وصفت مجموعة من كتاب المسرح ممن استطلعنا آراءهم الحركة المسرحية بتوصيفات قاسية وأبدوا كثيراً من التشاؤم تجاه هذه الحركة التي يشوبها الكثير من السلبيات. إلا أنهم من جانب آخر قدموا اقتراحاتهم لتفعيل حركة المسرح من واقع معرفتهم بضرورتها واهميتها، حتى ان بعضهم يراها خروجا من المأزق الحالي.. مشروع مؤسس الكاتب محمد العثيم يحاول من خلال قراءة جادة أن يضع شرعية حقيقية للمسرح، الذي استطاع من خلال أعمال مثل (حلم الهمزاني) و(الأرشيف) وغيرهما ان يرسخ اسمه كواحد من ابرز كتاب المسرح الجادين عربيا وليس محليا فقط، وكان العثيم بحكم خبرته الطويلة، وبحكم موقعه المميز على خارطة المسرح السعودي احد الذين خاطبتهم وزارة الثقافة والاعلام لوضع تصوراتهم حول تفعيل الرافد المسرحي بوصفه جزءا من التكوين الاستراتيجي للنشاط الثقافي، وقد لخص العثيم ورقته التي صاغها حول الموضوع قائلا: لقد ركزت على الجوانب الأساسية التي يمكن من خلالها الانطلاق نحو نشاط مسرحي مشروع ومؤسس بشكل صحيح، فأهم ما نحتاجه للثقافة هو البنى الأساسية الحاضنة للثقافة، مثل المراكز الثقافية، وانا لا اقصد - هنا - المراكز الثقافية الضخمة التي يصعب التعامل معها، او التي تمثل عبئا يعيق فكرة قيامها، وانما المقصود مراكز ثقافية تصلح للتعامل الجماهيري، على ان تكون مجهزة من الناحية التكنولوجية بما يحتاجه العمل المسرحي، لان المسرح الآن يحتاج الى عوامل انتاج متقدمة وراقية، وهذه البنى الأساسية تكون موزعة بين الأماكن السكنية، او قريبة منها بحيث لا تكون معزولة فيصعب الوصول اليها. ويضيف العثيم : النقطة الثانية التي ركزت عليها تتمثل في ان يكون للمسرح مشروعية، مثله مثل الصحافة او اي جانب من جوانب الثقافة له الحق في ان يمارس دوره، فالمسرح يختلف عن القصة والشعر، إذ أن المسرح عمل جماعي ومباشر مع الجماهير، فاذا لم تكن له مؤسسة تقوم عليه، وتمتلك مشروعية العرض، لا تستطيع ان تقدم شيئا، لانها عرضة للايقاف في اي وقت، لذلك من الضروري ان تكون للمسرح مؤسسة لها مشروعيتها، بحيث لا يدرج المسرح على انه نشاط للهواة، او يلحق كنشاط ضمن النشاطات الطلابية، المسرح يجب ان يأخذ الشكل المؤسسي الذي يتوافر له ما يتوافر لاي مؤسسة لها تأثير جماهيري. وفي جانب آخر ركز العثيم على ان يكون للنشاط المسرحي بعد استثماري وقال : من النقاط الاخرى التي اشرت اليها، هي ان تكون للمسرح بشكله المؤسسي ميزانية مستقلة توضع في اطار استثماري، بمعنى ان توجد ضمانات للعاملين في هذا المجال من خلال ضوابط معينة، وتوجد تأمينات لهم بحيث لا يشعر الممثل او الفنان انه اذا لم يأته عمل يموت جوعا هو واولاده، وهذا هو المعمول به في كل مكان بالعالم، فلا يمكن ان تلقي بالفنان في الشارع وتقول له عليك ان تنتج والا ستموت. وتحدث العثيم عن الفجوة الموجودة بين المسرح والجمهور قائلا: إن بعض العروض الجماهيرية، أو التي يمكن أن يقبل عليها الجمهور، لا تفضل الجهات الرسمية تبنيها أو عرضها، لكن تظل هذه المشكلة مشكلة تفصيلية، والاهم من كل ذلك هو كيف تؤسس مؤسسة مسرحية، كيف يتم وضع الاسس التي يقوم عليها نشاط مسرحي له صفة الاستمرارية، فمسألة ان المسرح (نخبوي او جماهيري) يعتبر قضية ثانوية أمام مشروعية العمل المؤسسي، يجب ان ينطلق المسرح من اطار مشروع كما انطلق المسرح الكويتي، وبعد ذلك هو سيفرض نفسه ويصبح جماهيريا. غياب البنية التحتية ويقول عبدالعزيز السماعيل مدير فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام ان واقعنا المسرحي المحلي ظل يعاني منذ اكثر من ثلاثين سنة مأزقين كبيرين اولهما : غياب البنى التحتية اللازمة لتفعيله على اسس علمية وعملية ناجحة مثل : مباني المسارح والمعاهد المتخصصة رغم وجود بروز الطاقات المحلية وتميزها في اعمالها الكثيرة التي تقدمها جمعيات الثقافة والفنون والجامعات في المشاركات الخارجية والداخلية.. ومأزق آخر اخطر واقوى تأثيرا تمثل في محاربة هذا الفن والمنتمين اليه فكريا وثقافيا . وبعد هذا التوصيف يقدم السماعيل بعض الاقتراحات ويقول على اساس هذا الواقع بما فيه من احباطات وما حققه المنتمون اليه من مقاومة وصبر جميل، رغبة في إيجاد أرضية للاعتراف بالمسرح من خلال: دمج المسرح في مناهج التربية والتعليم وايجاد المباني والمقرات الملائمة الحديثة لنشاط المسرح في المدارس والجامعات والمعاهد للبنين، وإنشاء كلية متخصصة في فنون المسرح لتوفير الطاقات الاكاديمية المتخصصة، انشاء اتحاد او جمعية خاصة بالمسرحيين ووضع القوانين والنظم الكفيلة بدعم وتشجيع الفنانين وضمان مستقبلهم المهني، دعم جمعية الثقافة والفنون وتطوير اساليبها الادارية والمالية وانشاء مقرات دائمة لها تمهيدا لتحويلها الى مؤسسات اهلية منتجة للمسرح على غرار ما هو موجود في دول الخليج ، انشاء مراكز ثقافية ذات مستويات مختلفة في المدن الرئيسية والقرى تقدم المسرح الى جانب الثقافات والفنون الاخرى، استقطاب كوادر مسرحية مميزة من الوطن العربي وحتى من خارجه لاقامة ورش مسرحية ونقل خبرتهم الى الكوادر المحلية، اصدار مجلة متخصصة للثقافة المسرحية. هاجس المسرح عبدالعزيز الحماد من اوائل المشغولين والمهمومين بالفعل المسرحي, فقد قدم اواخر الستينات الميلادية عرضا مسرحيا رياديا, وهو واحد من الفريق الذي صاغ الملامح الاولية لجمعية الثقافة والفنون، حيث طرح الحماد جملة من النقاط المهمة التي تصب في هدف تفعيل الحركة المسرحية المحلية, وكان من ابرزها ان يأخذ السرح قدرا من الاهتمام الذي توليه الجهات المعنية للرياضة التي تحظى بما لا يحظى به اي رافد ثقافي آخر. ويضيف الحماد: إن المسرح هو هاجسي الاول, ولكن الظروف الدراسية جعلتني اغادر بعد السنة الاولى لتأسيسها, ومنذ ذلك التاريخ لم يغب عني هاجس المسرح, فكان هو همي الأكبر في كل ما كتبت من مقالات في الصحافة, وفي كل ما قلته عبر لقاءات متعددة, الى جانب ما قدمت من اعمال. وفي اجابته عن سؤالنا حول كيفية دور المسرح, وما يمكن القيام به للنهوض بالحركة المسرحية المحلية, قال الحماد: ان الحل الاقرب هو ان يحظى المسرح ولو بجزء مما حظي به مجال الرياضة في المملكة، ومن الضرورة تشكيل لجنة من اصحاب الاختصاص في مجال المسرح, تعطى صفة رسمية تطرح على بساط البحث معوقات المسرح في المملكة ودراسة سبل تذليلها, على ان تتسم نقاشاتها بالثقافية, وباسلوب علمي, وتضع تصوراتها وخططها العاجلة والآجلة للنهوض بالنشاط المسرحي في المملكة, ثم تعرض على جهات الاختصاص. وعن الاولويات التي يعتقد بانها يجب ان تكون على رأس قائمة العمل, في حال وجود لجنة مثل التي ينادي بتشكيلها يقول الحماد: يمكن ان اسرد بعض هذه الاولويات المقترحة في النقاط التالية: 1- ضرورة تفعيل فروع جمعية الثقافة والفنون المنتشرة في المملكة, ودعمها ماديا ومعنويا. 2- انشاء الفرق الاهلية المسرحية, في جميع مناطق المملكة لتكون رافدا للفرق الرسمية. 3- اقامة دوري مسرحي في جميع المناطق, واختيار أجملها لتمثل المملكة في المهرجانات العربية للمسرح. 4- انشاء دور للعرض المسرحي في جميع المناطق آمل ان ارى عن قريب ما يمكن ان نطلق عليه بدون تحفظ (المسرح السعودي). وثيقة وبوصفه رئيس لجنة المسرح في جمعية الثقافة والفنون تلقى ابراهيم الحمدان خطابا من وزارة الثقافة والاعلام لرصد مرئياته حول تفعيل دورالمسرح كرافد من الروافد الثقافية التي توليها الوزارة اهتماما في اطار الاستراتيجية العامة التي يتم وضعها للشأن الثقافي, لكن عندما حاولنا استجلاء بعض النقاط التي ركز عليها في هذا السياق, اعتبر إن ورقته وثيقة سرية لا يمكن الاطلاع عليها وقال: ليس بامكاني الآن الحديث عن رأيي في هذا الموضوع, وقمت بتحضير ورقة عمل, ولا يمكن ان اطلعكم عليها, لانه يمثل جهة انا المسؤول عن المسرح فيها, وسوف يتم توزيعها على الاعلام بعد عرضها على معالي الوزير مكتفيا بالقول اذا كنتم مصرين على معرفة رأي الجمعية عليكم بالتوجه الى رئيس مجلس الادارة الاستاذ محمد الشدي. حركة غير فاعلة سامي الجمعان كاتب مسرحي مجتهد وله خبرة طويلة في العمل الثقافي وبالتحديد في مجال المسرح, ويرسم في بداية مداخلته صورة شفافة كما يراها هو عن الواقع المسرحي دون اي مواربة فيقول يدعونا الحوار الوطني الى الوقوف صادقين امام ذواتنا, وان نكون منصفين لما قدمناه في المرحلة السابقة, ولهذا لن اكون مكررا لمقولات زائفة حول حركتنا المسرحية وحول فاعليتها في المجتمع فالواقع يقول: إن الحركة المسرحية المحلية وان كانت مجتهدة, ومحاولة للوقوف فهي لم تزل حركة غير منظمة من جهة, وغير مدروسة من جهة ثانية, ولهذا فهي غير فاعلة وغير مؤثرة في النظام المجتمعي بصورة عامة, بل لا اجد لها حضورا لافتا للنظر, وعلينا ان لا نخادع انفسنا ونصر على ان المسرح موجود بشكل مستمر فهو اجتهادات لم يحمل لواءها الا القليل من المهتمين ولولا هذه الاهتمامات الفردية الشخصية لانتهى فن يسمى مسرحا من قاموسنا المحلي. بعد هذه المرثية يضيف الجمعان ان استسلامنا لمقولات زائفة مفادها ان لدينا مسرحا مؤثرا وقويا هي التي ساهمت في تجميد حركتنا المسرحية, وجعلها حبراً على ورق, فالكل يتغنى بامجاد مسرحية ولا ارى شيئا منها بل على العكس بدأ الكثيرون في الترجل عن صهوة المسرح والابتعاد عنه. وعن تطلعاته يقول الجمعان: يجب ان نستوعب امرا خطيرا وهو ان المسرح حالة ثقافية تراكمية لن تؤثر الا اذا بنيت باسلوب علمي وتحركت بنظام مرسوم, ولهذا اتطلع الى ايجاد المسببات والعوامل التي سوف تضمن حركة مسرحية تتماشى والواقع الثقافي وتتماهى مع كل المجالات المتطورة في حياتنا. فن مستورد الكاتب عباس الحايك يقدم رؤيته حول الواقع المسرحي بقوله: لم يكتب للمسرح السعودي منذ نشوئه في بداية السبعينات الميلادية اي امكانات تسهم في تأسيس حركة مسرحية فاعلة, فالتيارات الضاغطة والطاردة واجهته منذ البدء, ربما لكونه فنا مستوردا لا يمت الى طبيعة البلد بصلة, فالتقاليد والنظرة الاجتماعية القاصرة للمسرح, وقصور الدعم الرسمي, إضافة لعدم توافر المنشأة المسرحية وضعف الجانب الأكاديمي في الممارسة المسرحية. وفي ظل هذه الظروف لا يمكن الا الحكم بان المسرح السعودي في حال من التدهور رغم المحاولات من قبل جيل مسرحي شاب وباجتهاد لتجاوز تلك العقبات في عروض مسرحية لم ترق الى مستوى التجارب المسرحية العربية. وتحت عنوان هذا المسرح متى ينهض؟ كتب الكاتب المسرحي ورئيس جمعية الثقافة والفنون فرع الأحساء عبدالرحمن المريخي قائلا:ً لا يمكن تجاهل واقع المسرح لدينا، او تهميشه كما يفعل البعض علما ان المسرح السعودي قدم افضل ما عنده اذن المسرح المحلي موجود ولكنه ينشط مرة ويتوارى مرة اخرى لذلك فالمهتم به يحتار في امره مما لم يعد يرتأى الحاجة اليه، او التطلع نحوه بشيء من التفاؤل. اذا لابد من ايجاد مخرج يصل به المسرح الى فضاء مكتظ بالجمهور فالمسرح يمتلك من التأثير ما لا تملكه الوسائل المرئية الاخرى قاطبة. وواجبنا كمسرحيين ان ندفع بهذا المسرح الى الامام حيث الموقع المتميز الذي يجعله يظفر بمكانة لائقة بحيث لا يمكن الاستغناء عنه وبالمقابل الى الحاجة الماسة التي يراها الجميع، ويسعى نحوها كضرورة تثقيفية وليست من قبيل الترف والرفاهية والاستهلاك. اما تطلعات المسرحيين فهي كثيرة ومهمة لا يمكن اجمالها سريعا، ولكن من اهمها ان يصل هذا المسرح الى الناس جميعا، ويتم الاعتراف به على انه ضرورة ماسة يجب الاهتمام بها وتعلمها في مؤسساتنا الثقافية والتعليمية بحيث يؤسس هذا المسرح على قواعد علمية سليمة وان يكون لنا مسرحنا الخاص بنا يخاطب قضايانا ويناقش همومنا اليومية، ويكون له مؤسسة رسمية تتشكل نحو ما يسمى بالاتحاد او النقابة او الجمعية يحتمي بها المسرحيون وتحمى حقوقهم وتحاول نشر انتاجهم وابداعهم. هذا المسرح نحن بانتظاره ولكن متى ينهض؟ عبدالعزيز السماعيل عبدالعزيز الحماد