ذهلت عندما شاهدت (خواجة ) أوروبيا يحتفظ بدرج مكتبه بملحق صحفي لأحد مهرجانات الأبل وأسواقها في المملكة، صدر مؤخراً مع احدى الصحف المحلية ، الذهول ليس لأن (البعير ) صحراوي بدوي قاحل بطبعه ، وهذا الخواجة أوروبي أحمر ناعس، ولكن لأنه هو الآخر مصدوم مثلي بالأسعار المشار إليها في الملحق لبعض هذه الأبل بملايين الريالات! الأغرب من ذلك كله ، أنه فتح جهاز الكمبيوتر الموجود في مكتبه وأخذ يستعرض صوراً ، لا أدرى من أين حصل عليها ، لمجموعة من تلك الأبل ، وبدأ يشرح ويقارن بين مميزات هذه الأبل والفروقات الجسمانية بينها ، فيما يظن بأنه السبب لتفاوت أسعار هذه الأبل ويوضح للحضور الإختلافات بين أطرافها وأشكال أنوفها وانحناءات أسنامها ... !! وسط دهشة وذهول مني لأنه يقدم معلومات وملاحظات أسمعها للمرة الأولى ولا أعرفها... وأنا ابن الصحراء ! هذا الملحق الصحفي سبق أن أطلعت عليه بشكل عابر مع احدى الصحف المحلية قبل أيام ، ولكنني مررت عليه مرور الكرام ، ولم أتوقف عنده أو أركز بمحتواه كثيراً ، ربما لأنني أحسب أن الجيل الذي يهتم بالأبل بهذه التفاصيل لم يبق منه سوى مجموعة قليلة محدودة من البدو أهل الأبل وعشاقها ، أو بعض تجار الأبل ، أما أن يكون هذا الخواجة ، هو الآخر، متابعا لمهرجانات الأبل فهذا ما لم أتوقعه ! (الخواجة ) المذكور علق لاحقاً على هذه الأسعار بأنها خيالات لا يمكن تصديقها ، كما أنه مفجوع بملايين الريالات تنفق من أجل أنف بعير غائر أو قدّ ( قعود ) رشيق ، أو خصر (بكرة ) ملحاء ! ... وكأنه لم تفجعه ملايين الدولارات التي يوصي بها ، بعد الموت ، بعض أثريائهم لقطته أو كلبته الخاصة! خرجت من مكتب الخواجة وأفكار وعلامات إستفهام وعصافيرتعجب تدور حول رأسي ...ولكننى دعوت الله ألا يكون هذا الخواجة قد شاهد أيضاً ، في صحف أخرى مهرجانات بمئات الألوف من الريالات ،لأنواع من (التيوس ) يقتادها أصحابها أمام الحضور كما يفعل في إستعراضات الأزياء الباريسية ، لا يفرق بينهما سوى أن ما يعرض في باريس قدود صبايا حسناوات فواحات العطور ، وعندنا نستعرض ( تيوس ) فواحة الرائحة ! الكل يدرك أهمية الأبل ( والتيوس أيضاً ) وإبداع الخالق لها وكونها سفينة الصحراء، تعلمنا الصبر والتحمل، وترافقنا في التنقل والترحال... إلى آخر موّال حصص التعبير المدرسية، إلا أنني مازلت عاجزاً على تصور القدرة الفائقة لتحويل تلك القيم والمواصفات و( الأصالة في تراثنا ) إلى أرقام وفلوس بهذا الحجم والضخامة ! وأخيراً ، فالسؤال البرئ الذي يطرح نفسه ، هل هذه الأسعار و المزادات لها علاقة فعلاً بمكانة الأبل ومواصفاتها سالفة الذكر ، أم هي شيء من ( الفشخرة ) والهوس اللامنضبط الذي نفجع به أنفسنا قبل الخواجات والأغراب ؟