لك ان تدرس سير الامم المتقدمة وهي في بداية سيرورتها الحضارية لتعلم ان تلك الامم بمجموع افرادها لم تك لتلتفت الى توافه الامور بل كان الشغل الشاغل لها العمل الدؤوب المتواصل مع اقامة الاعتبار كل الاعتبار للقيم الفاضلة الفطرية في جميع مناحي الحياة فلا غش ولا خديعة ولا كذب ولا سرقة بل ولا حتى عهر عام!. نعم، دعونا نركز على تلك النقطة بالذات (لا عهر عام)، اذ هنا مكمن الاشكالية بالنسبة للبعض منا الذي يعتقد ان ما ينتشر الآن في مجتمعات الغرب المتقدم ماديا من مظاهر الفسق والفجور كان اصيلا فيها ومن قيمها الرئيسة، وهذا مفهوم خاطئ وفكر مغلوط!. ان الحق الذي ينبغي معرفته هو ان تلك الامم القوية لم تعرف شيئا كثيرا من ذلك التفسخ الا بعد ان بلغت ما بلغت من رقي مادي مهول جعل من افرادها بعد ان اصابهم الترف يتفننون في قضاء وقت الفراغ او وقت الراحة بعد عناء عمل مضن بما انتجته حضارتهم من وسائل وبيئات ترفيه جذابة، فكان السقوط الاخلاقي بذلك الانتشار الكبير الذي نرى نتاجه اليوم على شاشات التلفاز. هذا السقوط الاخلاقي لتلك الامم مؤذن بخراب سيلحقها ان لم تتدارك الامر، وهذا امر يستطيع ان يفهمه كل دارس لحضارات الامم العظيمة السابقة، نشوء فارتقاء وبلوغ، ثم انهيار تام بعد فشو الرذائل وعموم الموبقات. الطامة الكبرى في بلاد ما يطلق عليها تجاوزا بالنامية ونحن منها ان الفكر الانحلالي الذي اصاب المجتمعات المتقدمة في اخريات ايامها، هو ما بدأ يغزو اجيالنا الناشئة وهي عماد مستقبلنا، واذا كنا لما نزل في بداية الطريق فأنى لنا الوصول. ان قيما مرذولة كتلك التي تتبناها برامج تافهة كسوبر ستار وغيرها، لن تنشئ اجيالا يتطلعون الى الانتاج بقدر تطلعهم الى استغلال الوقت كله في المتع الرخيصة البهيمية، ونشوء هذا حاله كبر على أمته اربعا. أيها المتنفذون في وسائط الاعلام العربية، اتقوا الله في امتكم، فأنتم بامكانكم ان تربوا اجيالا على الفضيلة والانتاجية، ولكم ان تعملوا النقيض فتسهموا في تدميرها، والحاسب رباني لايفلت شيئا، فاعملوا مابدا لكم.