تكاد تجمع أدبيات علم النفس على أن عاملي (الحب) و(العمل) يعتبران من أهم المقومات المساعدة إن لم تكن الأساس في عملية التوازن النفسي للإنسان. فكما ان (الانسان المحب) هو ينبوع حنان لمن حوله، وشلال متدفق من عطاء انساني لا ينضب، فهو بلا أدنى شك طاقة خلاقة سواء في عمله، أو فيما يوكل اليه من مهام ومسئوليات والعكس صحيح تماما. فمن غير المتصور ان تجد في ذلك الانسان (الكاره لمن حوله) أي قدرة على العطاء المبدع حتى وان ملك كل المؤهلات العلمية. انني وأنا أتحدث عن الحب هنا اعني به بكل تأكيد علاقة الرجل بالمرأة بالصورة التي يصف فيها المحب حياته قائلا:==1== اقضي حياتي بالحديث وبالمنى==0== ==0==ويجمعني والهم بالليل جامع==2== وانما اعني به تلك المفردة التي تقدم الحب كمفهوم عام شامل بمعنى ان يشعر الواحد منا بعاطفة جياشة تربطه بكل ما حوله من مفردات انسانية سواء تلك التي تعيش معه تحت ظل سماء واحدة، او تلك التي تربطه بها علاقات دين، او جوار، او تاريخ مشترك.. الى آخر ذلك من المتغيرات التي تجمع انسانا بآخر. ان هذه العلاقة القوية جدا، والتي اخالها تقترب كثيرا من درجة (الحقيقة العلمية المجردة) تقودنا منطقيا الى الاستنتاج بان الشخص (المعتل نفسيا) هو بالضرورة صورة حية وحقيقية لانسان معتل (عاطفيا) و(عمليا) على الرغم من ان الهيئة الخارجية لبعضهم توحي بأنهم اصحاء لا يعانون من اية علة ظاهرية او باطنية. من هنا جاز لنا ان نقول بان الانسان المعتل (عاطفيا) هو ذلك الكائن البشري، او لنقل المفردة الانسانية الذي تتضارب في داخلها مجموعة من العواطف والمشاعر (الانسانية) على شتى نوازعها الا انها وبسبب كم التناقضات التي تعيشها تلك المفردة فاننا غالبا ما نجدها تقف عاجزة حائرة في التفريق بين العاطفة الخيرة ونقيضها. أو لنقل بين ما اصطلح على تسميتها بالعواطف البناءة التي يحتاجها المجتمع لبناء محيط او وسط اجتماعي خال من العلل والامراض الاجتماعية والتي تزيد من عوامل اللحمة الاجتماعية، وتلك العواطف (الشريرة) او لنقل (الهدامة) التي لاهم لها سوى زرع بدور الفتنة والشقاق بين ابناء المجتمع الواحد أعاذنا الله واياكم، وأعاذ مجتمعنا وبلادنا، وبلاد المسلمين اجمعين منها. من هنا فقد كان من البديهي جدا، ان تختفي عند ذلك (المعتل عاطفيا) كل معالم الخيوط الواضحة للعواطف والمشاعر الانسانية المتناقضة التي منها على سبيل المثال لا الحصر الحب، والكره، الخير والشر، السعادة والشقاء، او حتى بين الحقيقة والخيال بعد ان تصبح تلك الخيوط التي يراها غير المعتل واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار تكاد لاترى على الاطلاق عند هذا (المريض) المبتلى بسقم في نفسه الى الدرجة التي تجعلنا نعتقد بان الذي امامنا هو شخص قد اصيب بداء العمى على الرغم من انه يبدو امامنا سليما معافى نظره كما يقولون (6 6). وصدق من قال (انها لا تعمى الابصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). ولأن العواطف الانسانية تعتبر بمثابة المحرك الأساسي لتعامل الانسان مع غيره من الكائنات الاجتماعية الاخرى، فقد كان من الطبيعي جدا ان يكون ذلك المعتل (عاطفيا) شخصا معتلا (عمليا) ولكم ان تتصورا مجرد تصور ليس الا كيفية التعامل مع شخص لا يكاد يفرق بين التضحية والانانية او بين العمل (الخير) بفتح الخاء وتشديد الياء وذلك (الشرير) أو بين مصلحته (الخاصة) وبين المصلحة (العامة). والنتيجة النهائية أعزائي القراء هي اننا حينما ترمي بنا الأقدار في طريق احد اولئك المعتلين نفسيا فاننا يجب ان ندرك بادئ ذي بدء بأننا نقف امام صورة (واقعية جدا) لحطام انسان يبدو مجردا من العواطف والأحاسيس الانسانية التي تفرق بين البشر وما عداهم من مخلوقات الله، وبالتالي فلنا وللآخرين كل العذر في النفور حتى من مجرد الاقتراب من ذلك الكائن البشري ناهيك عن التعامل معه لسبب مهم وجوهري يكمن في ان (المذكور أعلاه) هو شخص لا يجيد او يتقن في الحياة شيئا أكثر من قدرته البليدة على استفزاز مشاعر الآخرين، وبالتالي زيادة كم المحتقرين ولن أقول الكارهين له سلوكا ووجودا. ولعلي وقبل ان اختم هذه المقالة اتوجه اليكم سادتي سيداتي متسائلا: ترى هل سبق وان صادفتم في الحياة صورة للانسان سابق الذكر؟ افحصوا ذاكرتكم جيدا وستجدون انهم اكثر من أن يحصوا. كان الله في عوننا وعونهم، وعلى الحب نلتقي.