فاق من سبات عميق استدرجه في احلام منحدرة بين التشفيط ودخان سجائر الملفوف بالحشيش والليالي الساهرة. ثلاث سنوات سرقت من حياة طالب المرحلة المتوسطة (عبدالمجيد) والبالغ خمسة عشر عاما قضاها في دروب وعرة ومسالك مؤرقة بحداثة سن وبراءة طالب لم يعرف بعد معنى جبروت المخدرات. فضول المعرفة كان في مدرسته يتهادى الكلام مع رفقة اختلطت في مفاهيمها الطرق المستقيمة واعوجاج المنحنيات الخاطئة حتى اقحمت نفسها بدوافع الفضول واللذة الزائفة التي صورتها عقولهم القاصرة لحبة كبتاجون وما توفره من نشاط وحيوية وتجعل الضعيف منهم صاحب عزيمة لا تثنيها الجبال. رافقهم عبدالمجيد ورضي بصحبتهم على علم بتعاطيهم المخدرات الا ان ارادته كانت اضعف من مقاومة رغبات الشلة وعيال الحارة. شباب عاثر قذف بنفسه في فوهة بركان يتلظى على مستقبل شباب عاثر وقدمت له اول حبة مخدرة لتليها حبات لا حصر لها بدون مقابل فتعلم الناشئ الصغير قضم الحبة ولف سيجارة الحشيش ونفث سمومها في الهواء وكأنه يبعثر عمرا لا قيمة له. مشاوير تلازمت فيها الاكف وتعاونت الجيوب لتوفير لوازم الجلسات في حذر شديد من عبدالمجيد على نفسه من قبل اناس باعوا عقولهم ولا يمانعون في الاعتداء على كل ساكن فكيف بأمر صغير السن يدوس جلساتهم باختياره. سلح عبدالمجيد نفسه بسلاح ابيض تنوع بين سكين للجيب واضافتها المتعددة على ضربة واحدة لمن يحاول الاعتداء كفيلة بفك سكرته او قطع حبل ادمانه واعادته الى جادة الصواب. الأب الغائب تردت الافكار امام جسم نحيل وعضلات متقلصة مقابل اجسام مفتولة وقامات شاهقة وتنكرت الاجوبة الخائفة في مخيلته عن مدى قدرة اسلحته لوقف الطغيان فقرر حمل مسدس شخص اخذه خلسة من والده الغائب كليا عن حياة ابنه المتطايرة بين اوهام المخدرات. في كثير من الاوقات تسعفه الشلة بالامدادات اللازمة في لحظات الأزمات وفزعة من اعمامه واخواله لسد حاجته المالية دون علم بمواطن صرفها. ملاحقة قانونية تصاعدت المشاكل في منزل عبدالمجيد واستيقظ في داخله نداء التأبين وأشرق في قلبه نور العودة وترك المخدرات لكنه لم يعرف كيف يبدأ؟! دارت الاقتراحات في افكاره وصادفتها اشباح الفضيحة وفخامة العقوبة والملاحقة القانونية حتى كادت تثنيه عن خطواته التصحيحية وتنكسه الى المستنقع الموحل وتسقطه في شباك لاصقة. سارت به خطواته في أزقة الحارة وبين بيوتها في وقت غاب فيه الزمن وضاع منه المكان محدقا في تلك السحب المتحركة وكأنها تقوده الى موعد محدد. دماء ملوثة كلمات درسها (عبدالمجيد) في كتبه وسمعها في كثير من المواقف لكنها طرقت مسامعه هذه المرة بدون استئذان واخترقت صدره الى قلب أنهكته دماؤه الملوثة بالمخدرات. سمع صوت الحق ينادي عباده الى بيوت الله لأداء فرائضه وكأنها المرة الاولى فأستجاب لنداء ربه وكأنه فجر جديد يتنفس نسيمه ويزيل بضيائه غمة ثلاثة أعوام من الظلام. أتم وضوءه وأدى صلاته مع الجماعة.. كلمات الذكر الحكيم تطرق قلبه وتهزه هزات عنيفة اصابت جسمه بالرعشة وخرج الجميع من المسجد وبقي الامام وعبدالمجيد يتبادلان النظرات التي اوصلت رسالة غامضة لم تفهم رموزها ولكنها توحي عن رغبة جامحة للكلام اقترب الامام منه وكسر حاجز الصمت بأسئلة اوقفها نحيب ودموع تائب. توبة صادقة شرح له كامل قصته وتفاصيل علاقته بالمخدرات ونيته الصادقة للاقلاع ومخاوفه مما ستكتبه الايام القادمة فطمأنه وكشف له حقائق الوضع وضمان سرية الراغبين في العلاج وعدم ملاحقتهم. اصبح (عبدالمجيد) يزور مستشفى الامل باستمرار ضمن خطة علاجية آتت أكلها مع عزيمة صادقة للهروب من المخدرات.