عزيزي رئيس التحرير أعود مرة أخرى الى موضوع التقاعد باعتباره موضوعا يشغل بال الجميع.. وقد زادني حماسا للعودة اليه ما وجدته من فروق بيننا وبين أشقائنا في دول الخليج.. وأرى الآن توجيه الموضوع الى مجلس الشورى الموقر لعلي أقدم شيئا مفيدا يتبناه المجلس. مع كل الرجاء بأن يحظى بالاهتمام من قبل أعضائه.. وسأحاول التطرق الى بعض بنود النظام وعقد مقارنة عقلية منطقية نظامية مع الأنظمة المطبقة في مجلس التعاون الخليجي.. وليكن في هذه العجالة النظام المطبق في دولة الامارات العربية المتحدة وقطر على أن أعقبها بسلسلة من المقارنات ببقية الأنظمة إن شاء الله: 1 خدمة طويلة.. وعمر محدود!! ينص النظام على احالة الموظف للتقاعد بعد خدمة أربعين سنة أو بلوغه ستين عاما أيهما أقرب!! وهذا وايم الله عمر طويل يقضيه الموظف في روتين ممل لا تجديد فيه ولا ابداع مما ينشأ عنه تبلد الحس وانعدام المسئولية إلا ما ندر.. وتساهم الأنظمة المطبقة عليه في ذلك كنظام الخدمة المدنية وما يتبعه من لوائح.. نظام الترقيات والرسوب الوظيفي وما نشأ عنه كتوقف العلاوة الدورية التي تعاقب الموظف مرتين ، ثبات الراتب ونقص العائد والتقاعد ولحاق المتأخر بالسابق!! ونظام التقارير السنوية وعدم دقتها.. الخ التي ظلت جامدة هامدة والعالم يدور من حولها ويتقدم ومع مرور الزمن أصبحت تلك الأنظمة سيفا مسلطا على رقاب الموظفين فهي لا تفرق بين المبدع والخامل.. فانتشرت المحسوبية وبرزت العصبية وطفا النفاق بأذنيه وعينيه وشاع الظلم الوظيفي على سطح القرارات الادارية!! ومع تصديقنا لقول الرسول الكريم ان معدل اعمار امته بين الستين والسبعين!! اذا ماذا بقي لهذا الموظف المسكين بعد تلك الخدمة الطويلة.. وهل تلك الفترة كافية للعيش بكرامة وهدوء وسكينة مع نفسه وعائلته!! فالأولاد في تلك المرحلة بلغوا وتزوجوا وأكملوا تعليمهم فانتفى بذلك استفادتهم من المعاش التقاعدي لوالدهم في حالة وفاته.. وعليه فسيئول نصيبهم أوعلى الأصح ارثهم للدولة وكرد فعل طبيعي اضطر البعض الى اخفاء حقيقة التغيير الاجتماعي الذي طرأ عليهم خوفا من الحرمان من نصيبهم!! اما نظام التقاعد في دولة الامارات فالموظف يستحق راتبا تقاعديا كاملا بعد خدمة 35 سنة، والقطري بعد خدمة 20 سنة فأكثر فان تقاعد قبل ذلك فيحسب الراتب التقاعدي على النحو الآتي: عدد سنوات الخدمة * 5% فمن كانت خدمته على سبيل المثال 15 سنة فإن المعاش التقاعدي يكون كالتالي 155=75% وهي النسبة المئوية التي يحصل عليها من راتبه الأساسي مضافا اليها العلاوة الاجتماعية (وتلك ميزة اخرى) ولهذا ايجابية وسلبية.. فالايجابية قلة عدد سنوات الخدمة اذ ان الموظف يتقاعد وعمره 42 سنة وهو في عنفوان الشباب والرجولة فيستطيع العمل حرا في التجارة أو غيرها ناهيك عن انه يعطى كامل راتبه اما السلبية فتبرز عند استمراره في العمل اذ انه يعمل بالمجان فلو جلس في بيته فهو يأخذ راتبه كاملا!! اما في السعودية فإنه يتقاضى بعد 35 سنة ما نسبته 87.5% ولو فرض ان راتبه 6000 ريال فإن الفرق بينهما 750 ريالا شهريا لصالح الاماراتي والقطري أي ما قيمته 9000 ريال سنويا!! ناهيك عن فرق السنوات الخمس التي يقضيها الاماراتي مع عائلته والقطري عشرين سنة بعيدا عن هم العمل وروتينه الممل!! أيضا يحق للموظف في النظام السعودي التقاعد المبكر بعد خدمة 20 سنة ويمنح 50% من اصل راتبه الأخير بينما يحق للموظف الاماراتي التقاعد المبكر بعد مضي 15 سنة ويمنح راتبا تقاعديا نسبته 60% من كامل الراتب مضافا اليه البدلات!! فلو فرض ان راتبيهما كان 6000 ريال وخدما 15 سنة فإن الموظف السعودي لا يستحق راتبا تقاعيدا بل يستحق تصفية لمرة واحدة على النحو التالي: الراتب الأساسي * 1211%* عدد سنوات الخدمة = (118800 ريال) بينما الاماراتي يستحق راتبا = 3600 ريال شهريا (سنويا 43200 ريال) اما القطري فيستحق 75% اي 4500 شهريا اي (54000 ريال سنويا)!! 2 قسمة ضيزى.. وسهم مفقود!! ينص النظام على ان المعاش التقاعدي يتوقف عند بلوغ الابن سن الواحد والعشرين مالم يكن طالبا ويستمر الصرف حتى اكماله الدراسة او بلوغه سن السادسة والعشرين ايهما اقرب!! كما يتوقف عند زواج البنت او الأم او عملهما ويعاد عند الطلاق!! ثم يكمل النص انه يخصص للمستفيدين عن صاحب المعاش او الموظف المتوفى كامل المعاش اذا كان عددهم ثلاثة فأكثر فإن كان عددهم اثنين فيخصص لهما 75% أما ان كان واحدا فيخصص له 50% وفي حالة تعدد المستفيدين يوزع المعاش بالتساوي واذا اوقف او سقط نصيب احدهم فلا يؤول الى باقي المستفيدين على ألا يقل نصيب من تبقى منهم عن 50% او الحد الأدنى (1500 ريال) انتهى.. والسؤال الهام الذي يحتاج الى شفافية وصدق في الاجابة هل هذا المبلغ الهزيل يتناسب منطقيا مع متطلبات الحياة اليومية في عصرنا الحاضر؟ كما ان هذه المادة ساهمت في تأخير الزواج لضمان عدم خسران الورثة من ارث والدهم المتقاعد المتوفى!! فالمتصفح في النظام يحتار في ماهية المعاش التقاعدي اهو ارث أم تكافل!! فإن قيل انه تكافل فلا يعقل ان يحمل في طياته الظلم والجور والبخس للمستفيدين منه وكيف يستقيم عقلا ونقلا ان يحرم ورثة المستفيد من حقهم النظامي والشرعي ومع تسليمنا جدلا بأنه تكافلي هل يستطيع أي بنك (اسلامي أو ربوي) أن يسقط حق احد الورثة من حق مورثهم!! اجزم يقينا انه لا يستطيع بل ان البنك اذا تعسف في اعطائه حقه فإن المحاكم الشرعية تلزمه بذلك!! كما ان تخصيص الورثة في حق معاش معيلهم الشرعي يدل دلالة قاطعة على انه ارث.. لكنه يصطدم مرة اخرى بتساوي المستفيدين.. وهذا يناقض أنصبة الارث التي نص عليها القرآن الكريم (للذكر مثل حظ الانثيين..) أما نظام المعاش التقاعدي في دولة الامارات فهو ينص على مبدأ الرد بمعنى ان يتم رد النصيب في المعاش المستحق لأحد الأخوة الذي قطع نصيبه لأي سبب من الاسباب على بقية أخوته وكذلك يرد نصيب الأم على ابنها وهكذا وبهذا لا يتأثر المعاش التقاعدي للمتوفى من حرمان احد المستحقين بانتفاء مستحق آخر فلو فرض مثلا ان عدد المستحقين اربعة وقيمة المعاش 8000 ريال فإن نصيب كل منهم 2000 ريال، فالنظام السعودي ينص على انه اذا سقط نصيب ثلاثة منهم فلا يؤول الى الأخ الرابع بل يذهب الى خزينة الدولة ولا يستلم الا 4000 ريال أي 50% وتشاركه الدولة في ال50% الاخرى!! والمشكلة الكبرى حين يكون المعاش التقاعدي قليلا ويسقط نصيب الأبناء لأي سبب ولا يتبقى الا نصيب الأم فلا يؤول لها إلا الفتات من المعاش او الحد الأدنى (1500 ريال) وقد رثيت لحالة زوجة لواء متقاعد تبث حرقتها على سطور احدى الجرائد المحلية اذ تقول ان نصيبها من معاش زوجها المتوفى لا يتعدى الف ريال (قبل الزيادة)!! لذا فإن العدل والمنطق يقتضيان أن يطبق مبدأ الرد وكماهو معمول في النظام الاماراتي.. فالأم وهي في هذه المرحلة المتقدمة من العمر تحتاج الى الرعاية والعناية وأظن مخلصا ان قيمة المعاش التقاعدي كلما كانت مرتفعة ساعدها ذلك للعيش بكرامة. فإن تدنت القيمة اثر هذا على مستوى معيشتها وقد تزداد الطامة اكثر ان تعرضت لعقوق من اولادها وهو امر طفا هذه الايام مع الأسف.. فلا اقل من ان يضمن لها النظام حياة كريمة بقية عمرها بعيدة عن ذل السؤال واراقة ماء الوجه بين فلان وعلان!! 3 استقطاع كبير وعائد قليل!! نسبة الحسم للتقاعد في النظام السعودي 9% بينما هي في النظام التقاعد الاماراتي والقطري 5% والفرق واضح بينهما وكذا العائد عند تقاعد الموظف وهو في كلتا الحالتين لصالحهما فلو فرضنا ان راتبيهما = 6000 ريال فإن السعودي يستقطع 540 ريالا شهريا بينما اخوه الاماراتي 300 ريال شهريا فلو فرضنا ان كليهما خدم 35 سنة فإن ما يوفره الاماراتي من راتبه 63000 ريال مع ان ما يستقطع منه اقل من اخيه السعودي ب4% ومع ذلك فإن عائده التقاعدي اكبر!! كما ان الاماراتي والقطري يحصلان على راتب تقاعدي كامل بما في ذلك بعض البدلات (العلاوة الاجتماعية مثلا..) أما أخوه السعودي فيحصل على 87.5% من اصل الراتب فقط!! 4 خدمة طويلة.. ومكافأة هزيلة!! يقضي الموظف جل عمره في الخدمة الحكومية حتى يستهلك فلا يبقى من عمره إلا النزر اليسير ليستريح ويتفرغ لنفسه واهله.. وهي على كل حال فترة عمرية حرجة تنهش الأمراض جسده.. ويضعف بصره.. ويتحودب ظهره. .وهم الغالبية إلا من رحم!! فالنظام السعودي ينص على منح الموظف المتقاعد بعد خدمة اربعين سنة مكافأة راتب ثلاثة اشهر.. فإن كان محظوظا ولديه رصيد اجازات لا تتعدى ثلاثة اشهر فسيتم تعويضه عنها او يتمتع بها قبل تقاعده ويتسلم رواتبها مقدما مع المكافأة فتصبح ستة اشهر!! هذا اقصى ما يكافأ به!! ولو فرض ان راتبه عشرة آلاف ريال فإن المكافأة = 60000 ريال، أماالنظام القطري فالمادة (117) تنص على ان الموظف يستحق مكافأة نهاية خدمة اذا قضى مدة سنة واحدة كاملة وتدخل ضمن هذه المدة الاجازات التي منحت له خلالها ويعتبر آخر راتب تقاضاه الموظف اساسا لحساب المكافأة ويتم احتسابها على النحو التالي: راتب شهر عن كل سنة من سنوات الخدمة الخمس الأولى، وراتب شهر ونصف عن كل سنة من السنوات الخمس التالية، وراتب شهرين عن كل سنة مما زاد على ذلك، لو فرض انه عمل لمدة 35 سنة وكان راتبه 10000 ريال فإن مكافأته = 625000 ريال (مع فارق خمس سنوات راحة).. قارئي العزيز افتح عينيك وانظر.. وأذنيك فاسمع.. وعقلك فتدبر الفرق بينهما واترك لك مطلق الحرية في التعليق على ذلك!! 5 حرية الاشتراك.. وشفافية الاستثمارات!! لا يجادل مجنون ناهيك عن عاقل ان من المقاصد النبيلة والنيات الحكيمة لنظام التقاعد هو استثمار الاشتراك الشهري للموظف عبر هذه السنين الطويلة في الخدمة في مشاريع ومساهمات حيوية ذات نقع عام وأرباح آمنة بعيدة عن المخاطر السوقية والمعاملات الربوية وبذلك تساهم الدولة بتأمين حياة الموظف وعائلته اثناء وبعد حياته وتؤمن لهم دخلا ماليا يساعدهم على العيش بكرامة بقية العمر.. لكننا نعترف بقصور الأنظمة الوضعية عن بلوغ الكمال.. فالكمال لله وحده.. لكن هذا لا يمنع من الاعتراف بعجزها مع ضرورة مراجعتها بين فترة واخرى واجراء التعديل عليها بما يتلاءم وتغيير المستجدات من حولها.. فالنظام يحتاج لمنطقية العقد بين الطرفين ومبدأ الموافقة من عدمه كي يكون ساري المفعول. 6 اجراءات تطويرية.. وآمال تفاؤلية!! سعدت وفرحت حين قرأت في احدى الصحف السيارة نبأ عن ابرام مصلحة معاشات التقاعد عقدا مع احدى الشركات العالمية لتحديث انظمة الرد الهاتفي الآلي.. وانشاء موقع خاص بها في شبكة الانترنت ليستطيع المتقاعد (المكرم) من خلالهما معرفة جميع المعلومات الهامة التي تتعلق بمعاشه التقاعدي بيسر وسهولة.. وتلك خطوة مباركة لاشك انها تحقق المصلحة العامة وتختصر كثيرا من الاجراءات الروتينية المعقدة التي كانت تستهلك جل الوقت وتساهم في تأخير صرف المستحقات المالية.. ندعو الله مخلصين لمن ساهم في ذلك بالتوفيق والنجاح.. على ان الأمل لا يزال معقودا على مجلس الشورى الموقر بمراجعة النظام برمته واجراء التعديلات والملاحظات الضرورية التي طرحها كثير من الاخوة.. وأنا منهم مبتغين وجه الله وتحقيق المصلحة العامة لهذا البلد الكريم الذي نفخر بالانتماء اليه.. كما أثلج صدري ايضا نبأ آخر وهو اقرار المجلس لمبدأ احالة المرأة العاملة للتقاعد عند بلوغها سن الخمسين أي بعد خدمة (28 سنة) بفرضية انها تعينت بعد تخرجها من الجامعة وعمرها (22 سنة) والأمل ان تنخفض تلك الفترة الى (25 سنة) تحال بعدها للمعاش براتب كامل فتتفرغ لزوجها وبيتها.. فتريح وتستريح وتتيح الفرصة لطوابير الانتظار من الخريجات.. فقد اثبتت الدراسات الاجتماعية ان غياب المرأة عن بيتها وزوجها فترات طويلة يساهم في فتور العلاقات الزوجية والانسانية بينهما كما ان كمية الحنان التي تمنح للأبناء تتاثر بهذا الغياب وتؤثر على سلوكياتهم فيتسموا بالعصبية والعدوانية كما يساهم ايضا في تسلط الخدمات على مجريات الأمور في البيت العائلية فلا يلبث الزوج ان يبحث عن الحنان المفقود في حضن آخر!! وأمور اخرى ليس الآن مجالها..!! وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين أحمد بن علي احمد الريعان