المنبعثة من القلم كلما أدرته في المبراة أو كتبت به، تتصاعد لأنفي مصحوبة بصور الأيام الخوالي، التي تتوالى في النفس متداعية عبر دهاليز الذاكرة المتدغدغة بلذة الشعور المرهف والإحساس المنساب في الزمن المتصابي.. هناك عند المنعطف في بداية الرحلة لعالم الأبجدية ومفردة العلم والمعرفة. وكما رائحة الرصاص.. رائحة الممحاة التي ترتفع للأنف لتسجل هي الأخرى نقطة استعادة لبعض التداعيات المختزلة في زمن الذاكرة المرتبط بلحظتها.. تلك الرائحة التي تتطابق مع رائحة العلك، تزيدني رغبة في المضغ. لم أنس صبيحة ذلك اليوم الذي لقنتني فيه أمي ذلك الاسم، وهي تلبسني أحد الثياب التي اشترتها مؤخرا ووضعت في أحد جيوبي منديلا قماشيا تزينه شخصيات كرتونية ذات ألوان زاهية، ثم سألتني بعد ذلك وهي تسرح شعري إن كنت قد حفظت الاسم الذي أملته علي. الاسم الذي لم أسمع به طوال حياتي، ولم يكن اسمي ذات يوم، سيكون هو الاسم الذي سينادونني به في المدرسة والذي يجب أن أعرف نفسي من خلاله هناك. قبل دخولي المدرسة كنت ألح على والدي أن يسجلني فيها، فلطالما أحببتها.. أحببت أن أحمل حقيبة المدرسة وأن أنطلق في صبيحة كل يوم إليها. لقد ألححت على والدي كما ألحت عليه أمي أيضا فجميع أقراني سبقوني للمدرسة منذ سنتين، ولكني الآن لا أريد الذهاب للمدرسة ولم أعد أحبها. قالت أمي ان هذا الاسم سأتعامل به في المدرسة فقط وسوف يعرفني به المعلم والتلاميذ الذين معي في الصف، ولكني لا أستطيع تقبله، بل إنني أخجل حتى من ذكره، ولا أعلم بأي طريقة سأقوله أو أقدم نفسي به. لم يكن الاسم قبيحا، ولكني طوال تسع سنوات كنت أنادى باسم آخر وأعرف نفسي به، ولم يكن للاسم الجديد وجود إلا عند دخولي المدرسة.. هل كل الأطفال تتغير أسماؤهم عند دخولهم المدرسة؟!