الشواظ في جذره اللغوي هو اللهب من النار لا دخان معه. والشوق هو نزاع النفس إلى الشيء. هاتان الكلمتان وردتا في عنوان مولود أبى الوليد الشعري الثالث مع صورة غلاف تعبيرية اختارها المؤلف بنفسه فكتب العنوان هكذا: (عندما تتشظى الأشواق) وتحت هذا العنوان صورة تعبيرية لشمس تقاوم السحاب الكثيف، وسحاب يقاوم الشمس المشرقة بعنفوانها الصباحي وأفق اصطبغ بلون الشفق وسفينة أوقفها تعب الرحيل وقد مال صاريها معربا عن عنائه واستلقى مجدافها عليها وكأنه مستسلم لغفوة بعد طول رحلة. الشمس والغيم والشفق كل هذه الأشياء تقنعك في تواؤمها بالتشظي. والبحر والسفينة وصاريها ومجدافها ترسم في عينيك وفي قلبك معنى الشوق والتوق الى هدف غامض لا يبدو في الصورة. أو في الأفق. والمؤلف أي مؤلف يكون دون شك هو أصدق الناس في رسم غلاف كتابه لأنه مولوده، وفلذة من قلبه، وعصارة فكره، ونفحة من روحه. وإني وجدت هذه الظاهرة الصادقة في مؤلفات الأستاذ الشاعر يوسف أبي سعد رحمه الله. حيث صور بريشته أغلفة دواوينه كلها ناهيك عن الصور الرمزية لقصائده الداخلية وجاء ابو الوليد في مولوده الأخير هذا بشيء من نهج أبي سعد. وليس كل كتاب معروف أو يعرف من عنوانه كما يقال خاصة في هذا الزمن الذي ضاعت فيه الكثير من المفاهيم.. ولكن ديوان الاستاذ خليل الفزيع.. الأخير (عندما تتشظى الأشواق) جاء عنوانا معبراعما بداخله وصورة غلاف ناطقة بما حوته صفحاته.. فعندما تتشظى الأشواق في قلب الانسان المحب تكف الأرض عن الدوران.. وينسى الزمن حركته، ويتسرمد الليل، ويتسرمد النهار في حيرة أبدية، تشعل نوازع النفس إلى الحبيب المفقود لهبا لا دخان له. يتوهج بهدوء فيحرق أكثر مما يضيء، ويضيء أكثر مما يحرق.. وبعض الدواوين يأخذ عنوانه من قصيدة بداخله. تكون محورا رئيسا تدور حوله قصائد الديوان. ولكن ديوان الفزيع بقصائده الأربعين دار حول عبارة العنوان. من أول قصيدة إلى آخر بيت فيه. فخذ عزيزي القارئ مثالا لذلك: أول قصيدة صاغها الفزيع في الديوان كتبها عندما حل اليوم الوطني وكان خارج البلاد مغتربا. يقول في مطلعها: ==1== شدني الشوق والهوى لبلادي==0== ==0==لربوع بها جذور تلادي لصحاب اذا رحلت لديهم==0== ==0==بقي الشوق راسخا في الفؤاد يا لأهلي. إذا أغيب بعيدا==0== ==0==لم يغيبوا عن يقظتي أو رقادي==2== ألا ترى معي عزيزي القارئ هذه الشظية من الشوق للبلاد والأهل والصحاب كيف تتوهج وتضيىء وتحرق؟! وآخر قصيدة في الديوان بعنوان (ليلة ليلاء) تحكي حالة فقير بائس في كوخه مع زوجه واطفاله تحت وطأة قسوة الشتاء برياحه ومطره ينهشه الجوع من الداخل ويجلده البرد من الخارج، يقول الفزيع في آخر ثلاثة أبيات: ==1== يا عابد الأموال في مكانك المنيف==0== ==0==هلا رحمت معدما في حاله الضعيف يا من يموت متخما من كثرة الطعام==0== ==0==ألا ترى أخاك جائعا لا يعرف المنام وعبء ذلك الفقير إن شكا من يحمله==0== ==0==أنا.. أم أنت.. أم جميعنا سنخذله؟==2== وبين القصيدة الأولى والأخيرة شظايا ملتهبة تعبر عن هموم الدنيا وما فيها من الأشياء والحياة والناس. في جدلية مفعمة بالألم والمعاناة الانسانية.