بالرغم من مرور ثلاث سنوات بقي أحد أنابيب النفط في أوروبا خاويا رغم بنائه؟ علما بأن الأوكرانيين قد أنهوا بناء خط أوديسا برودي النفطي دون اللجوء لمستثمرين دوليين أو أي التزامات من الدول المنتجة للنفط باستخدام هذا الخط. وبعد تدشينه نشب صراع على وجهة تدفق النفط منه، من الشرق إلى الغرب ضمن صادرات بحر قزوين، أم إذا كانت ستستخدمه روسيا لشحن نفط سيبيريا عبر أوديسا. ومنذ ذلك الحين لم يتم البت في هذا الشأن. وأعلنت أوكرانيا في كانون الأول (ديسمبر) 2001 إنهاءها المرحلة الأولى من منشأة بيفديني النفطية بالقرب من مدينة أوديسا، وخط أنابيب أوديسا برودي التابع له والذي يبلغ طوله 418 ميلا، وقطره 39 بوصة، بتكلفة قدرها 500 مليون دولار، ويمتد من البحر الأسود إلى مدينة برودي على الحدود البولندية. وكانت كييف التي تفتقر إلى الطاقة تتطلع للحصول على نصيب من الرسوم المربحة لنقل الإنتاج المنتعش للنفط في بحر قزوين. وفي نهاية أيلول (سبتمبر) قامت بولندا باستثمار حوالي 70 مليون دولار، أي 8 1.5% من الاستثمارات الأجنبية في أوكرانيا في ذلك الوقت. وبدت تلك السياسة متناغمة مع اهتمام واشنطن المتزايد بمصادر الطاقة في تلك المنطقة. ففي أعقاب هجمات 11 (سبتمبر) 2001 حاولت الولاياتالمتحدة تغيير سياساتها الخاصة بالطاقة من خلال تعزيز العلاقات مع كازاخستان وأذربيجان وتركمانستان، ومن ثم تقليل الاعتماد الأميركي على منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).. وقد رأت أوكرانيا ان ذلك يمثل فرصة سانحة لها، فالناقلات ستأخذ البترول من ميناء سابسا في جورجيا، وميناء نوفوروسييسك في روسيا لتتجه غربا عبر البحر الأسود ليتم شحنه عبر خط أنابيب أوديسا- برودي، ومنه إلى شرق وغرب أوروبا. لكن عيبا واحدا في الخطة اتضح بشكل فوري، ففي غياب أسطول الناقلات الأوكرانية، يجب استئجار سفن أجنبية لنقل النفط. وكانت سعة الخط المبدئية في عام 2001 تتراوح بين 9 ملايين و14.5 مليون طن من النفط في العام. وقد دفع الخوف أوكرانيا للتواصل مع جيرانها. ففي (يوليو) 2002 وجهت الحكومة الأوكرانية الدعوة للدول الأخرى للإسهام في شركة دولية عملاقة لمد خط أوديسا برودي لميناء غدانسك البولندي المطل على بحر البلطيق، مما سيتيح الفرصة لمد الخط لإمداد الدول الاسكندنافية بحاجتها من النفط. كما دعا أناتولي كيناخ، رئيس الوزراء الأوكراني، جورجيا للانضمام إلى تلك الشركة التي تعمل في المرحلة الثانية لإنهاء خط أنابيب أوديسا برودي غدانسك، مما سيزيد من سعته إلى ما بين 40 و45 مليون طن سنويا وذلك عن طريق مد الخط أولا إلى مدينة بلوتسك في بولندا، ثم إلى مدينة غدانسك لاحقا. لكن تم تأجيل كل ذلك حيث لم تقرر أوكرانيا وبولونيا موعدا محددا للبدء في أعمال البناء الخاصة بمد الخط. وعلي الرغم من عدم سريان نقطة نفط واحدة داخل خط الأنابيب إلا ان الأوكرانيين يأملون في زيادة سعته. وقال كيناخ في ذاك الوقت إن أوكرانيا لم تكن تسعى لمنافسة خط باكو تبيليسي جيهان، معربا عن اعتقاده أنه من الضروري ان تتواجد مسارات أخرى لمصادر امدادات الطاقة إلى أوروبا. وترى أوكرانيا أنه إلى جانب خط باكو تبيليسي جيهان الذي يتدفق في منطقة جنوب غرب البحر المتوسط، يمكن لخط أوديسا برودي ان يمثل الخط الرئيس لإمداد أوروبا بالطاقة. ومنذ عامين، أظهرت بولندا تأييدا مبدئيا للمشروع، وأعلن رئيس الوزراء البولندي ليتشيك ميللر إن الخط قد تم تصميمه لدعم أمن الطاقة الأوروبية، وتنويع مصادر الطاقة من بحر قزوين. كما نظر كيناخ لبولندا على أنها شريك كبير في تلك الشركة، وقال يجب علينا ان ننهي بأسرع ما يمكن العمل في النواحي الإقتصادية والفنية للمشروع لكي نقيم شركة ضخمة للطاقة، ونحن ننظر لبولندا على أنها أحد العناصر الأساسية المكونة لهذه المنظومة . وفي رد سريع على تلك التصريحات، قال الرئيس البولندي ألكسندر كفاسنييفكي إن الخط الذي تم بناؤه بمشاركة بولندا يشكل أهمية كبيرة لضم أوكرانيا إلى الهيكلية الأوروبية . لكن كيناخ بدأ في مرحلة لاحقة التعبير عن بعض المخاوف لإحجام بولندا عن الالتزام بالمشروع، فقال وفقا لمصادر متعددة، يتراوح حجم التبادل التجاري بين أوكرانيا وبولندا من مليار دولار إلى ملياري دولار، ونحن غير راضون عن مستوي التعاون الاقتصادي بين بلدينا، حيث أنه لم يرتق بعد إلى إمكانيات الدولتين. . وقد سعى كيناخ للفوز باستثمارات بولندية في أوكرانيا، واقترح عرض تأشيرات زيارة بولندية مجانية للأوكرانيين في مقابل إلغاء رسوم التأشيرات للبولونيين الذين يقومون بزيارة أوكرانيا. وعلى الرغم من كل الجهود الأوكرانية، ظلت بولندا على عدم التزامها بالمشروع الأوكراني. لكن إذا كانت بولندا، وهي الشريك العابر، يساورها الشك والتردد، فذلك أيضا هو حال الدول المنتجة. فعندما سُئل وزير الاقتصاد وتخطيط الموازنة الكازاخستاني كايرات كيليمبيتوف في (سبتمبر) 2002 عن احتمال مشاركة كازاخستان في مشروع خط أنابيب أوديسا برودي بلوتسك غدانسك النفطي قال إن الجانب الكازاخستاني عبر عن استعداده للمشاركة في مشروع البناء كمراقب في الوقت الحالي، وقد طلبنا الشروط التجارية والقانونية لعبور ونقل البترول الكازاخستاني إلى ميناء غدانسك، وستبحث الحكومة مسألة إمداد معامل التكرير البولندية بالنفط الكازاخستاني . وفي تعبير عن الغضب جراء بقاء الخط دون أي نشاط يُذكر، تقدم الكثيرون من أعضاء البرلمان الأوكراني باقتراح قانون تتخلى الحكومة بموجبه عن ملكية خط أوديسا برودي وتتجه نحو خصخصته. لكن ذلك التشريع لم يحظ بالكثير من التأييد داخل البرلمان، بل عارضه نائب رئيس لجنة السياسة الصناعية فلاديمير ديميخين الذي قال ان على الحكومة بدلا من ذلك ان تحاول جذب المستثمرين وتناقش خطة عمل تمنح بموجبها امتيازات لإحدى الشركات الضخمة . وقد تلقت شركة تيومينيفت (تي. إن. كيه بي. بي) عرضا في أوائل عام 2003 باستخدام جزء من الخط يبلغ طوله 33 ميلا لتصدير 80 الف برميل يوميا عن طريق مدينة أوديسا. وتسعى أوكرانيا جاهدة لتشغيل الخط حتى أنها فكرت في استخدامه كمستودع للتخزين كاجراء مؤقت، وقامت منظمات حكومية أوكرانية بتوفير المؤن اللازمة. وفي نهاية (أكتوبر) عام 2003 قامت شركة أوكرترانسنافتا الأوكرانية التي تعمل في مجال تشغيل خطوط الأنابيب، والمملوكة من الحكومة، بدعوة شركات أوزباكستانية، وكازاخستانية، وأذربيجانية، إضافة إلى عشر شركات روسية مملوكة من الدولة، للمساعدة على ملء خط أوديسا برودي لزيادة سعته لما يتراوح بين 380 الفا و420 الف طن من البترول لتسليمها للمعامل البولندية.. ويبلغ الإنتاج السنوي من النفط في أذربيجان ما يزيد بقليل على 15 مليون طن، وهي تقريبا السعة الإجمالية لخط الأنابيب.. أما شركة إنتاج النفط الروسية تي. إن. كيه بي. بي، فهي لا تسعى وراء تدفق النفط من الخط الأوكراني حيث مارست روسيا ضغوطا على موردي خط أوديسا برودي المحتملين. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2003 اعربت شركة شيفرون تكساكو الامريكية التي تقوم بتشغيل حقل تنجيز الأرضي العملاق، وتعتبر واحدة من أكبر المستثمرين في كازاخستان، عن رغبتها في الاشتراك مع أوكرترانسنافتا في خط أنابيب أوديسا برودي واستخدامه في شحن 9 ملايين طن من النفط الكازاخستاني سنويا. وحسب الخبراء فان السبب الرئيس في بقاء خط أوديسا برودي معطلا هو أنه لم يشعل حماس أي من منتجي النفط بمنطقة بحر قزوين. وعلى ما يبدو تغلق الحكومة الأذربيجانية الباب في وجه الخط، وذلك وفقا لتصريحات ادلى بها ناتج علييف، الرئيس الأذربيجاني لشركة سوكار الحكومية للبترول، في منتصف شهر (مايو) الماضي عندما قال لن تشارك أذربيجان في المشروع ولا ننوي ذلك في المستقبل، وقد اقترحت أوكرانيا ان نستثمر في مشروع أوديسا برودي، لكننا نقوم الآن بتمويل بناء خط باكو تبيليسي جيهان، وعلى هذا، فإن اشتراك سوكار في مشروع لضخ البترول الأذربيجاني عبر خط أنابيب أوديسا برودي ليست فكرة جيدة. . وقد أسهمت الضغوط الروسية في التأثير على قرار أذربيجان بعدم الاستثمار في خط أوديسا برودي، والذي قد يمثل تهديدا لاحتكار روسيا لشركة باكو نوفوروسييس (أذربيجان)، وشركة سي. بي. سي (كازاخستان)، وهما معبران باهظا الرسوم. ولهذا فلا تريد روسيا ان ترى تنفيذ خطط مد الأنابيب، حيث تود فقط ان ترى بترول سيبيريا يتم شحنه إلى الأسواق العالمية خارج ميناء أوديسا عبر البحر الأسود.. ومع فقدان الخيار الأذربيجاني، تفكر أوكرانيا للمرة الثانية في الخطة الروسية على المدى القصير حيث إنها قد تستفيد من نقل النفط الروسي أثناء القيام بأعمال مد الخط إلى الحدود البولندية، ولكن تلك الخطة أيضا لن تفلح.. ويقول المؤيدون لمد خط الأنابيب أنه حتى اللجوء للوجهة العكسية للخط على المدى القصير يمكن ان يهدد الاستثمارات المحتملة في المستقبل، حيث قد ينظر المستثمرون الدوليون للخط باعتباره تحت السيطرة الروسية الكاملة.. وقد أيدت واشنطن خطط كييف لخط أنابيب يتدفق في الغرب، ولكن ذلك التأييد لم يصل إلى درجة توفير الدعم المالي.. وتخشى الولاياتالمتحدة ان يزيد تدفق النفط من الشرق على اعتماد أوكرانيا على موسكو، وأيضا إلى تزايد احتمال التسبب في بقعة زيت كبيرة في المضائق التركية نتيجة لتكثيف أنشطة البترول في البحر.. وقد تسبب الفشل في تحقيق تقدم بشعور الرئيس الأوكراني ليونيد كوشما بالإحباط. ففي الشهر الماضي وبّخ حكومته والاتحاد الأوروبي والحكومة البولندية لفشلهم في دعم خط أنابيب أوديسا برودي ماليا. وغضب كوشما أيضا لان حكومته لم تؤيد تغيير وجهة الخط للتدفق شرقا لتصدير البترول الروسي، كما أعرب عن قلقه ألا تتمكن الدول المنتجة للبترول في منطقة بحر قزوين من ملء خط الأنابيب، أو ألا تكفي احتياطاتهم سعة الخط. وعبّر أوليكساندر تودييتشوك، الذي فصله الرئيس كوشما من منصبه كممثل خاص لأوكرانيا في ممر نقل النفط الأوروبي الآسيوي في أيار (مايو) 2004، عن المخاوف نفسها التي تسكن عقل الرئيس الأوكراني. وقال منذ عام 2002 وحتى الآن، وعلى الرغم من العديد من القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء الأوكراني ووزارة الوقود والطاقة، لم يبدأ التشغيل التجاري الكامل لخط أنابيب أوديسا برودي النفطي. فقد تمت الاستفادة فقط من 52% من سعة المكونات الأخرى لنظامنا لنقل البترول . وأضاف لم يتم ضخ سوي 2.1 مليون طن من النفط من خلال المحطة الجنوبية (أوديسا)، والتي تصل سعتها المحتملة إلى تسعة ملايين طن، ونتيجة لذلك، تخسر الميزانية الأوكرانية ملايين الدولارات سنويا . وقد حاول كوشما التأثير علي البولنديين لكن دون جدوي. ففي 28 (مايو)، صرح نائب وزير الخزانة البولوني تاديوش سوروكو بأسلوب دبلوماسي إذا لم يكن الأوكرانيون قد غيروا من مسلكهم في هذه القضية، فمن المحتمل ألا نكملها. فمنذ نصف عام، قدرت احتمال النجاح بنسبة 80%، أما الآن فقد انخفض تفاؤلي إلى 50% . ومن الخيارات النظرية الاخرى المطروحة ان يكون خط أنابيب أوديسا برودي المحاصر من جميع الاتجاهات منقذا لسلوفاكيا. فوفقا لما صرح به وزير الاقتصاد السلوفاكي بافول روسكو تقوم شركة ترانسبترول، وهي المؤسسة القومية لتشغيل خطوط الأنابيب في سلوفاكيا، بالتفكير في نقل البترول القزويني عبر أوكرانيا إلى شركة يونيبترول في جمهورية التشيك. وقد استثمرت أوكرانيا 500 مليون دولار، لكن عليها ان تستعيد التكاليف التي تحملتها في البناء، فضلا عن توليد الإيرادات. وتوقعت أوكرانيا ان يفد المستثمرون من كل حدب وصوب إذا ما أنجزت بناء خط الأنابيب، لكن بعد ثلاث سنوات من إتمام ذلك الخط، لا تزال أوكرانيا تحلم وتنتظر مجيئهم لكن لم يظهر منهم أحد بعد.