لا يخلو مجتمع من المجتمعات الحديثة من فساد أو انعدام الضمير، وما الرشوة إلا ظاهرة واحدة من بين هذه المظاهر الاجتماعية المتعددة والدخيلة على مجتمعنا، والتي ! ترتبط ببيع الضمير برخص، لأجل شهوة أنانية مرضية تتجسد في حب جمع المال بطريقة لا أخلاقية أو إنسانية، أو لأجل حب الوصول إلى المنصب الذي لا يمكن أن يصل له مثل هذا الشخص فاقد المؤهلات الفكرية أو القدرات القيادية ولا يملك المواصفات الشخصية التي تجعل منه قائداً أو مسؤولاً، فيقوم بمثل هذه الإلتواءات والنتوءات المرفوضة ليحقق له كيانا معدوما وليبني له شخصية مفقودة، وكل ذلك يتم بطرق غير نظيفة، وتحت مسميات متنوعة يحللها لنفسه ويحرمها على غيره، ومن أصعب الأمور على النفس أن نجد الإنسان الشريف هو يمارس مثل هذه الأساليب الرخيصة، بأن يدفع رشوة مرغماً عن نفسه وبعيدا قناعاته ومبادئه التي تعلمها ويعلمها للآخرين، ويقع في هذا الشرك رغم أنفه ومجاراة لغيره، أو حماية لوضعه من كيد أو وشاية أو قطع أرزاقه، لا يكون راضيا ولا مقتنعا فيها، وعلى سبيل المثال بعض من هذه المواقف الشائنة والتي قل ما تنعدم في دوائر ومؤسسات حكومية وأهلية، فالتقدم لوظيفة تنطبق عليه كل شروطها ومتطلباته وعنده من المؤهلات التي تفوق غيره، ولكنه ! يفاجأ بتعيينات تقل عن كل مؤهلاته بكثير، ويبحث عن السبب فيجد انها حدثت باساليب ملتوية ، وأمر آخر هو تسلط بعض المديرين وممارستهم لأساليب ملتوية مع المراجعين والموظفين وأخذ رشاو باسم هدايا او اكراميات .. ويبقى السؤال معلقاً أين دور المسؤولين الآخرين والذين يعلون المدير المباشر المستبد والمرتشي، والذين هم مسؤولون عنه وعن أعماله التي باتت مكشوفة للجميع؟ وهنا أضم صوتي مع رئيس التحرير الأخ (محمد الوعيل) ا! لذي بادر في جرأته على كشف هؤلاء والذي طالب بكل قوة ونزاهة أن تشكل لجان تحقيق لسوء التصرف الإداري ومحاسبتهم واحداً تلو الآخر، كما أنني أتساءل أيضا عن باقي المجموعة من الموظفين والذين هم يرون الباطل ويسكتون ولا ينبسون ببنت شفه؟ فهل أصبح المدير مرعباً لهذه الدرجة ليُخرس الألسن الشريفة عن إظهار الحق والحقيقة؟ وأين ضمائر الشرفاء من المديرين والموظفين ليوافقوا على مبدأ المغالطة الجديد بأن من يدفع يسلم من شر المدير وأعوانه وحاشيته ومقربيه وزبانيته المتواطئين أو ممن يرشيه ويقدم له الهدايا تحت مسميات باطلة ومرفوضة؟ والأنكى من كل ذلك أن يغلفوا غشهم وفسادهم بأحاديث نبوية أو مشاهد وروايات عن الصحابة، بقولهم الهدية تقرب بين الأحباب، والنبي قبل الهدية، والهدية تعبير عن المحبة، والهدية تعطى عن طيب خاطر! وغيرها وغيرها ... وقد تصل بالمديرين بأن يطلب ويفرض الهدية مباشرة ، وبدون اعتبار للكرامة وأخلاقيات المهنة.. وهذا والله قمة الفساد الإداري، ويتطلب التدخل السريع، لأن المدير لو كان قابعا في بيته لما وصلته هذه الهدايا، بل هي أتته بسبب مركزه وسلطته ووظيفته وإدارته للآخرين، فهل أصبحت النزاهة ضعفا، والانتهازية قوة ومهارة؟ وأشد أنواع الرذيلة في باب الرشوة هو عندما يرى المواطن أو الموظف أحدهم يخون الوطن، ويرتشي أو يقدم الرشوة،أو يشاهد الرشوة ويتعاون فيها، ويبقى صامتاً، أو غافلاً أو متغافلاً انطلاقاً من المقولة " حط راسك بين الروس وقول ياقطاع الروس" وهذا يعني أنه أصبح واحدا منهم وإن لم يقم بذلك واعترض أو امتعض، حينها تصب عليه جامة الغضب والقطيعة، متناسياً كل هؤلاء المشتركين في الفساد( الراشي والمرتشي والرائش بينهما في النار) ولكنهم يرددون هذا بأن "الاستدعاء يحتاج لمثل هذا الختم"، فأين هي النزاهة وأين هو الضمير الذي بات غائباً عن الحقيقة، لأجل حفنة مال، أو رضا هذا المدير أو غيره، ومتناسين جميعاً أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وأن الدولة تحمي الضعفاء وتؤدب ضعاف النفوس وترفع الظلم عن المظلومين، فأين نحن من حديث الرسول " " "انصر أخاك ظالماً أو مظلوما"ً، فقيل يا رسول الله عرفنا أن رفع الظلم عن المظلوم هو إنصافه وإرجاع حقه المهضوم، ولكن كيف نرفع الظلم عن الظالم؟ فعلمنا رسول الرحمة " "، بأن نمنعه من الظلم، هكذا يتم رفع الظلم، واعلموا بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، فكيف نقبل على أنفسنا أن نتعاون أو نشارك في إيقاع الظلم والفساد! والرذيلة؟ وكيف يقبل الموظف على نفسه أن يشارك في مثل هذه الجريمة المرفوضة؟ فالصمت والسكوت أخطاء ترتكب في حق الوطن وفي حمايته، وهي جريمة لا تغتفر وتستحق منا جميعاً، كشفها ولو حُرمنا من امتيازات نالها آخرون جوراً وبطلانا وبدون وجه حق، واسلم أيها الوطن وليبقى شعارنا كشف وتجريم كل من يسيئ للوطن سواء في فساده الإداري أو في إساءته وتسلطه على رقاب الآخرين باسم الإدارة والمدير.