اجازة الصيف بما تحمله من شمس حارة وفراغ هائل استطاعت المؤسسات السياحية في جميع انحاء العالم استغلالها استغلالا كبيرا, وذلك لما تعود به من فائدة مادية وفي المقابل فان الجهات السياحية في المملكة وبالذات مؤسسات التنشيط السياحي عملت في الآونة الاخيرة على تنظيم برامج وملتقيات لتفعيل الحركة السياحية في البلد, وقد عملت بعض هذه المناشط على ادخال مهرجانات وفعاليات ثقافية داخل هذه المهرجانات. وبغض النظر عن نجاحها من عدمه الا انها تعتبر خطوة جيدة بحاجة الى دراسة مستقلة. اما الاندية الادبية والمؤسسات الثقافية والتي تنشط على مدار العام فانها بمجرد انتهاء آخر اختبار في المدارس الحكومية فانها تغلق ابوابها وتؤجل جميع انشطتها الثقافية - على قلتها - الى بداية موسم افتتاح المدارس, وكأنها تعيش في بيات صيفي يدوم قرابة الأشهر الثلاثة. وهنا نود ان نطرح تساؤلا لماذا لا تستفيد الاندية من هذه الاجازة والقيام بعمل برامج صيفية مثل تلك البرامج التي تقيمها الاندية الصيفية؟ عبدالعزيز السماعيل مدير جمعية الثقافة والفنون فرع الدمام يناقش الامر بروية قائلا: تختلف البرامج الصيفية نوعا ما فالكثير من الناس يبحث عن الترفيه, ولذلك فان الجهة المخولة بتنظيم الفعاليات الصيفية هي جهات ترفيهية بالدرجة الاولى. اما من ناحية البحث في الاهداف والسبل الكفيلة بتحقيقها من خلال التنسيق والتعاون بين جميع الاطراف من اجل سياحة الصيف في المنطقة الشرقية على الاقل, هنا لابد من التأكيد اولا ان ليس كل الانشطة والفعاليات الفنية والثقافية تكون مناسبة للصيف حيث الجانب الترفيهي هو المطلوب اكثر للعوائل والافراد. وفي هذا السياق فان جمعية الثقافة والفنون لم تغلق ابوابها في اي صيف سابق, وقدمنا العديد من الفعاليات المهمة خلال الصيف في الاعوام الماضية من ابرزها مسرحيات الاطفال بالتعاون مع عدد من مراكز الترفيه في المنطقة وامسيات للشعر الشعبي بالتنسيق مع اللجان المنظمة لمهرجان صيف المنطقة. اضافة الى بعض الانشطة الثقافية كما ان برنامج الجمعية المنهجي لا يتوقف خلال الصيف حيث يقدم العديد من المشاركات في الداخل والخارج, الا ان ما يقلل مشاركات مثقفي وفناني الشرقية بالذات في فعاليات الصيف هو استمرار عدم التنسيق والتعاون مع الجمعية من قبل اللجنة المنظمة لمهرجان الصيف رغم مطالبتنا المستمرة بذلك, خصوصا اننا الجهة الوحيدة الرسمية المعنية بالثقافة والفنون وينتمي لها جميع فناني المنطقة. وفي الحقيقة لا نعرف حتى الآن سببا يمنع اللجنة من التنسيق الوثيق معنا رغم ان ذلك سوف يكون في صالح الجميع بكل تأكيد. وحرصا من الجمعية على المشاركة هذا العام فقد تمت مناقشة الفعاليات الفنية والثقافية المناسبة لتقديمها هذا الصيف ومخاطبة اللجنة المنظمة بهذا الخصوص للتنسيق المسبق في ذلك ونأمل ان تجدي محاولاتنا هذا العام نفعا لمصلحة الجمهور وفناني المنطقة الذين يتساءلون دائما عن دورهم في هذا المهرجان. اما علي الثويمر رئيس القسم الثقافي بنادي العوامية فيقول: من خلال متابعة ورصد مستوى حضور المنشط الثقافي والادبي خلال الصيف فقد تبين انحسار مطبق يمتد مداه في دائرة يكاد الفعل الثقافي ينسى تماما, ليتحجم المشهد الثقافي في فصل الصيف في جملة من الانشطة الترويحية التي تتبنى صيغ التسويق التجارية في ظل وجود زخم اعلامي مصاحب لتكريس مثل هذه المفردات التي تختزل الظاهرة الثقافية في قوالب الترويح العائلي والذي لا يتعدى في اغلب مخرجاته - وبكل اسف - العاب الطفل. وفي الوقت الذي نستبشر خيرا بالدور الكبير الذي تقوم به الهيئة العليا للسياحة من خلال تنمية موارد السياحة وتقعيد كل الاسس التي تساهم في التنمية السياحية بجوانبها المتعددة, فان مردود ذلك يتقزم بغياب يكاد يكون تاما في الفعالية الادبية والثقافية بشكل عام. ان المؤسسات الثقافية والادبية التي تنعم بوجودها بلادنا تحتاج الى مزيد من الحضور في المشهد الاجتماعي ثقافيا خاصة في موسم الصيف, فضلا عن ضرورة تطوير الادوات الاتصالية بين هذه المؤسسات ونخب المثقفين والمشتغلين بقضايا الثقافة والفكر. وينوه الثويمر الى ان رسالة هذه المؤسسات تتضمن ليس هذا فحسب, بل انها تحفل بما يشكل ينابيع عطاء, ومنابر اشعاع, وصروح تنمية وتقدم. اما ان ينحصر الفعل والفعالية المتصلان بالمشهد الثقافي والادبي بمواسم الهجرة الى الشتاء فهذا يمثل تقوقعا وانحباسا للظاهرة الثقافية الرصينة اللازم حضورها واذكاؤها في فضاءات - الانسان - الزمن - المكان. وعلى مستوى رعاية الشباب وما يحتاج ذلك من تأصيل لقضايا واهتمامات الثقافة, وايجاد مستنبت لها في وعي وادراك الشباب, يرى الثويمر ان فترات الصيف من انسب الفترات حيث وجود اوقات فراغ يمكن تنمية الشعور والميول الثقافية لديهم, وصقل وتطوير قدراتهم, من خلال برامج التوجيه المتفاعل, وعبر الورش العملية الهادفة. وهذا ضامن وكفيل بتنامي الظاهرة الثقافية في الوسط الشبابي بما يعمق القيم الثقافية والادبية المتنوعة في هذا الوسط الاكبر نسبة والاكثر عددا! ويختتم مداخلته بتفاؤل مؤداه ان الخطط الحكيمة في مجال التنمية الثقافية في مملكتنا الغالية, والتي كان من اهمها: ايجاد وزارة باسم وزارة الثقافة والاعلام, تشير الى تنمية ثقافية وادبية اكبر وافضل ان شاء الله, ونأمل ان نصل عاجلا الى مشهد ثقافي غير محدود بفترات زمنية معينة, ليكون لكتاب الشعر والرواية والقصة والمسرح والتصوير والفن والابداع منابر ثقافية وفكرية تستطيل اشعاعاتها لتصل كل الارجاء في ظل الاهتمام الكبير من الدولة بكل ما يضمن حياة متقدمة للوطن والمواطن. القاص طاهر الزارعي يرى ان الانشطة الصيفية من واجبات الاندية ويقول يجب على الاندية الادبية والمؤسسات الثقافية الا تتوقف في عملية بناء جدار ثقافي آخر بمجرد مجيء العطلة ويلزم عليها اعداد خطة جديدة لتفعيل البرامج الثقافية خلال عطلة الصيف والا تقتصر على خطتها المعدة في الاشهر التي تسبق العطلة. وذلك لان الشباب هم احوج لملء فراغهم من اي وقت مضى. ويرى الزارعي ان تتعاون الاندية الادبية مع مؤسسات السياحة في الصيف وذلك بطرح برامجها الثقافية. وان تكون هناك خطة عمل مشتركة من خلالها يستطيع الجمهور ان يصل الى المكان والاستمتاع بهذه الانشطة الثقافية. واجد ان هناك بعض الاندية الادبية ومنها نادي القصيم الادبي على سبيل المثال برنامجا ثقافيا تعقد فيه الندوات والامسيات من ضمن البرامج الصيفية للشباب.. وجدير بالنادي الادبي في منطقتنا ان يفتح ابوابه مرة اخرى ليطرح ما عنده من برامج وانشطة وامسيات وندوات بدلا من ان يعيش الركود الذي قد يطول قرابة الأشهر الاربعة او اكثر. لكن احلام الزارعي تبقى مجرد احلام يشاركه فيها الكثير من المثقفين والادباء في المنطقة, فعلى الرغم من ان هناك اندية ساهمت بانشطة كثيرة كالطائف وأبها وغيرها, الا ان ادبي الشرقية لم يفتح ابوابه طول الشهرين الماضيين ولم يفتح ابوابه الا مع اول يوم مدرسي. حسين الصيرفي لم يسبق له ان ساهم في انشطة ثقافية سواء في النادي الادبي او جمعية الثقافة والفنون الا في فترات متباعدة الا انه يدير مركزا صيفيا يقدم الكثير من البرامج الترفيهية والثقافية يقول: نظرا لقلة عدد الاندية الادبية في المنطقة الواحدة فاننا نجد انعداما لمفهوم التنافس بين المثقفين من مختلف المدن, كما ان تلك الاندية لم تضع لها تخطيط بعيد المدى يشمل فترة الصيف, ولهذين السببين نجد ان هناك سباتا لمشاريع الاندية الادبية في العطلة الصيفية. ويضيف قائلا: عندما يكون للاندية الادبية تخطيط هادف فسوف يستفاد من انشطتها في الصيف حيث اذا سعينا لنشر ثقافة المنطقة ونبذة عن مثقفيها ومؤرخيها من خلال البرامج السياحية فسوف يكون هناك تنشيط فكري وثقافي لابناء المجتمع والمقيمين وهي فرصة لتقديم تلك الثقافات لمرتادي المنطقة خلال زيارتهم لنا. ويتحدث الصيرفي عن تواجد الشباب قائلا: قلما نجد الطاقات الشبابية تقوم باعمال ثقافية خلال فترة الصيف والسبب في ذلك غياب البرامج الادبية المسبوقة التخطيط لفئة شباب المجتمع, وهذا باعث على تقليل الاعمال الادبية والمواهب الشبابية. ويقترح في هذا المجال استثمار وتنمية مواهب الشباب الثقافية من خلال فتح المجال لهم في الاندية الادبية والمكتبات العامة والمخيمات السياحية لاحياء الامسيات الشعرية والقصص القصيرة والمسابقات الثقافية في الاماكن العامة والمشاهد التمثيلية الثقافية التي توجه افراد المجتمع نحو توطيد الوطنية الصادقة. هل للثقافة مواسم محددة؟ يجيب الصيرفي: من وجهة نظري ليست للثقافة مواسم محددة وليست حكرا على احد, فليس المثقف طوال العام يصبح جاهلا في فترة الصيف, وانما نحن بحاجة لتوطيد مفهوم الثقافة بين افراد المجتمع ولو بالتذكير وبالبرامج الثقافية المتنوعة, فعلى سبيل المثال النظافة مطلوبة طوال العام ولكن لماذا يخصص لها اسبوع توعوي يطلق عليه (اسبوع النظافة), ولا يخصص للثقافة اسبوع يطلق عليه اسبوع الثقافة اسوة ببقية الاسابيع التوعوية تنشط فيه الحركة الثقافية في جميع الميادين التربوية والاجتماعية. على ان الانشطة يجب ان تستمر طوال العام ولا يقتصر على ذلك الاسبوع المقترح اما عن اغلاق اكثر الاندية ابوابها في الصيف فيقول لان الكثيرين من القائمين على البرامج الثقافية والاندية الادبية يستثمرون هذه الفترة للسياحة مع ابنائهم وافراد اسرهم في اودية ترفيهية. هناك برامج ترفيهية وترويحية فقط في مهرجاناتنا السياحية, ولا يوجد برامج ثقافية وفكرية, رغم اننا نستطيع ان نوجد في الادب الترويح عن النفس من خلال المسارح واحياء الامسيات الادبية والشعرية.. فلماذا لا تتضمن البرامج السياحية في الاماكن العامة ديوانية للشعر واخرى لالقاء المحاضرات التاريخية التي توضح تاريخ ومجد هذه البلاد الغالية وغيرها من المواضيع ذات الصلة. طاهر الزارعي