تظل علاقة الابناء بالآباء في عالمنا العربي والاسلامي تقوم على المودة والرحمة وطاعة الوالدين وحب الآباء للابناء. لكن وفي ظل العولمة الاعلامية والقنوات الفضائية والانترنت ظهرت بعض الامراض الاجتماعية التي ادت الى تمرد الابناء على طاعة الآباء ورفض اوامرهم والتعامل مع الوالدين وكأنهما من ابناء العصور الوسطى الذين لا يمتلكون رؤية للتعامل مع مستقبل ابنائهم.. فكيف نعالج هذه الظاهرة؟ وما مدى حدود طاعة الابناء للاباء؟ ومتى يكون للابناء الحق في مراجعة آبائهم؟ من المفروض ان تكون علاقة الابناء بآبائهم علاقة طاعة وود لكن هذه العلاقة قد يصيبها التصدع وتصبح مهددة بالانهيار عندما يتمرد الابناء على طاقة الآباء ولم تعد هذه الظاهرة مقصورة على الشباب الناضج بدعوى اثبات الذات بل اصبحت هذه ظاهرة خطيرة تسيطر على بعض الاطفال الصغار هذا ما كشفت عنه دراسة علمية مؤكدة ان ثلثي طلبات واوامر الآباء تقابل بالرفض والعصيان من قبل الاطفال في عمر 4 - 5 سنوات فهل هذا يرجع الى محاولة هؤلاء الصغار اثبات شخصيتهم مع الوالدين واحساس الطفل بحقه في التعبير ام انها اصبحت سمة من سمات التطور المواكب حولنا؟ تقول الدكتورة ايمان شريف استاذة علم الاجتماع بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية ان عصيان الابناء وتمردهم على طلبات واوامر الآباء يرجع لاسباب نفسية منها ان الطفل يشعر بان رغباته غير محققة فيحاول ان يحقق هذه الرغبات والتي تتعارض مع اوامر والديه عن طريق مخالفة اوامرهما وعندما يجد الصغير ان رغباته قد تحققت بهذه الطريقة فانه يعتبر ان هذا الاسلوب هو ما ينبغي ان يتبعه وللاسف فان هناك كثيراً من الامهات لا يحققن رغبات ابنائهن الا عن طريق هذا الاسلوب الخاطئ وهناك سبب آخر للتمرد من جانب الطفل عندما تسيطر على الام العصبية الزائدة فيحاول الابن ان يسلك سلوك التمرد كرد فعل على هذه الطريقة التي يعتبرها مهينة له، وتفرض عليه قيوداً فالطفل بطبيعته كثير الحركة ويحب الاستطلاع وعندما تريد الام وقف هذا السلوك بفرض المزيد من القيود فان ذلك يأتي بنتيجة عكسية، ولايقتصر التمرد على الطفل بل يمتد الى المراهق والذي يعتبر ان التمرد نوع من انواع التعبير عن الذات واثبات الوجود واحساس المراهق بأنه اصبح رجلاً له حق التعبير عن رأيه، وان له شخصية مستقلة. وتطالب الدكتورة ايمان الام بأن تعطي الفرصة الكافية للاطفال للعب والحركة وتخصيص مكان مستقل في البيت لممارسة هذه الالعاب لارضاء رغباته وغريزته التي وضعها الله فيه فلا ينبغي ان نعمل على كبتها حتى لا يحدث انفجار لا تحمد عواقبه. وتنصح باستخدام طريقة مثلى للثواب والعقاب تتمثل في تقديم هدية له في حالة عمل شيء جيد وحرمانه من شيء يحبه كعقاب له اذا اخطأ حيث انه لا يوجد طفل بطبعه متمرد. مشيرة الى أن البيئة هي التي تشكل هذا السلوك. صراع الاجيال ويرى الدكتور رشدي لبيب استاذ علم النفس انه عبر تاريخ الجنس البشري هناك صراع بين الاجيال نتيجة تطور الثقافة الانسانية، فيحدث صراع بين جيل يريد المحافظة على ما تعود عليه من اساليب وعادات وانماط سلوكية وبين جيل لا يجد في هذه الاساليب والعادات ما يناسب الظروف الجديدة للحياة ومن ثم يرغب في تغييرها فكل انسان لديه احتياجات يريد اشباعها وعندما تتعارض هذه الحاجات مع رغبات الاخرين فانه يحدث صراع وتمرد ويرى ان هناك عوامل تؤثر في صراع القيم بين الآباء والابناء منها مدى التغير الاجتماعي والفروق بين الاباء والابناء والبطء في عملية التطبيع الاجتماعي وظروف نفسية تتمثل في واقعية الكبار ومثالية الشباب. التمرد ايجابي وتشير الدكتورة سوسن فايد الخبيرة بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية ان مفهوم التمرد يعني رفض المناخ السائد في الاسرة والطفل المتمرد يعاني من اسلوب المعاملة السيئة ويفتقد الاشباعات النفسية والتمرد موجود في جميع المراحل العمرية وبخاصة مرحلة المراهقة ففي هذه المرحلة يشعر الابناء انهم في حاجة للشعور بأهميتهم وانهم مرغوب فيهم ويشعرون بذاتهم وهويتهم، فالامتناع والرفض يعتبر الخطوة الاولى للتمرد، لكن لا بد وان يترك للطفل مساحة لتحديد بعض الرغبات واتخاذ القرار على نطاق شخصيته. وللدكتورة سوسن فايد رأي آخر حيث ترى ان الابن الذي يسلك هذا السلوك تكون شخصيته متزنة معبرة عن ذاتها واذا احسن الوالدان معاملته تكون شخصيته قوية جداً في المستقبل وقد اكدت الابحاث ان هذه الشخصية تعتبر شخصية ايجابية وان هذه الشخصية هي اعلم الناس باحتياجاتها وان عملية الضغط النفسي التي تتبعها بعض الاسر اذا تراكمت يحدث نوعا من الانفجار من هنا كان من الضروري ان تكون الام على علم تام بكيفية التعامل مع ابنائها بحيث لا تقابل طلبات الابناء بالرفض المستمر فيتحول الابن الى انسان يتسم بالقسوة والجفاء ومن ناحية اخرى لا يجب ان تقابل هذه الطلبات بالاستجابة الدائمة حتى لا يتحول الطفل الى شخص مدلل ولكن لا بد ان يكون هناك اسلوب متوازن في معاملة الآباء لابنائهم ورعايتهم واقامة الحوار معهم.