الأحداث الدامية الأليمة التي عصفت ببلادنا كدرت صفو الأمن الذي تنعم به بلاد الحرمين الشريفين وينعم به كل من عاش على ثراها الطاهر. إذ الأمن مطلب ملح للفرد وللمجتمع بل وللعالم أجمع. ولكن هل من السهل تحقيق ذلك؟ الجواب، نعم ولكن بشرط أن يتحقق معه الإيمان إذ الأمن والأيمان قرينان كما أن السلام والإسلام قرينان قال تعالى: (الذين أمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الأنعام (82) فإذا تحقق الإسلام والإيمان تحقق معهما الأمن والأمان بإذن الله تعالى قال سبحانه: ( وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) النور(55). ولأن الأمن لا يتوافر إلا بالإيمان فإنه لابد مع ذلك من الشرع العادل والسلطان القوي ففي الأثر: ان الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن ولكي يعيش المجتمع في أمن وأمان ورغد عيش واطمئنان على الأنفس والأعراض والأموال وغيرها فقد شرعت الشرائع الحازمة لمعكري الأمن ومثيري الفوضى ومرخصي الدماء وللمستهترين بالأعراض والمعتدين على الأموال وصدق الله إذ يقول: ( ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب). وكم هنئت بلادنا بلاد الحرمين الشريفين بهذه النعمة نعمة الأمن والأمان بفضل من الله ثم بفضل إيمانها بالله وبإقامة شرعه وتنفيذ حكمه والضرب بيد من حديد ضد كل من تسول له نفسه العبث بأمن البلاد واستقرارها وضد كل معتد على الأنفس والأعراض والممتلكات وضد قاطعي الطريق والمفسدين في الأرض. حتى غدت بلاد الحرمين الشريفين مضرب المثل في أمنها وامانها ولكن ما الذي جرى؟ لقد عدا علينا قوم من بني جلدتنا زين لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسناً فراحوا يقومون بأعمال تخريبية وتفجيرية راح ضحيتها أبرياء من المسلمين وغير المسلمين ناهيك عن الممتلكات والمنشآت وترويع الآمنين بأمان الله وقتل رجال الأمن وغير ذلك من الأمور المحزنة التي لم تعهدها بلادنا من قبل. مما دفع بولاة الأمر لان يقوموا بواجبهم في مدافعة هذا الحدث واستئصال جذوره من أن يمتد لا سمح الله فكان التعامل بحزم وقوة تجاه ذلك هو الخيار ثم يأتي بعد ذلك النداء الأخير لمن تبقى من هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وغيرهم فيما أقدموا عليه. النداء الأخير.. هذا هو النداء الأخير الذي القاه سمو ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز نيابة عن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله فإلى نص الخطاب:- بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الرحمة نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.. أيها الأخوة المواطنون... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. لا يشتد العزم عند الرجال المخلصين لربهم ثم لوطنهم إلا بالتوكل على الله القائل جل جلاله : (فإذا عزمت فتوكل على الله). وللعزم وجوه كثيرة عزم الدولة على محاربة كل فكر وعمل ارهابي عاث في الأرض فساداً فجعل من الأمن مسرحا لأفعاله المجرمة. وعزم رجالنا البواسل من رجال الأمن وفي جميع القطاعات العسكرية الذين ضحوا بدمائهم الزكية في سبيل استقرار هذا الوطن وشموخه. ومن العزم عزم المواطن الشريف الذي تتجلى مواقفه الوطنية بالانتماء والولاء لربه ثم الوطن. ايها الأخوة المواطنون... لقد قامت دولتنا الرشيدة على إعلاء كلمة التوحيد خفاقه في كل فؤاد وفوق كل هامة مدركة بأن وحدة هذا الوطن لم تأت من فراغ بل جاءت بكفاح الرجال الشرفاء خلف قائدهم المؤسس الملك عبد العزيز / رحمهم الله جميعا. أيها الأخوة المواطنون... يقول تعالى (فإن تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم) لذلك فإننا نعلن وللمرة الأخيرة بأننا نفتح باب العفو والرجوع للحق وتحكيم الشرع الحنيف لكل من خرج عن طريق الحق وارتكب جرما باسم الدين وما هو إلا فساد في الأرض. ولكل من ينتمي إلى تلك الفئة التي ظلمت نفسها ممن لم يقبض عليهم في عمليات الارهاب فرصة الرجوع إلى الله ومراجعة أنفسهم فمن أقر بذلك وقام بتسليم نفسه طائعا مختاراً في مدة أقصاها شهر من تاريخ هذا الخطاب فإنه أمن بأمان الله على نفسه وسيعامل وفق شرع الله فيما يتعلق بحقوق الغير. أيها الأخوة المواطنون.. الكل يعلم أننا لا نقول ذلك عن ضعف أو وهن ولكنه الخيار لهؤلاء ولكي نعذر حكومة وشعبا بأننا عرضنا باب الرجوع والأمان فإذا أخذ به عاقل لزمه الأمان وإن كابر فيه مكابر فوالله لن يمنعنا حلمنا عن الضرب بقوتنا التي نستمدها من التوكل على الله جل جلاله. هذا ونعاهد الله على قوة لا تلين وإرادة لا تعرف التردد بحول الله وقوته. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا النداء الرائع كان له صدى قوي لدى جميع فئات المجتمع وما ذاك إلا لتلاحم الراعي مع الرعية ورغبة الجميع في العيش الآمن. نداء من منطلق شرعي فضيلة الشيخ يوسف بن عبد الرحمن العفالق القاضي بالمحكمة العامة بالدمام تحدث عن نداء العفو قائلا : يجب أن نعلم أولا أن هذا النداء صادر من منطلق شرعي كما قال جل وعلا (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) فنجد في هذه الآية أن الله أعطى الأمان لمن سلم نفسه وتاب ورجع إلى الحق فالله سبحانه عليم خير حكم فعلى هؤلاء أن يستفيدوا من هذا النداء ويرجعوا إلى الحق. هذا من جهة ومن جهة أخرى أن العفو في عمومه من محاسن هذا الدين قال تعالى (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يجب المحسنين) إلى غير ذلك من النصوص فهذا النداء الذي أطلقه سمو ولي العهد فرصة لمن حاد عن الجادة أو غرر به أن يرجع إلى طريق الحق والصراط المستقيم ويلزم جماعة المسلمين (فإن يد الله مع الجماعة). كما أن هذا النداء ومدته فرصة لمراجعة النفس ووزن الأمور بميزان الشرع والعقل المستنير والبصيرة النافذة لا وفق الأهواء والجهل المبين فهذه الأعمال التخريبية خارجة عن الدين وليس ثمة مستفيد منها إلا أعداء الإسلام والمسلمين الذين وجدوا من هذه الأعمال وأمثالها مدخلاً كبيراً للهجوم على صرح الدين الشامخ. ثم أن هذا النداء فيه الإعذار فيا ليت هؤلاء يستفيدون من ذلك حتى تعود المياه إلى مجاريها وتعود دوحة الأمان إلى أراضينا الطاهرة وهي ولله الحمد تعيش هذه النعمة العظيمة فلا نعكر صفوها. فرصة سانحة أما فضيلة خالد السعيد نائب رئيس محكمة القطيف فتحدث قائلاً: أن النداء التاريخي الذي أطلقه ولي عهد البلاد سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز نيابة عن خادم الحرمين الشريفين حفظهما الله لهو نداء مبارك يبعث الفرصة السانحة والأمل المشرق لمراجعة النفس للرجوع إلى الحق فلا عذر بعد هذا النداء وهنا الإشارة إلى أمرين مهمين الأمر الأول قضية العفو فلا غرابة على ولاة الأمر في ذلك فهم يرغبون في الخير ويسعون إليه وإلى الإصلاح وما ينفع البلاد والعباد والعفو من سمات الإسلام وشيم الكرام. هذا من جهة أما الأمر الثاني أحذر كل من حاد عن الحق من أن يتمادى في الباطل ويستمر فيه فبعض الناس قد تأخذه العزة بالاثم ويتمادى في غيه وهنا تكون الخسارة لهذا الإنسان فالرجوع إلى الحق فضيلة فعلى هؤلاء أن يستفيدوا من هذه الفرصة وأن لا يفوتوها على أنفسهم ولينظروا الى عواقب الأمور وما نجم عن الأفعال الماضية من أمور لا تسر. نسأل الله أن يهدي ضالي المسلمين وأن يردنا إلى دينه رداً جميلاً وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء.