الكتابة للطفل عمل ابداعي يتطلب قدرات خاصة, وهي في الوقت ذاته عمل جليل, ورسالة تستحق التضحية والجهد, لانها تتوجه الى الاطفال الذين هم عماد الامة ومستقبلها, ولذلك نذر فريق من الكتاب انفسهم للكتابة للاطفال, ومن اشهرهم كامل كيلاني, الذي يعد رائدا في هذا الميدان غير مدافع. وقد تنوعت الكتابة للاطفال ما بين الشعر والقصة والمسرح, وتعددت المقاصد والغايات, ووجد الكتاب في الفن القصصي مجالا رحبا لمخاطبة الطفل واستثارة خياله, وتنمية قدراته الفكرية وحفزه الى التفكير والابتكار والابداع, وامتازت هذه القصص بالتنوع والثراء, وتوزعت ما بين القصص العلمي والتاريخي والديني والبوليسي, وغير ذلك. وقد ساهم في هذه الضروب من القصص عدد كبير من الكتاب يمثلون اجيالا متتابعة, بدءا من جيل كامل كيلاني ومحمد احمد برانق, ومرورا بجيل عبدالتواب يوسف ويعقوب الشاروني, وصولا الى الجيل الاحدث من هؤلاء الكتاب. وقد حظيت القصة العلمية وقصص الخيال العلمي بنصيب وافر من قصص الاطفال, لما تتضمنه من عناصر الخيال والتشويق, وما تفيض به من مغامرات وخوارق, وما تحفل به من صور البطولة والشجاعة والرغبة في تنمية قدرات الطفل العقلية, وتنشئته على نحو يسمح له بالتفكير واكتشاف مواهبه وحفزه الى الابتكار, وربطه بالانجازات العلمية والتكنولوجية, وتحرير عقله من الجهل والخرافات. ومن الكتب العلمية المبسطة التي تدور في هذا الاطار كتاب (عائلة الاحجار) للشاعر احمد فضل شبلول, الصادر عن سلسلة (قطر الندى). ويهتم هذا الكتاب بتعريف الطفل بانواع الاحجار وفوائدها وما يتصل بها من احداث ورموز, ويحرص على ان يخاطب الطفل بلغة مبسطة واسلوب شائق, ويتخذ من القارئ الصغير صديقا يحاوره ويتنقل معه في عالم الاحجار المثير كاشفا عن كثير من المعلومات الطريفة القيمة. يقول: اذا ابصرت حجرا في الطريق, فلا تظن انه شيء مهمل في الكون, فللاحجار دورها البارز في صناعة التاريخ الانساني, واذا كان الحجر يبدو في مظهره صلبا او صلدا, فان بعض الحجارة يلين او يشقق فيسيل, او ينفجر منه الماء, وبعضها يشارك في صناعة النصر على عدو الله, كما حدث مع جيش ابرهة الذي اراد هدم الكعبة (فأرسل الله طيرا ابابيل, ترميهم بحجارة من سجيل, فجعلهم كعصف مأكول) كما شرف الله بعض الحجارة بان جعلها رمزا لطقوس الحج في مكةالمكرمة, مثل تقبيل الحجر الاسود (ويسمى احيانا الحجر الاسعد). ويسترسل الكاتب في حديثه عن فوائد الاحجار واهميتها وقيمتها, فاذا صادف الحجر يد نحات عظيم, لحوله هذا النحات الى تماثيل في غاية الروعة والاتقان, ولعل المعابد والآثار المصرية الخالدة تدل على ذلك, فقد حول المصريون العظماء الحجر الى معالم فنية وتاريخية خالدة, مثل المسلات, والتماثيل, كتماثيل رمسيس واخناتون ونفرتيتي وغيرها من التماثيل, ومثل المعابد, كمعبد الكرنك وحتشبسوت والاقصر وادفو وابي سمبل وغيرها من المعابد. ولعلنا نلاحظ اهتمام الكاتب بالتفصيلات والحرص على ضرب الامثلة وإيراد الشواهد المختلفة لتعريف الطفل بالحضارة المصرية القديمة وعظمتها في سياق حديثه عن اهمية الاحجار, فاذا تحدث عن استخدام الاحجار في التماثيل او المعابد ساق الامثلة المختلفة لها, ولا يفوته ان يلتفت الى اهم اثر مصنوع من الحجر في تاريخ البشرية, وهو الاهرامات الثلاثة, وكذلك ابو الهول, وهو اثر حجري عظيم يدل على روعة النحات المصري القديم, وتفوقه في مجال النحت. ويهتم الكاتب بتقديم بعض المعلومات اللغوية عن مادة (الحجر) في لغتنا العربية من خلال المعاجم المختلفة, وبشكل مبسط, كما يعرف القارئ الصغير باسماء الحجارة والصخور وصفاتها, فمن اسماء الحجارة والصخور: الصفا والصفاة والصفوان, والجندل والجلمود ومن صفات الصخر والحجر الكبير: الرخام او الرخم, وهي صخور كبيرة يرخم بعضها فوق بعض. وربما كان الاسهاب في هذه الامور اللغوية غير مناسب لعقلية القارئ الصغير الذي لا يستطيع ان يستوعب بعض الالفاظ المعجمية التي اوردها الكاتب عن اسماء الحجر وصفاته, كالوقائذ وهي الحجارة المفروشة في الطريق, وكالخرشم والخورمة والحكك والنخروب واليرمع, وما شابه تلك الالفاظ, وكذلك اسماء الادوات المستخدمة في كسر الاحجار كالملطس او الملطاس او الخنزرة والمسحنة وغيرها, مما قد يضيق به القارئ الصغير ويبعده قليلا عن السياق العام للموضوع. وينتقل الكاتب الى الحديث عن قطع الحجر وصقله موضحا ان ذلك يعد اختصاصا قائما بذاته في عالم الاحجار, ويحتاج الى ممارسة طويلة, وخبرة تامة بتركيب الاحجار, ويشير الى ان اشهر بلاد العالم حاليا في عملية صقل الحجر الكريم وشطفه بلجيكا وسويسرا. ولا يفوته ان يشير الى العصر الحجري, وهو العصر الذي كان يستعمل فيه الانسان الحجارة قبل اكتشاف الحديد, وهو اقدم واطول فترات التاريخ الانساني, حيث كان الانسان يسكن الكهوف والمآوي الصخرية, ويخترع الادوات الحجرية. ويتحدث الكاتب بعد ذلك عن فن نحت الصخر والحجر, ويشير الى ان النحت فن قديم يعود الى العصر الحجري حيث صنع الانسان تماثيل بدائية للنساء والحيوانات, كما يشير الى مهارة قدماء المصريين في فن النحت, وكذلك براعة اليونان في هذا الفن, ويشير كذلك الى جهود المصريين المعاصرين في فن النحت, ولاسيما الفنان المثال محمود مختار. وينتقل الكاتب الى تعريف القارئ باهم انواع الاحجار, كالاحجار الكريمة, ويوجد اكثر من مائة نوع منها. ومن اشهرها: المرمر والالماس والياقوت واللؤلؤ والفيروز والزمرد والزبرجد والعقيق والكهرمان وغيرها. ويلتفت الى بعض المعلومات الطريفة الخرافية. وهناك احجار اقل قيمة في الاحجار الكريمة, سميت الاحجار شبه الكريمة, ومنها العقيق الاحمر. ويشير الكاتب الى انواع الاحجار كحجر الطباعة والحجر الجيري, ومن اصنافه الطباشير والرخام, ويكثر وجوده في مصر وهناك حجر البناء وحجر السر الذي يستخدم في صناعة الجواهر ومصدره الهند واسكوتلاندا, وهناك حجر الطحن الذي يستخدم في اغراض طحن الغلال. وينتقل الكاتب الى الحديث عن الاحجار الشهيرة كالحجر الاسود وحجر رشيد وقبة الصخرة وصخرة سيزيف, ويقدم للقارئ معلومات مختصرة ومركزة عن هذه الاحجار. ويتحدث الكاتب بعد ذلك عن الاحجار في القرآن الكريم, فيذكر ان لفظ الحجر وردت في القرآن مرتين, ولفظة (الحجارة) عشر مرات, ويستطرد الى الحديث عن مدائن صالح او مدائن الحجر التي كان يبنيها قوم نبي الله صالح, وهم قبيلة ثمود, وكانوا يبنون مساكنهم وقصورهم في الصخور والجبال, ويقوده ذلك الى الحديث عن المغارات والكهوف الصخرية, ويتحدث كذلك عن رماة الحجر أو طريقة رمي الحجر التي كانت تستخدم قديما كالمقلاع, والرجم بالحجارة, ويشير الى ابطال انتفاضة الحجارة الفلسطينية, وهم يرمون قوات الاحتلال الاسرائيلي بالحجارة, ويذكر الكاتب بعض الاقوال والامثال الشائعة التي يستخدم فيها لفظ الحجر منها: * (اصاب عصفورين بحجر واحد) اي غنم مغنمين بضربة واحدة. * (العلم في الصغر كالنقش على الحجر) لان ما ينقش على الحجر لا يمحى. * (يا حبذا الامارة ولو على الحجارة). * (القمه حجرا) اي اسكته بالجواب القاطع. ويشير الكاتب الى اتخاذ الاحجار الكريمة في تيجان الملوك والملكات للزينة والمباهاة بما لديهم من الكنوز. ومن اشهر هؤلاء الملكات: بلقيس ملكة سبأ, وزنوبيا ملكة تدمر, وكيلو باترا ملكة مصر, واليزابيث ملكة انجلترا. ويختم الكاتب كتابه بالاشارة الى عميد عائلة الاحجار, وهو لقب يطلقه على تمثال ابي الهول, فيقدم بعض المعلومات عن ارتفاعه (66 قدما) وطوله (240 قدما) وتاريخه. وقد نجح الكاتب في استقصاء المعلومات المتصلة بالاحجار من جوانبها كافة, وقدمها في اسلوب مبسط شائق, فجاء الكتاب اشبه برحلة علمية طريفة الى عالم الاحجار, وقد استعان الكاتب ببعض المصادر والمراجع والدوريات, فجاءت معلوماته دقيقة, واستطاعت ان تحقق كثيرا من الاهداف والغايات, واتاحت للقارئ الصغير ان يلم بمعلومات كثيرة عن عالم الاحجار.