عزيزي رئيس التحرير: المجتمعات وخاصة العربية منها تفتقد لكثير من الوعي في التعامل والتناغم مع الثقافة الادارية الحديثة التي تعتمد على نظريات تطويرية أثبتت نجاحا منقطع النظير في التطبيق على أرض الواقع سواء في المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية. وإن التوجس من كل ما هو جديد ولو كان حسنا أصبح وللأسف (ماركة عربية مسجلة) بالرغم من أنك لاتجد ثمة مبرر منطقي أو سبب معقول لذلك. وهذا الامر ينطبق تماما على الاحباطات المتتالية التي تعترض من يسمو بثقافة التغيير ويحلق بأساليب التطوير إلى آفاق عالية من التقدم والازدهار حيث يجدون أمامهم فئات من المثبطين وكتائب من المخذلين الذين لا هم لهم إلا وضع الحواجز والعوائق أمام الناجحين وابتكار للطرق المشروعة وغير المشروعة لوضع العراقيل أمام المبدعين ومن ثم الإزاحة وتهيئة المكان المناسب لهم على الرف (مع خالص الشكر والامتنان والتقدير!!!)، ولعل أقرب تفسير لذلك خوف أولئك المحنطين أن يطالهم التغيير قبل غيرهم، و ربما عدم فهمهم أو اكتسابهم للثقافة التطويرية بسهولة (والإنسان عدو ما جهل) لكونهم من جيل تقليدي لا ينفع معهم أي من أساليب التطوير (فلا يصلح العطار ما أفسد الدهر)، وهناك سبب ثالث فربما يكشف التطوير ويفضح التغيير الخلل الذي نام عليه أولئك ردحا من الزمن فأثمر إنتاجا ضعيفا هشا متهالكا وفرخ صورا كربونية منهم لا يرتجي منها تغيير ولا ينتظر منها إبداع أو تطوير، ولطالما كان من أولويات الإداريين الذين يتبنون القيادة الديمقراطية والذين يعطون أهمية كبيرة للمرؤوسين ويعتمدون في قيادتهم لهم على الإقناع والتأثير الشخصي لا على أسس التلويح بالسلطة والتهديد بها ويعتمدون على الأسلوب الديمقراطي في القيادة المسمى الإدارة بالاشتراك التي يقوم على منطق استشارة وإشراك المرؤوسين في اتخاذ القرارات الإدارية، أقول لطالما كان من أولوياتهم بث ثقافة التغيير والتجديد والتطوير والتحسين. وعلى صلة بالموضوع فقد اطلعت بعد البحث من خلال أحد محركات البحث على الشبكة العنكبوتية في الموقع الإلكتروني ل(مصلحة مياه محافظة القدس) أن مؤسستهم خرجت بفوائد عديدة لقيامها بالتطوير الإداري ومنها: 1- إن عملية التطوير الإداري بما فيها من استيعاب التغيير هي عملية تستغرق وقتا طويلا، وعلى الأفراد من كافة المستويات إدراك هذه الحقيقة دون أن يفقدوا دعمهم وحماسهم للعملية ودون أ، يفقدوا ثقتهم فيها. 2- لكل مؤسسة ظروفها الخاصة بها عليه ينبغي أخذ مثل هذه الظروف الخاصة في الاعتبار وتعديل العملية تبعا لذلك. 3- ينبغي أخذ مخاوف الموظفين وتشككهم واهتماماتهم الشخصية ومقاومتهم الطبيعية للتغيير في الحسبان، والتعامل معها بحذر وعناية، ولابد من اتخاذ بعض الإجراءات وتبني بعض الوسائل لتقليص آثار المخاوف الطبيعية لدى الموظفين ومنها المشاركة الواسعة ومبدأ (الكل رابح) والشفافية والبساطة. 4- لبلوغ النتائج المطلوبة يتوجب تشجيع وتقدير اسهامات كافة العاملين من مختلف مستويات الهيكل التنظيمي من أجل بلوغ نتائج عملية، غير أن الحيادية والموضوعية المطلوبتين في بعض الحالات خلال العملية يتوجب أن يكون لهما دور رئيس في تحديد مشاركة الأفراد من داخل المؤسسة التي تقوم بمثل هذه العملية. 4- أن المشاركة الواسعة للموظفين يجب ألا تعني تقزيم وتجاوز خطوط السلطة (التسلسل الوظيفي) والمسؤوليات المتعلقة بالقضايا الحساسة واتخاذ القرارات طوال عملية التطوير، إذا أن على الإدارة العليا لأي مؤسسة تقوم بمثل هذه العملية أن تضطلع بالمسؤولية وتتخذ قرارات صعبة من أجل بلوغ التغيير المنشود. ويذكر الدكتور مدني عبدالقادر علاقي في كتابه القيم (الإدارة، ودراسة تحليلية للوظائف والقرارات الإدارية) أن من صور التطوير ما يسمى بالتدوير الوظيفي وهو من الأهداف الأساسية والرئيسة لبرامج التطوير الداخلي للمديرين وذلك للتغلب على مشكلة التقادم في المعرفة والمهارات اللازمة لممارسة الوظيفة وهي من أساليب التطوير الداخلي التي يشرف عليها رؤساء المديرين، والتدوير الوظيفي أو التطوير من خلال تعريض المديرين لممارسة أعمال مختلفة في إدارات مختلفة بالمؤسسة يتيح للمديرين التعرف على الوظائف الجديدة واكتساب الخبرات المختلفة ويفتح أمامهم الفرص الواسعة للترقية في كل قطاعات العمل بالمؤسسة وهذا الأسلوب يقود إلى النتائج التالية: 1- توسيع الخبرة والمهارة الفنية والإدارية للمدير والتي يكتسبها من خلال ممارسته عدة وظائف بالمؤسسة. 2- يزيد من قدرة المديرين الإشرافية لعدد أكبر من الوحدات الإدارية المختلفة ويسهل لهم عملية التنسيق بين هذه الوحدات المختلفة. 3- يتيح الفرصة للمديرين للعمل تحت إشراف مجموعة من الرؤساء مما يعرضهم لأفكار مختلفة ومن ثم يعمق خبراتهم ومهاراتهم الفنية والإدارية، ويحسن علاقاتهم المستقبلية لهؤلاء الرؤساء. وكما أن لهذا النوع من التطوير الإداري مزاياه فإن له أيضا عيوبه ومن العيوب التي يمكن أن يثيرها قلق الإداريين (المرؤوسين) في الإدارة التي ينتقل إليها المدير المرشح للتطوير من أن هذا النقل قد يكون على حساب ترقيتهم في المستقبل، وكذلك فإن المديرين أنفسهم قد يجدون صعوبة في التخلي عن مرؤوسيهم وخاصة بعد اكتسابهم الخبرة والمهارة في مجال العمل، وفي مجتعاتنا العربية نزيد على ما سبق و (كعادتنا في الكرم العردي المعروف) أن من عيوب التدوير الوظيفي ومن أهدافه تصفية الحسابات بين الرئيس والمرؤوس التي تهدف للإذلال الشخصي!!. فمتى نصل جميعا إلى مرحلة التقبل للتغيير الإيجابي (التطوير) الذي يحقق للأفراد والمجتمعات الأهداف المرجوة.. آمل أن يكون ذلك قريبا. وليد بن سليم السليم