عدّد الدكتور أحمد محمد صالح في مقال نشر له مؤخرا بعض أوجه المقاومة التي ما زال الهاتف المحمول يصادفها رغم انتشاره الواسع، وتساوي كل الناس في استخدامه، وحدّد بعض الفئات التي مازالت تظهر أكثر من سواها ميلاً لهذا النوع من المقاومة، فقال إنها موجودة بين أصحاب الثقافة العليا وكبار السن وكذلك النساء. ثم إنه عرّج على الأسباب في ذلك، فقال إنها تتفاوت من الخوف التكنولوجي أو ما يدعى في اللغات الأجنبية "التكنوفوبيا"، الى الخوف من عدم السيطرة على الاشعاعات الصادرة عن المحمول. لكن يلاحظ، من جهة أخرى، ان المحمول ينتشر بين الصغار، لا بل بين المجموعات العمرية الصغيرة جداً، وأيضاً بين الناس العاديين الذين ليس لديهم أسباب خاصة لرفض أداة مفيدة. كما أن لاستعمال الهواتف المحمولة تكاليف متزايدة، وهذه التكاليف في بعض الحالات أصبحت عبئاً اقتصادياً. صنّف الكاتب نفسه ضمن أولئك الذين يبدون مقاومة لهذا الهاتف، واعترف بأنهم قلة، لكن السبب عنده ليس ثقافياً أو عمرياً أو اقتصادياً، إنه برأيه سبب جديد تماماً، وهو أنه كلما أحضر هاتفاً جديداً لاستعماله، تمّ الاستيلاء عليه من قبل أولاده كرمز لاقتحام دور الأب وتجاوز سلطته، وكان الحل بالنسبة له هو مقاطعة المحمول نهائياً. لكن الدكتور أحمد محمد صالح لم ينطلق من ذلك لكتابة دراسة عن تجاوز سلطة الأب في المجتمعات الحديثة كما يمكن أن يخطر في الذهن، وإنما كتب دراسة طريفة عن الهاتف المحمول، رغم أنه لا يستخدمه. وهو أورد الاحصائية التالية التي نقلها عن " رويترز" وفحواها ان نصف سكان العالم سيستخدمون المحمول عام ،2015 وهذا يعني أن ما عدده 3،1 مليار شخص يستخدمون هذا الهاتف في عام 2004 سيرتفع الى أربعة مليارات شخص، فيما سيبلغ هذا العدد في عام ،2008 أي بعد نحو أربعة أعوام من الآن ملياري شخص. وتحدثت الدراسات عن ايجابيات وعن سلبيات في أمر استخدام هذا الجهاز الغريب. ولكن أكثر ما لفت نظري في هذا التعداد لآثار انتشار الهاتف المحمول، دوره في "تبديد فرحة اللقاء"، وبشيء من الشرح فإن العلاقات الاجتماعية، قبل تداول المحمول، كانت تعيش هذا التناوب الواضح بين التفاعل والكمون، حيث الشركاء المنفصلون قد يستظهرون ببساطة التفاعلات السابقة مع الشركاء الغائبين ويتخيلونهم فيما يفعلونه حالياً ويفكرون ويعدون أنفسهم للقاءات مستقبلية، وهذه التوقفات أو الانقطاعات التفاعلية قد تكون ضرورية جداً للتفكير وإعادة النظر أو التهدئة بعيداً عن العواطف الحرجة وردود الأفعال التلقائية أكثر من اللازم، والتي قد توصلنا الى نتائج غير قابلة للنقض. وجود الهاتف المحمول قد يسطح هذه المشاعر أو يمنعها، ويمتص التذبذبات والموجات العاطفية التي تنطوي عليها، ومن نماذج ذلك أيضاً أن المحمول يجعل الوداع أقل إثارة لأننا نستطيع "البقاء على اتصال دائماً" والمحمول يبدد الإثارة والشوق والغبطة المقترنة برؤية الغائب مرة ثانية لأن فراغه ملئ بالرسائل الالكترونية. هل توافقون على ذلك؟! كاتب وباحث إماراتي