(العقلانية في الفكر الإسلامي) عنوان المحاضرة التي أقامها النادي الأدبي بمنطقة تبوك مساء الاثنين الماضي ألقاها الدكتور موسى بن مصطفى العبيدان بمركز الأمير فهد بن سلطان الاجتماعي وتحدث المحاضر عن مفهوم العقلانية في الفكر الإسلامي وقال: إن هذا المفهوم عند جمهور المفكرين الإسلاميين هو العلوم الضرورية أو المبادئ القبلية العقلية المنظمة للمعرفة وتمتاز هذه العلوم بكونها فطرية موجودة وجوداً قبلياً لدى الإنسان وملازمة له وصادقة ومستقلة عن الحس ومقدمات يقينيه للعلوم النظرية، ثم تناول المحاضر ظهور العقلانية في الفكر الإسلامي كمنهج علمي تقرر به حقائق الأشياء والذي يعود في الأساس إلى مفهوم المفكرين الإسلاميين من العقل متتبعاً تاريخ الظهور منذ نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري على يد العلماء المتكلمين الذين أدخلوا الاستدلال العقلي في أمور العقيدة. نشأة العقلانية وأضاف: أنه إذا كانت النزعة العقلانية نشأت وتطورت في بيئة المتكلمين والفلاسفة الإسلاميين، فإن هناك بيئة ثالثة خصيبة ترعرعت فيها النزعة العقلانية الا وهي بيئة الأصوليين فقد ظهرت فيها النزعة العقلانية في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عصر صحابته فظهرت فكرة قياس المثل مستشهداً في ذلك بقول ابن خلدون وكذلك ظهر إلى جانب فكرة القياس فكرة العموم والخصوص وهذه المحاولات ومثيلاتها التي نجدها قد نضجت على يد الإمام الشافعي فهو أول من صنف في أصول الفقه، ومازال التأليف في مجال علم الأصول يواصل مسيرته حتى بلغ مرحلة متطورة جداً على أيدي الأصوليين المتكلمين من معتزلة وأشاعرة وغيرهم، وتميزت هذه المرحلة بغلبة طرق الاستدلال العقلي والبرهنة النظرية. مزج المناهج ووضعت هذه الطرق مدارك العقول خاصة طريق القياس في صورة عقلية مجردة، وانتهج هؤلاء الأصوليون المتكلمون منطقاً يخالف منطق أرسطو ويذمونه ويعيبونه ولكن سار كثير من علماء أصول الفقه على طريقة المزج بين منطق أرسطو وأصول الفقه التي عرفت عند الامام الغزالي فتضمنت مقدمات كتبهم الأصولية الحديث عن الحد والبرهان والقياس، وطرح الدكتور العبيدان منهج البحث العقلاني في الفكر الإسلامي من خلال النزعة العقلانية في الفكر الإسلامي التي ظهرت بوضوح في ثلاث بيئات فكرية وهي بيئة علم الكلام وبيئة الفلسفة وبيئة علم أصول الفقه. وقد أعطت هذه البيئات أهمية كبيرة للعقل في إنتاج المعرفة عن طريق المنهج العقلي عند المتكلمين والأصوليين وهي قياس الغائب على الشاهد وإنتاج المقدمات والنتائج والسير والتقسيم والاستدلال بالمتفق عليه على المختلف منه وبطلاق الدليل يؤذن ببطلان المدلول . المنهج العقلي ثم تحدث المحاضر عن النهج العقلي عند الفلاسفة المسلمين وتمكنهم من ترجمة كتب الفلسفة والمنطق اليونانية خاصة كتب أرسطو ولم يقف بهم الأمر عند الترجمة والشرح بل نجدهم أسهموا في مجال التأليف والنقد وفيما يتعلق بالبرهان الذي يبين المنهج العقلي عند الفلاسفة المسلمين هو طرق الاستدلال العقلي وتشمل القياس والاستقراء والتمثيل والقسمة. العقلانية والمناهج الأخرى واختتم الدكتور العبيدان محاضرته متحدثا عن أثر المنهج العقلاني في العلوم الأخرى ففي مجال علوم اللسان نجد اللغويين ينتهجون نهج المسلمين في بحث مسائلهم اللسانية حيث إن معظم النحاة الأقدمين كانوا من المعتزلة أو من أهل الكلام الذين مرنوا على الجدل ومن مظاهر العقلانية في علوم اللغة تأثر علم أصول النحو بعلم أصول الفقه في المنهج كما طبق المنهج العقلاني في علوم النمو كذلك طبق في علم البلاغة وكذلك أخذ الكثير من المفسرين بالمنهج العقلاني في تفسير القرآن الكريم. فقد تعرض لتفسيره بعض المتكلمين من معتزلة وأشاعرة وغيرهم، وفي مجال التاريخ نجد بعض المؤرخين كابن خلدون يستخدم المنهج الاستقرائي لتفسير الذوات العارضة التي قابلها، وقال المحاضر: لم يقتصر المنهج العقلاني على العلوم الإنسانية بل نجد أثره في العلوم العقلية كالطب والطبيعة والكيمياء والنبات، وخلاصة القول: إن المنهج الذي كان سائداً في الفكر الإسلامي هو المنهج العقلاني الذي عرف في بيئة المتكلمين والأصوليين ففيها نبت وفيها نضج ومنها انتقل إلى معظم البيئات العلمية والإسلامية. وفي نهاية المحاضرة فتح باب التعقيب والمداخلات التي شارك فيها عدد من الأدباء والمثقفين.