علم النفس كما قلت في أكثر من مجال لم يلق التقدير المناسب بعد في مجتمعنا. لقد حدثت تغيرات اجتماعية كبيرة في الأربعين سنة الماضية وهناك حاجة إلى التأقلم مع هذه المتغيرات على مستوى الفرد وعلى مستوى المؤسسات الاجتماعية. التغيرات التي حصلت قضت أو كادت على كثير من سبل المساندة العائلية والاجتماعية التقليدية التي تساعد الفرد والعائلة الصغيرة على التعامل مع المشاكل، وأصبح هناك ضرورة لإيجاد خدمات منتظمة على مستوى المجتمع تحل محل تلك السبل وتؤدي مهمتها. هناك أيضا متطلبات جديدة تتمثل في تعقيد أوجه الحياة تخلق تحديات لا يستطيع كل فرد مجابهتها بدون مساندة متخصصة. أذكر هنا مثلا من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. كان عدد من الطلاب لا يستطيع التأقلم مع المتطلبات للحياة والدراسة في الجامعة فيصدم وإما ينهار نفسيا وأكاديميا أو ينهار أكاديميا على الأقل، فبدأنا برنامجا لمساعدة هؤلاء يقوم به عالم نفس متخصص عن طريق مادة سميناها "تعلم التعلم" وأخذنا نوجه كل طالب متخلف دراسيا إليها.. شاهدنا أنه نتيجة لتجربة الطالب مع هذه المادة يحدث تحسن ملحوظ في معدل درجاته. أنا لا أقول إن مثل هذه التجارب تنجح مع الجميع ولكنها ولا شك نجحت في هذه الحالة مع الغالبية العظمى من الطلاب الذين سجلوا في هذه المادة. المهم هو أن لا ننظر إلى المشكلة السلوكية، مهما احتدت، على أنها مرض، بل يجب أن ينظر إليها على أنها مشكلة في التعايش، وأن يكون الهدف هو تدريب صاحب هذه المشكلة على حلها بنفسه عن طريق تعليمه مهارات تمكنه من التفاعل والتعايش مع بيئته بإيجابية وبدون إعاقات. ولهذا فإني أرى عدم مناسبة استخدام كلمة "عيادات" وأرى الاستعاضة عنها بمراكز لتحليل السلوك أو علم النفس. المشكلة على أي حال هي في عدم توافر المتخصصين في هذا المجال فنحن مازلنا نظن أن المشاكل السلوكية هي ميدان للطب النفسي فنجد في العيادات النفسية الاعتماد الكلي على العلاج بالأدوية مع ما يخلقه هذا من اعتماد مرضى على هذه الأدوية، وقد شاهدت الأثر السلبي لهذا النوع من العلاج على طلبة سارعوا بالتوجه لمثل هذه العيادات فأصبحوا ضحايا للعلاج بالأدوية وبدلا من حل مشاكلهم تضاعفت المشكلة بل وأصبحت مزمنة.