يشير تقرير أعدته الأممالمتحدة مؤخرا إلى أن النساء يكتسبن المزيد من النفوذ السياسي في مختلف أنحاء العالم، ولكنهن لا يزلن يعانين عدم تكافؤ الفرص مع الرجال في مجالي التعليم والتوظيف. (وُمينز إي نيوز) يشير تقرير أعده صندوق الأممالمتحدة لتنمية المرأة (يونيفيم) في هذا الشهر إلى أن عدد النساء اللائي يتولين مناصب تشريعية عليا في مختلف أنحاء العالم قد ارتفع بصورة ملموسة خلال العامين الماضيين. غير أن التقرير الذي نشر في وسائل إعلام تهتم بالمرأة، أظهر أن النساء لا يزلن يعانين عدم تكافؤ الفرص مع الرجال في مجالي التعليم والتوظيف، كما أنه من المرجح أن نسبة الأمية لديهن لا تزال أعلى من نسبة الأمية لدى الرجال. تقول ديان إلسون، أستاذة علم الاجتماع وحقوق الإنسان في جامعة اسكس في شمال انجلترا والمؤلفة الرئيسية للتقرير الصادر بعنوان تقدم النساء في العالم 2002 المجلد الثاني: هناك بعض الأخبار السارة، ولكن لا يزال أمامنا الكثير الذي يجب فعله. فبعد جمع معلومات من جميع أنحاء العالم، أستطيع أن أقول: إن هذه ليست ببساطة مشكلة دول فقيرة تخلفت عن الدول الغنية. فليست هناك دولة في العالم تفي بمتطلباتنا المتعلقة بالمساواة بين الجنسين وتمكّين النساء. ويرصد التقرير التطور الذي تم إحرازه في مجال تمكّين النساء في إطار ثمانية أهداف جرى تحديدها في قمة الألفية التي نظمتها الأممالمتحدة في سبتمبر من عام 2000. وبتحديد إطار يتعين على الجميع الالتزام به، يأمل المجتمع الدولي في أن يتمكن من القضاء على الفقر والجوع وعدم المساواة بحلول عام 2015. ويأتي في المرتبة الثالثة على قائمة هذه الأهداف السعي لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكّين النساء، وتم تحديد عام 2005 لتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين في فرص التعليم. والتقرير المذكور يتضمن تقييما للتقدم الذي أحرزه العالم خلال العامين الماضيين. لم تف سوى سبع دول فقط بالمعايير التي حددتها إلسون لالمستويات العليا في المساواة بين الجنسين، وجميع هذه الدول السبع تقع في شمال أوروبا، وهي السويد والدنمارك وفنلندا والنرويج وآيسلندا وهولندا وألمانيا. ومع أن أيا من هذه الدول لم تصل بعد إلى النسبة المثلى، إلا أن نسب البنين والبنات في المراحل الابتدائية والثانوية والعليا تكاد تكون متساوية. كما أن نسبة الأمية لدى النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين ال15 وال24 مساوية لنسبة الأمية لدى الرجال في المرحلة العمرية نفسها، وبالمثل فإن أجور الرجال والنساء متماثلة بصورة عامة. ولعل الأهم من ذلك كله هو أن النساء يشغلن ما لا يقل عن ثلث المقاعد البرلمانية في كل من الدول المذكورة، الأمر الذي تقول إلسون إنه ضروري لإحداث التغيير الحقيقي. نسبة ال 30 في المائة هي نقطة الترجيح يقول التقرير: لقد وجدنا أن وجود امرأة واحدة أو اثنتين أو حتى عشر نساء في مواقع سياسية مهمة لا يكفي، على الرغم من أن هذه الخطوات مهمة في البداية. غير أن إحداث تغيير حقيقي يتطلب وصول نسبة النساء في المواقع السياسية إلى نسبة ال30 في المائة التي تمثل (نقطة الترجيح) في أي جهاز سياسي. قد تساعد نظرية (نقطة الترجيح) في معرفة السبب الذي جعل التقدم الذي حققته هذه الدول الأوروبية السبع لا يتكرر في بقية الدول المتقدمة في العالم. جاءت ثلاث من أغنى دول العالم في مرتبة متدنية بصورة مدهشة في مجال المساواة السياسية بين الجنسين عند مقارنتها بعديد من الدول النامية. ففي كل من الولاياتالمتحدةوفرنسا واليابان كانت نسبة النساء اللائي يشغلن مناصب سياسية أقل من 12 في المائة. وفي الوقت نفسه نجد أن النساء في 13 دولة نامية في إفريقيا جنوب الصحراء، وهي أفقر منطقة في العالم، يشاركن في الحكم بنسب أعلى من النساء في الدول الغنية الثلاث المذكورة آنفا، وكذلك الحال بالنسبة ل38 دولة نامية أخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية. وفيما يتعلق بالتحسن العام في فرص التعليم والتوظيف والنفوذ السياسي للنساء والبنات خلال العامين الماضيين، وجدت إلسون أن الارجنتين وكوستاريكا وجنوب إفريقيا تفوقت على جميع دول العالم الأخرى بصورة واضحة، الأمر الذي جعلها تؤمن بأن الإرادة السياسية، وليس الثروة الوطنية، هي السبب الحقيقي في تقدم المرأة. وينطبق ذلك بالتأكيد على فرنسا التي وافقت على مضض على تخصيص حصص للنساء في عام 2000، غير أنها لم تتخذ أية إجراءات تستحق الذكر لتطبيق هذه الحصص، وسمحت للأحزاب السياسية بدفع غرامات زهيدة بدلا من ترشيح نساء في الانتخابات. تحسين سريع تقول إليسون: في الدول التي التزمت بالتغيير وحددت حصصا للنساء شهدنا تحسنا حقيقيا وسريعا. وأظهر التقرير أن الدول التي تطبق نظام الحصص بمحض إرادتها تصل بسرعة إلى نسبة ال30 في المائة التي تؤدي بدورها إلى إجراء تغييرات في السياسات المتبعة تسفر عن تحسين حياة المرأة في تلك الدول. أما في الدول التي لا تحدد مثل تلك الحصص (كالولاياتالمتحدة واليابان)، أو تفعل ذلك على مضض (كما هو الحال بالنسبة لفرنسا)، فيتم انتخاب نساء من حين لآخر وقد يشغلن في بعض الأحيان مناصب رفيعة جدا-- غير أنهن يعملن بصورة منفردة، ويعجزن عن استنهاض همم من يتفقون معهن في الرأي من السياسيين الآخرين. في هذا الصدد تقول إليسون: بهذا تصبح الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لجميع النساء، لأنهن يفتقرن إلى التمثيل الصحيح في الحكومة، وعليه فإنه لا يتم بحث احتياجاتهن أو المسائل التي تهمهن. في العديد من الدول النامية تكون المرأة في كثير من الأحيان ربة الأسرة، كما أن النساء هن اللائي يقمن بمعظم الأعمال الزراعية التي تحرك الاقتصاد. وبضغط من المجتمع الدولي بدأت الحكومات في ذلك الجزء من العالم تفهم بصورة أفضل المبدأ القائل: إن ما يصلح للمرأة، يصلح في معظم الأحيان للبلد كله. وبدأ العديد من تلك الدول في اتخاذ الخطوات اللازمة للتأكد من أن للمرأة وجودا حقيقيا على الساحة السياسية. وكما ثبت من البيانات التي تضمنها تقرير إلسون فإن العديد من الدول المتقدمة لم تفهم ذلك المبدأ حتى الآن فهما كاملا. ومع أن الدول الأكثر فقرا في العالم تفوقت على الدول المتقدمة على الصعيد السياسي، إلا أنها لا تزال متخلفة عنها في جميع المجالات الأخرى المتعلقة بالمساواة بين الجنسين. فلا يزال الفقر عاملا رئيسيا في تحديد نوع الحياة بالنسبة للبنت، ولا سيما فيما يتعلق بفرصها في الحصول على التعليم. في إفريقيا جنوب الصحراء وفي جنوب آسيا، حيث تواجه الدول بصفة مستمرة شحا في الموارد وميلا لتفضيل الذكور على الإناث، نجد أن البنات لا يجدن الفرصة في كثير من الأحيان حتى لدخول المرحلة الابتدائية في التعليم. والنساء والبنات في هذه المناطق وفي أجزاء كثيرة من أمريكا اللاتينية يعملن غالبا في الزراعة أو المصانع، وهي أعمال لا تدر دخلا كبيرا ولا تشملها الإحصائيات الخاصة بعدد الوظائف في معظم الأحيان. ويقدر عدد الأميين من الشباب في العالم بنحو 140 مليونا، وتصل نسبة النساء بين هؤلاء إلى 60 في المائة (86 مليونا). تقول نولين هايزر، المديرة التنفيذية لصندوق الأممالمتحدة لتنمية المرأة (يونيفيم) في تقرير عام 2000: إذا أردنا خفض عدد الناس الذين يقل دخلهم اليومي عن دولار واحد بمقدار النصف، فلابد من العناية بصفة خاصة بفقر المرأة، لاسيما في عصر العولمة الذي نعيش فيه الآن. في السنوات التي سبقت بداية القرن ال21، بدا وكأن زعماء العالم أصبحوا يهتمون بالمسائل المتعلقة بالمرأة. فقد عقدت عدة منتديات لتشجيع المساواة بين الجنسين، ومنها المؤتمر الدولي للسكان والتنمية (1994)، والمؤتمر الدولي الرابع للمرأة (1995)، والقمة الدولية للتنمية الاجتماعية (1995). غير أن الكثيرين يعتقدون أن التغيير الحقيقي كان طفيفا. تقول كارين غراون، مديرة مشروع خفض الفقر والنمو الإقتصادي في المركز الدولي لأبحاث المرأة: يطلق بعض نشطاء حقوق المرأة على هذا العقد أحيانا اسم "عقد الوعود". وينبغي علينا الآن أن ننطلق إلى "عقد التنفيذ والمساءلة". وتشكل المجموعة التي ترأسها غراون جزءا من فريق عمل كلفه الأمين العام للأمم المتحدة ببحث السبل الكفيلة بتحقيق أهداف التنمية في الألفية الجديدة. اقتراح غير تقليدي قدمت غراون وأعضاء فريقها عدة مقترحات غير تقليدية للتخلص من الممارسات الثقافية التي تميز ضد الفتيات. فقد اقترحت غراون وضع برامج إقليمية تتضمن دفع مبالغ للأسر التي تتيح لبناتها فرص التعليم، الأمر الذي يوفر حافزا اقتصاديا ترى أنه قد يسفر عن تغيير المصير المعتاد للفتيات، حيث يتم بيع البنات في إفريقيا جنوب الصحراء وأجزاء من آسيا في كثير من الأحيان كرقيق للحصول على المال بصورة سريعة للآباء المحتاجين. وفي إفريقيا أيضا، حيث تقوم العديد من النساء بدور رب الأسرة، يُطلب من البنات عادة البقاء في المنزل لتأدية مهام الأم في الوقت الذي تعمل فيه الأم خارج المنزل. هناك حاجة لاتباع أسلوب خاص لمساعدة البنات في مناطق النزاعات، حيث لا تتوافر لهن تقريبا أية فرصة لتلقي أي قدر من التعليم. ولا تقتصر المشكلة عادة على انهيار الخدمات الاجتماعية كالتعليم العام، بل إن الأباء يحجمون في أغلب الأحيان عن السماح لبناتهم بالذهاب إلى المدارس خشية تعرضهن للهجوم أو الاختطاف. تقول غراون: مما لا شك فيه أن العنف ضد المرأة يمثل أكبر عائق أمام مساواتها الكاملة بالرجل وتمكّينها. فقد أظهرت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية مؤخرا إن واحدة بين كل ثلاث نساء تواجه نوعا من أنواع الاعتداء الجسماني في حياتها، وتلك مسألة تتعلق بالصحة العامة، شأنه في ذلك شأن غيره من الأوبئة. وقد كشف البحث الذي أجرته إلسون عن معلومات مذهلة إلى حد جعلها مع غيرها من الناشطات يبدأن في التأهب للاستعانة بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان لقيادة حملة عالمية لوضع حد للعنف الذي تتعرض له المرأة. ويحاول صندوق الأممالمتحدة لتنمية المرأة (يونيفيم) التوصل أيضا إلى طرق لتحسين حياة النساء في العالم في الوقت الراهن. وسيُستخدم تقرير عام 2002 لتوعية الدول المانحة الغنية بأهمية الوفاء بما التزمت به منذ مدة طويلة بالمساواة بين الجنسين وتمكّين المرأة. وفيما يتعلق بهذه المسألة تقول إلسون: لم تعد العبارات المنمقة تجدي أمام هذه الحقائق الدامغة. لقد حان الوقت لزعماء العالم للبدء في إجراء تغييرات حقيقية في سياساتهم إذا أرادوا تحقيق التنمية في الألفية الجديدة. جينجر آدامز أوتيس مراسلة لإذاعة باسيفيكا ومساهمة منتظمة في صحيفة فيلدج فويس