كلمة الولاء ((Loyalty)) من أكثر المصطلحات شيوعاً في مجالات السياسة وإدارات العلاقات العامة والتسويق والموارد البشرية، ومع هذا ظلّت التطبيقات المرتبطة بكسب الولاء في قطاع الأعمال المحلي -على الأقل- ضعيفة ومشتتة، بشكل يمكن معه ملاحظة الخسائر المباشرة أو الفرص الضائعة بسهولة عند دراسة صورة منشأة أو منتج معين. ولأن القريبين من هذا المجال يعلمون صعوبة تصميم برامج الولاء لطبيعتها المرتبطة بالإبداع وفهم طريقة تفكير المجتمع المحلي اعتمد البعض على اقتفاء أثر الشركات المنافسة أو المتعددة الجنسيات لاستقطاب برامج ولاء معلبة للمنتجات أو الخدمات أو كسب ولاء الموظفين أو الجمهور للعلامة التجارية وهو ما زاد سلبياتها، وجعلها تبدو متأخرة خلف تلك الشركات من جهة وغير متسقة على طريقة الغراب الذي قلد مشية الحمامة. ضعف الأعمال التي تقدمها الجهات الخدمية لا تساعد القائم على الاتصال في تنمية الولاء لها صحيح أن الشركات متعددة الجنسيات اكتسبت عوامل هامة في مجال صناعة الولاء أهمها الخبرة والمعرفة المتراكمة، وقواسم العمل المشتركة في دول العالم، لكنها تمتلك ميزة إضافية وهي أن المجتمع المحلي يغفر لها عدم فهم طبيعة المجتمع المحلي كونها شركة أجنبية. ومن جانب آخر تفتقر تلك الشركات للولاء أثناء الأزمات أو الاستقطابات، وربما يساعد في بناء الولاء ضعف أداء المنافس المحلي، فيما عدا بعض التطبيقات التي ظهرت مع بدايات تطور المنتجات الغذائية المحلية. لكن المشكلة الكبرى في صناعة الولاء في هذا الموقع من العالم تكمن في عدم وضوح الرؤية بشأن استراتيجيات الولاء. فقبل تصميم أية برامج يكمن التحدي في اختيار المنظور المناسب، فحينما تتعلق برامج كسب الولاء بالمنظمات كشخصيات اعتبارية أو بكسب الولاء لإدارة أو سياسات معينة أو برامج وخدمات مجتمعية فإن منظور العلاقات العامة أكثر شمولية ومقدرة على توفير البرامج والحملات المناسبة من حيث النوع والتطبيق والكم والزمن والهوية. وهو ما جعل شركات العلاقات العامة تتصدر العمل في المشهد السياسي في الغرب لقدرتها على إدارة الاتصال بأنواعه، وتصميم البرامج الفعالة لكسب الولاء، في حين يبدو المنظور التسويقي أكثر دقة في تصميم حملات التسويق للمنتج والخدمة في إطاره المحدد. ولكون كثير من الشركات المحلية لا تلمس الفرق بوضوح بين آليات ووسائل العلاقات العامة والتسويق، تظهر رسائلها في اتصالها الداخلي الموجه للإدارة وللموظفين، ورسائلها الخارجية الموجهة للجمهور الخارجي العام، ورسائلها المباشرة إلى العملاء متداخلة ومرتبكة وغير محفزة لكسب ولاء أي من تلك الشرائح. وكثيراً ما تدفع إدارة الموارد البشرية في الشركات المحلية ثمن تداخل تلك الرسائل، بجانب عدم وجود استراتيجية اتصال داخلية تنظم أشكال الاتصال بما فيها التعاميم واستخدامات البريد الإلكتروني، ورسائل المنظمة نحو المتقدمين للوظائف أو المتقدمين المحتملين، والسمعة التي تحيط بأعمالها حتى لو لم تكن صحيحة. ومع أن التسويق غالباً يأخذ زمام المبادرة في الدول العربية تحديداً في تطبيقات العلاقات العامة، إلا أنه في كثير من الأحيان يدفع ثمن عدم وجود استراتيجية واضحة من منظور العلاقات العامة لكسب الولاء، ما يعقد مهمة التسويق في أسواق مفتوحة للمنافسة دون برامج تدير علاقات المنظمة بالمجتمع الداخلي والخارجي للمنشأة بصورة احترافية. والأكثر غرابة هنا أن أكثر الجهات التي من المفترض أن تستثمر في مجالات بناء وترسيخ الولاء لاسيما البنوك ومنشآت التمويل، السياحة والسفر، قطاع الإتصالات، المصانع غير الصديقة للبيئة، تفتقر وإن تفاوتت إلى برامج كسب ولاء فعالة مع وجود بعض الممارسات غير المحببة تجاه جمهورها، بالإضافة إلى وجود صورة نمطية عنها تميل إلى الجشع أو عدم الاكتراث بمصالح الجمهور على أقل تقدير. وحتى في القطاع الحكومي الذي يتقدم قليلاً في مجال تطبيق العلاقات العامة فإن ضعف الأعمال التي تقدمها الجهات الخدمية مثلاً قد لا يساعد القائم على الاتصال -مع افتراض امتلاكه للتأهيل المهني- في تنمية الولاء للجهة نفسها، وإن ساهم في تخفيف حدة النقد والامتعاض، ذلك أن منظور العلاقات العامة لا يمتلك السحر الكافي لتزييف الحقائق على طريقة الدعاية الرمادية تحقق في كثير من الأحيان نجاحات على المدى القصير، ثم فشل على المدى البعيد، وأخيراً سمعة سيئة جداً على المدى البعيد. (بعض التطبيقات الغربية في مجال السياسة تقوم على استراتيجية إغراق الجمهور المستهدف بسلسلة من الدعاية المتغيرة بحيث لا تصل إلى المدى المتوسط، فتقوم بتغيير الدعاية الموجهة قبل أن يثبت عدم صحتها بقليل، وبالتالي يمكن أن يستمر التوجيه للرأي العام، إلا أن افتقاد الاستقرار في العلاقة لا يؤدي إلى علاقة ود مشتركة مع الجمهور أو ثقة، وبالتالي فإن النجاح في توجيه الرأي العام هنا، يفتقر إلى الولاء ما يجعل الوضع محتقنا وقابلا للانفجار، وهو ما يجعل هذه الاستراتيجية غير ناجحة غالباً في مجال الأعمال). وفي كل الأحوال يظل الولاء رابطة عاطفية متجذرة نحو جهة، أو شخص، أو تصرف، أو صفة، وإن اختلفت التفسيرات والمقاييس، وانخفاض هذه الرابطة بين المنشآت المحلية والجمهور يضر من الناحية التنافسية من عدة جوانب جوهرية ليس أقلها عدم استقرار الموارد البشرية. ضعف قيمة العلامة التجارية مقارنة بأعمال المنشأة، تنامي مشاعر عدم الترحيب من قبل المجتمع المحيط، إلخ. أما في تسويق المنتجات فيعني ضياعه بين الأدراج، فإذا كان هذا الحال على صعيد الأعمال، ففي السياسة كان ومازال الولاء حجر الزاوية.. تويتر @mesharyafaliq