بعد اشهر من سقوط بغداد في قبضة الاحتلال الامريكي برزت على سطح الاحداث قضية اللاجئين الفلسطينيين في العراق.فقد طردوا من منازلهم واجبروا على العيش في خيام لكن حادثة مقتل اربعة فلسطينيين وجرح آخرين في انفجار قنبلة هاون قبل اسبوعين في احد احياء بغداد اعاد للاضواء قضية الفلسطينيين في العراق. وبرزت علامات استفهام كبيرة حول مصيرهم بعد الغزو. اكثر من ثمانية آلاف فلسطيني طردوا من شققهم التي كان النظام السابق قد وفرها لايوائهم في بغداد كما هو الحال في العديد من الدول العربية.واليوم يقيمون محاصرين في مخيم . يشعر الفلسطينيون في العراق بان الاجواء السياسية الملبدة تنطوي على مواقف عديدة تدبر ضدهم اقلها ان الاحتلال الامريكي لا يضمن حمايتهم ولا يبدي أي اهتمام باوضاعهم المعيشية المتردية . وفيما غادرت او اغلقت ابوابها معظم المنظمات الفلسطينية التي كانت تعمل في العراق ، وغادر عدد من الفلسطينيين الى الاردن وتقطعت بالاخرين سبل كسب العيش ويعيشون اوضاعا سيئة للغاية لا تخلو من خوف وترقب مع ارتفاع الجرائم والاغتيالات في العراق. والسؤال اليوم هو من يقف وراء مثل هذه العمليات التي تستهدف الفلسطينيين في العراق فهم خارج مناطق الصراع ويعيشون على هامش الحياة. في حي صغير بمنطقة البلديات التي اصبحت في السنوات الاخيرة مغلقة للفلسطينيين وتحمل اسماء شوارع مدن فلسطينية ويعرفها العراقيون بملامحها الفلسطينية اكثر من البغدادية بانتشار مطاعمها التي تقدم الاكلات الشعبية الفلسطينية يواجه اللاجئون الفلسطينيون حالة صعبة وظروفا مأساوية. ومنذ سقوط بغداد تحت الاحتلال حتى "اليوم" قامت منظمتا ( انتربال) و ( مسلم ايد) الانسانيتان بمساعدة فلسطينيي العراق الذين تم تهجيرهم من بيوتهم ومساكنهم بعد انهيار نظام صدام حسين. ومازالت فرق من هاتين المنظمتين تزور بغداد بين فترة واخرى للاطلاع على اوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق الذين يقدر عددهم باكثر من 150 الف فلسطيني بعضهم جاء الى العراق بعد طردهم على ايدي اليهود من وطنهم 1948 والجيل الثاني بعد طردهم عام 1967 . وتقول منظمة انتربال في بيان صحفي لها انها قدمت مبلغ 12 الف جنيه استرليني لدعم اسكان الفلسطينيين الذين وجدوا انفسهم محاصرين في النادي الرياضي الفلسطيني في حي البلديات في بغداد حيث يعيشون ومنذ سبعة اشهر في خيام قدمتها لهم مؤسسات اغاثة دولية تفتقر الى الكثير من الاحتياجات الاساسية.وتضيف انتربال انها تتعاون مع منظمة ( مسلم ايد) لتأمين اسكان ما بين 30 40 عائلة داخل العراق . وكان وفد من ( مسلم ايد) البريطانية قد زار الفلسطينيين في العراق واطلع على الاوضاع السيئة التي يعانونها.الزيارة تمت في سبتمبر الماضي حيث قررت المنظمة دعم اسكان عشرين عائلة كما التقى الوفد بأقدم مهاجرة فلسطينية في العراق وهي حمامة المحمود التي وصلت مع اهلها الى العراق بعد النكبة الفلسطينية عام 1948 . وقال مصدر من منظمة (مسلم ايد) ل (اليوم ) ان هؤلاء الفلسطينيين تركوا للاعتماد على انفسهم فيما تجاهلت المنظمات الدولية مشكلتهم ومع الشتاء اضطرت الكثير من العائلات التي لا مأوى لها للعيش في ظروف البرد الشديد . ووجد اللاجئون الفلسطينيون انفسهم بلا مأوى ويعانون من الإهانة والذل. فمنذ انهيار النظام العراقي السابق يتعرض الفلسطينيون الذين يعيشون في العراق لاكثر من نصف قرن اليوم للاضطهاد والتهميش من عراقيين اجبروهم على مغادرة مساكنهم بعد سقوط نظام صدام . ويتهم عراقيون النظام السابق بتفضيل الفلسطينيين في المسكن والعمل مع ان معظم ابناء الجالية الفلسطينية حصلوا على المميزات التي منحتها الحكومات العراقية المتعاقبة كما فعلت الحكومات العربية وليس نظام صدام وحده .وعلى خلاف هذه الصورة فقد عاش اللاجئون الفلسطينيون حياة هامشية وعمل معظم ابنائهم في اعمال عادية ويدوية في الغالب . ومع هذا الوضع فان سؤالا كبيرا يدور الان في العراق حول من يحمي اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد بعد كل ما حصل. في وقت لم تعد فيه السفارة الفلسطينية في بغداد تمارس عملها بعد سقوط النظام السابق بل انها تعرضت هي الاخرى قبل اشهر الى اقتحام من القوات الامريكية واعتقال عدد من العاملين فيها بحجة العثور على اسلحة فيها ، حيث اكد عاملون في السفارة ان هذه الاسلحة الخفيفة والتي لا تتجاوز خمس قطع لم تكن الا لحماية السفارة من اللصوص الذين انتشروا في بغداد بعد الاحتلال الامريكي واستهداف السفارات من قبل عصابات مسلحة متخصصة بالسرقة . حادث قنبلة الهاون في الحي الفلسطيني في منطقة البلديات في بغداد الذي اشرنا اليه اعاد ذاكرة الكثيرين الى الوراء قليلا فتذكروا ان هذا الحي قصف خلال الغزو الامريكي للعراق بصاروخ موجه اودى بحياة بعض الفلسطينيين. اضافة الى ان الاحداث المتشابكة في العراق واتهام بعض الاطراف للفلسطينيين بأنهم ممن يؤيدون سياسة صدام وانهم حظوا باهتمامه خلال فترة حكمه يثير بعض المواقف ضدهم ، ولكن اخرين يشيرون الى عوامل اخرى ابرزها ان انفتاح الساحة العراقية امام اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بعد الغزو الامريكي يمكن ان يجعل موضوع الفلسطينيين في العراق بعد الغزو الامريكي من ضمن اولويات اهتمامات تلك الاجهزة. فهي بلا شك تريد تفكيك هذا الوجود المتميز الذي يرفض الاحتلال الصهيوني ويدعم معنويا الانتفاضة الفلسطينية. واذا كان بعض المراقبين قد مضى الى تفسير استهداف الحي الفلسطيني في بغداد في الحادث الاخير بان اصابع الموساد قد تكون وراءه ، فان كثير من المراقبين لا يستبعدون ان تتكرر مثل هذه الحوادث ليكون ضحيتها اللاجئون الذين بدأت تضيق الارض بهم ما وسعت بعد الغزو الامريكي للعراق والذي يرى ان كل ما يمت للوطنية والقومية بصلة هو من خصومه الاشداء ويمثل "ارهابا " ضد وجودهم كمحتلين للعراق .