كثر المنظرون في هذه الايام الذين يأخذون من بعض الأسباب حجة للمطالبة بالمزيد من اي شيء يرونه يحقق الطموحات الشخصية حتى لو كان ذلك على حساب إنهاك خزينة الدولة في أمور حساسة ينبغي التخطيط والاعداد الجديد لها. إن المتتبع لأخبار ومقالات الصحف المحلية حول عملية القبول في الكليات الصحية بجامعات المملكة (الطب البشري، طب الأسنان، العلوم الطبية التطبيقية، الصيدلة ، التمريض)، وتحديدا الظلم (بحسب من رآه كذلك!) الذي وقع على بعض ذوي المعدلات (الممتازة) الذين لم ترد أسماؤهم ضمن قائمة المقبولين، وكأن كل من تحصل على هذه النسبة (وهو متميز في الغالب) اصبح يملك الحق في الحصول على مقعد في أحدى الكليات الصحية دونما اعتبار لمعايير المفاضلة والقبول التي تتبعها معظم الكليات الصحية في العالم والتي تضمن جودة الأختيار ومنع الهدر الأكاديمي، والأهم من ذلك اختيار طلاب يضيفون لاى بريق هذه المهنة الإنسانية بعد تخرجهم. من الحقائق التي يجب معرفتها جيدا وتقبل تبعاتها، أولا : الطفرة في اعداد الحاصلين على نسبة 98% او اكثر في الثانوية العامة وبشكل يفوق أضعاف المقاعد التي تستطيع الكليات الصحية أن توفرها لهم، وبتطبيق مبدأ القبول بنسبة الثانوية (فقط) فان اصحاب المعدلات مادون ال 98% سوف يكونون خارج المنافسة!، ثانيا : رغم تطبيق اختبار قبول موحد (القدرات والتحصيلي) لجميع جامعات المملكة يشرف عليه مركز وطني للقياس وهي خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تطبيق المعايير العالمية، فلا زال هناك من يشكك في نتائجه وخصوصا ذوي المعدلات العالية الذين أ خفقوا في الحصول على نسب مكافئة تؤهلهم للمنافسة (من المؤسف ان تنظر بعض صحفنا لهذه الطروحات الشخصية!!)، ثالثا : هنالك زيادة سنوية معقولة في اعداد المقبولين تتبعها الكليات الصحية تتناسب مع امكاناتها الحالية وخططها المستقبلية للمحافظة على الجودة وضمان التدريب والتأهيل الكافى، حيث بلغ عدد الذين تم قبولهم في مرحلة البكالوريوس للعام الدراسي القادم 25 - 1426ه اكثر من 3500 طالب وطالبة، اي بزيادة قدرها 1100 عما كانت عليه قبل ثلاثة اعوام (للعلم : عدد من سيتم قبولهم في كليات الطب البشري الثمانية بجامعات المملكة الحكومية يفوق اعداد المقبولين في كليات الطب الامريكية الخمس عشرة الأوائل)، رابعا : تزايد عدد الكليات الصحية بجامعات المملكة الحكومية خلال الثلاثة اعوام الماضية من 12 كلية الى 22 كلية، وذلك عقب افتتاح 4 كليات طب بشري، 2 كلية طب الاسنان، 3 كليات صيدلة، بالاضافة الى كلية علوم طبية تطبيقية واخرى للتمريض)، وينتظر ان يتم فتح ثلاث كليات جديدة للصيدلة في العام القادم بإذن الله تعالى الأمر الذي يؤكد حرص الدولة واهتمامها بالتعليم الصحي، خامسا : الخطى المتأنية التي اتبعتها الدولة - حفظها الله - ممثلة بالكليات الصحية التابعة لوزارة التعليم العالي اوجدت كوادر طبية على مستويات عالية غالبا ما نافست أقرانها في الدول المتقدمة في المجالات الطبية، والاهم من ذلك كله وبحسب احصائيات وزارة الصحة (المستفيد الأول من مخرجات التعليم العالي) فإن نسبة الاطباء السعوديين قد ارتفعت من 15.5% الى 21.8% والتمريض من 19.5% الى 30.1% ما بين عامي 1416 - 1423ه ، وهو معدل جيد بالنسبة للوزارة المسؤولة عن صحتنا، بل يواكب الطموحات المرجوة من برامج تنمية القوى البشر ية في القطاع الصحي عموما، وعليه لا ينبغي الانصياع للضغوط اللاعقلانية او الاجتهادات الشخصية او المبادرات الفردية (!!) للمطالبة بتوسيع اعداد المقبولين في الكليات الحالية او بفتح المزيد من الكليات الصحية خارج مظلة التعليم العالي وبالتالي التفريط في اعظم مهنة في الوجود لتخريج أنصاف وارباع (دخاترة وتجار شنطة) سادسا (وهو أمر تم تناوله في خاطرة سابقة) : باعتبار التخصصات الصحية من أعلى التخصصات كلفة عالميا (تبلغ كلفة تعليم الطالب الواحد في الولاياتالمتحدة اكثر من 50 ألف دولار سنويا او ما يعادل 188 ألف ريال سنويا) يصبح مبدأ التقليل من الفاقد التعليمي امرا وطنيا ملحا باتباع سياسة قبول اعداد تتناسب مع امكانات الكليات الصحية يضمن توفير كامل الرعاية المهنية من تدريس وتدريب ومتابعة لجميع الملتحقين بالدراسات الصحية، والاخير مبدأ تتعامل معه ارقى الكليات الطبية في العالم والتي لا يتجاوز اعداد القبول فيها 170 فردا سنويا رغم امكاناتها التي تفوق جميع كليات الوطن العربيم ن اقصاه الى ادناه، يتم انتقاؤهم ضمن شروط قبول صارمة تشمل ما يلي : مراجعة اوراق المتقدم والتأكد من حصوله على شهادة بكالوريوس في العلوم بتميز او ما يفيد بدراسته في احد الجامعات المعتمدة لمواد الاحياء/ الفيزياء/ اللغة الانجليزية لمدة لا تقل عن سنة دراسية، ولمادة الكيمياء عن سنتين دراسيتين ، رسائل التوصية من اساتذته، نتائج امتحانات القبول التخصصية الطيبة (MCAT) ، والاهم من ذلك المقابلة الشخصية ، النضوج، جاهزية الاستعداد، مهارات الاتصال، الدافعية والميول للتخصص، الصفات القيادية، الاهتمامات الانسانية والاجتماعية ، العمق المعرفي، التفكير النقدي، مهارات الابتكار واصالة الفكر، في سبيل اختيار النخبة المتميزة التي يمكن ان تعمل في الفصل الدراسي بكل جدية ونشاط، والاخير تقليد تحرص الكليات عليه للمحافظة على مراكزها المتقدمة عالميا. قد يتساءل البعض لماذا التعقيدات ووضع الحواجز في طريق ابنائنا وبناتنا؟، ولماذا لا نطبق معايير بعض الدول المجاورة والتي تعتمد نسبة الثانوية العامة المعيار الاوحد في القبول بكلياتها الصحية؟، لكن التجارب في هذه الدول خلفت بطالة مقنعة اضرت بمستوى الخدمات الصحية فيها، بل لازلنا نعاني من تبعاتها في بعض مراكزنا الطبية من بعض الاطباء الوافدين، ناهيك عن الذين أخفقوا في اجتياز امتحانات الهيئة السعودية للتخصصات الطبية او أولئك الذين تم اكتشافهم بشهادات "مضروبة"!!