كان صوتها خافتا ومضطربا يوحي بانها تعاني حالة ما من حالات الهلع والخوف وعندما اطمأنت الى محدثها قالت في استغاثة: لدي مشكلة خطيرة واريد ان ترشدني كيف اتصرف؟ طلبنا منها الهدوء والسكينة والتحدث دون انفعال لان ذلك يؤثر على فهمنا للامور ويحول بينها وبين ان تسرد المشكلة السرد الصحيح والكامل بعد قليل جاء صوتها هادئا وان ادركنا انها تحاول جاهدة السيطرة على مشاعرها. قالت: انا ام ولدي بنت وحيدة عمرها 17 عاما في الصف الثالث الثانوي ارافقها دائما في كل خطواتها خارج المنزل, وعندما تذهب الى المدرسة اقوم بتوصيلها بنفسي مع السائق وكذلك عند عودتها, نخرج للتسوق سويا وقليلا ما تفترق عني ومن هذه المرات القلائل زيارة لاقاربنا الذين يعيشون معنا في نفس الحي وعلى مقربة منا.. قلت وما المشكلة؟ قالت منذ فترة قليلة لاحظت على ابنتي الارتباك وعندما سألتها اجابتني ايضا بارتباك انه ليس هناك شيء.. وعندما عادت من المدرسة وذهبت لتغير ملابسها فتشت في حقيبتها المدرسية وكانت المفاجأة. جهاز جوال في حقيبتها, اخذته وانا ارتجف والسؤال المؤلم يذبح اوردتي من اين حصلت عليه ولماذا ومتى كان ذلك؟ جلست اتساءل ماذا افعل اخذت اقلب في الارقام فلم اجد الا رقما واحدا اتصلت به فرد على شاب في لهفة متسائلا؟ اين انت يا.. وكانت الصدمة اكتشفت ان هذا الشاب اعطاها الجوال للاتصال به جلست افكر ماذا افعل خاصة وانها اكتشفت عثوري على الجوال فلزمت غرفتها وتظاهرت بالنوم. وانا في حيرة من امري ولانني من قراء ناصح الرشيد الدائمين قلت اتصل لاستشير ماذا افعل؟ هل ابلغ والدها بذلك؟ هل امنعها من الخروج الى المدرسة او غيرها؟ هل اضربها لانها لم تخبرني ام ماذا؟ قلنا لها. وما طبيعة العلاقة بينك وبينها وبين ابيها وبينها قالت: الاب كما تعلم في انشغال دائم بسبب العمل ولا انكر انه كثير المشاغل وليس لديه الوقت الكافي للجلوس معها ولكنه يعاملها بحب وحنو وقلما نهرها او ضربها. قلنا وانت قالت: انا بمثابة الحارس الامين لها ارافقها في كل خطواتها واجلس معها اسألها عن الدراسة وعن امور المدرسة واساعدها في كل شيء.. وهي ولله الحمد لا تترك صلاة وليس لها صديقات كثيرات فانا ادقق في صداقاتها. قلنا: مما قلته يا اختي العزيزة ادركنا ان ابنتك مجرد ثمرة لزواجكما ينبغي الحفاظ عليها واحاطتها بسور وان كان من الحب كما تقولين فهو سور لا ينفتح على تفكيرها وعواطفها ومشاعرها وتطلعاتها وضرورة احساسها بذاتها ككيان اجتماعي له تطلعاته وآماله وعاطفته. الاب يلاطف ويحنو عن بعد وانت بمثابة حارس سور يحيط بها يمنعها من رؤية ما حولها وابداء الرأي فيما ترى قالت: كيف؟ قلنا: هل جلست معها جلسات حميمية ابتعدت فيها عن المدرسة والدروس وتحدثت عن آمالها وتطلعاتها؟ هل تركت لها فرصة اختيار صديقاتها ومنحتها الثقة في نفسها للتعبير او الحصول على ما تريد ولا اقول لك دون رقابة او حراسة ولكن عن بعد وبشكل لا يوحي لها بانها مراقبة وان هناك من يتجسس عليها؟ هل حاولت ان تتحدثي معها عن التغيرات الفيزيولجية التي تحدث للبنات في هذه السن وساعدتها فيها على مقاومة الاضطراب والخوف من هذه التغيرات؟ هل حاولت ان تحكي لها بعض الحكايات التي تقربك من عالمها عن نفسك وانت في عمرها واحلامك ومخاوفك وغيرها؟ هل عاملتها في المنزل كأخت او كشريكة في الادارة خاصة وانها وحيدتك؟ هل منحتها فرصة الرد على الهاتف وراقبت كيف تتصرف؟ هل؟؟.. هل؟ الحقيقة يا اختي التساؤلات كثيرة, والتربية ليست حراسة جسد ولكن حوار روح وعقل وعاطفة ومنطق.. والاقتراب الى ابنتك في هذا العمر الخطير يتطلب الحرص والوعي. قالت بعد ان اصغيت جيدا انني احذرها دائما من المخاطر ومن خداع الآخرين لها واحميها منهم. قلنا: ولماذا لا تمنحيها القدرة على حماية نفسها لا عن طريق التخويف والتحذير الذي دفع بها الى تقليد ربما بعض زميلاتها في ان تشعر بانها انثى مرغوبة وان هناك من يخاطب هذا الجانب منها وان تتجاوب في علاقة من الواضح انها خاطئة وغير بريئة؟ قالت: دلني ماذا افعل الآن ثم اخبرني كيف اتعامل معها ونحن كنا مثلها وتربينا جيدا في بيوت اسرنا؟ قلنا: ربما لم تكوني وحيدة كما هي. فانت لن تستطيعي مرافقتها 24 ساعة فربما تنشغلين في اعمال المنزل او الزيارات او غيرها فماذا تفعل هي؟ وعموما بالنسبة للمشكلة الآنية حاولي ان تأخذي الامر بهدوء ودون اتهام وبلا غضب, قدمي لها الجوال وقولي لها وجدته بالقرب من شنطتك, فلمن هذا الجوال؟ هل اعطاه لكي والدك دون ان اعرف؟ وانتظري اجابتها ولا تحاولي تكذيبها وان كذبت بل حاولي الحوار معها بهدوء الى ان تصلي الى الحقيقة واعتقد ان تجربة ابنتك وخبراتها القليلة لن تصمد طويلا امام تساؤلاتك فحتما ستقول كل الحقيقة, وعندها عرفيها بهدوء مغبة هذا الامر وما يؤدي له من مخاطر تطول السمعة والشرف والكرامة وتحول بين الفتاة وبين زواج طيب, ويلوث سمعتها وهذا يؤثر على الاسرة, وامنحيها الثقة بنفسها, قولي لها اذا اردت جوالا نشتري لكي ولكن مع من ستتحدثين ونحن سويا طوال الوقت, وفي امكانك مهاتفة زميلاتك من هاتف المنزل فهو تحت امرك. عرفيها انها اضحت انثى وتعدت مرحلة الطفولة وانها قادرة على تصريف شؤونها وفرز الامور من اختيار الصديقات الى اختيار ملابسها. اشعريها بانك لا ترافقينها في الخروج لمراقبتها او تضييق الحصار عليها وقولي لها: انت فتاة عاقلة ناضجة تدركين الطيب من الخبيث ولديك القدرة على فهم الامور ولكنك وحيدة كما تعرفين ولذا احاول ألا اكون اما لك فقط ولكن اختا لك. امنحيها الثقة للبوح لك حتى وان كان ذلك ليس جيدا او خطأ. اجعليها تدرك ان الحصول على جهاز مثل الجوال او غيره من شخص آخر دون علم اسرتك يعد من الامور التي تكشف عن عدم ثقتك باسرتك او خوفك منهم. ولا تحاولي ان تهدديها بان تخبري والدها بالامر ولكن اسأليها ما الذي يمكن ان يفعله والدك لو علم بذلك؟ ودعيها تجيب لنفسها عن السؤال. قولي لها هذا هو الجوال فكيف نتصرف لك الخيار واسمعي منها الرد وحاولي ان ترشديها بهدوء ان جنح تفكيرها الى جهة لا ترضينها. قالت: هذا الامر لم يحدث من قبل والذي يؤلمني انها مطيعة وطيبة. قلنا: اذهبي الى ابنتك وحاولي استمالتها وتهدئتها حتى تطردي منها الخوف.. امنحيها الامان خذيها في احضانك ولاطفيها وبعد ذلك افعلي ما قلته لك؟ اقتنعت الام كما يبدو من امتنانها لتتصل بعد يوم شاكرة للنتائج الايجابية التي حدثت فالبنت قالت كل شيء بصدق واعتذرت باكية مؤكدة ان لاحدى زميلاتها علاقة بالامر وانها ستبتعد عنها.. وطلبت ان نكتب مستقبلا حول علاقة الآباء بالابناء ووعدناها بذلك.