى حد بعيد. ويحتاج مريض الغسيل الكلوي المزمن الى زراعة كلية واحدة فقط تزرع له في اسفل البطن بعد التأكد من لياقته الطبية وتناسب جسده مع الكلية المزروعة التي يتم الحصول عليها اما من قريب او من شخص متوف تتناسب فيه خلايا الجسدين لئلا يرفضها الجسم بعد زراعتها. لكن لنجاح زراعة الكلية فان الامر يتطلب من المريض الحاصل عليها المواظبة على اخذ ادوية مهبطة للمناعة للحفاظ على الكلية وعدم رفض الجسم لها باعتبارها جسما غريبا عليه، الا ان هذه الادوية لها مضاعفات كثيرة يحرص الطبيب والمريض معا على السيطرة عليها. @ نصائح وارشادات لمريض داء السكري: 1 التزام المريض بتعليمات وارشادات الطبيب المعالج من حيث الحمية الغذائية والتمارين الرياضية ومتابعة قياس نسبة السكر في الدم، اضافة الى الالتزام بالادوية الموصوفة ومنها حقن الانسولين باوقاتها المحددة. 2 قياس ضغط الدم بصفة مستمرة والتأكد من عدم ارتفاعه، وفي حالة وجود ارتفاع في ضغط الدم فان على المريض التأكد من اخذ العلاجات المحددة من قبل الطبيب والالتزام بها. 3 فحص البول بصفة دورية للتأكد من عدم وجود زلال (بروتين) في البول، واذا اتضح في اية مرحلة وجوده فان على المريض استشارة الطبيب لعمل فحوصات للدم للتأكد من عدم ارتفاع نسبة الاملاح والبولينا التي تدل على اصابة الكلى بداء السكري، وكذلك لتحديد المرحلة المصابة بها الكلى، حيث يحدد الطبيب فيها نوعية العلاج والغذاء. وفي الختام فانه يجب على مريض داء السكري الالتزام بالحمية الغذائية وادوية مرض السكري بانتظام بحيث تبقى نسبة السكر في الدم حول حدودها الطبيعية، اضافة الى مراقبة ضغط الدم والمحافظة على علاجه بانتظام. ان السيطرة على ارتفاع نسبة السكر في الدم (داء السكري) وكذلك المحافظة على ضغط الدم في حدوده الطبيعية اهم عاملين رئيسيين في منع اصابة الكلى بداء السكري وابطاء التدهور الحاصل بها الى مراحل الفشل الكلوي المزمن النهائي. @@ د. ايمن ممدوح كركر المشرف العام على اقسام الكلى بالشرقية