ما أن أغلقت المدارس أبوابها وبدأت الإجازة الصيفية التي انتظرها الطلاب بفارغ الصبر حتى تحول عبء الأسرة من هموم الدراسة إلى هم آخر ومن نوع جديد ، تختلط الأوراق واصبح الليل نهارا والنهار ليلا ، وباتت ظاهرة سهر طلاب المدارس ظاهرة مألوفة في مجتمعاتنا وتأقلم معها الكبير والصغير في الأسرة ، حتى أن بعض الأسر ساروا على نفس نمط أبنائهم وكل ذلك على حد مقولتهم لتعيش الأسرة بنمط واحد حتى تنتهي فترة الإجازة 0 تحكي هذه الظاهرة واقع مجتمعاتنا التي لم نعتد على استغلال الإجازات كي يوجهوا أبناءهم توجيهاً سليماً وهنا نبعت ظاهرة سهر طلاب المدارس في الشوارع والمجالس والمقاهي الليلية ، ويعلل الكثير من الآباء موافقتهم لهذا الأمر بالفراغ الذي يعيشه أبناؤهم وخوفهم من خلق مشاكل داخل المنزل ، لكنهم خرجوا بمردود سيئ كون الفراغ داء عضال لايعالج بمرض مثله ، بل الفراغ طاقة لم تعرف مجتمعاتنا الطريق لاستغلالها حتى يومنا هذا 0 وحتى نعرف الدوافع الحقيقية لانتشار ظاهرة السهر بين طلاب المدارس باختلاف فئاتهم العمرية نزلنا إلى الشارع لنستطلع الواقع بحقيقته من طلاب المدارس أنفسهم الذي يعبر عن حقيقة هذه الظاهرة وأسباب انتشارها 0 سهر دائم في الإجازات بداية قال إبراهيم محسن الناصر الذي يدرس بالصف الثالث ثانوي إن ما يجعلني اسهر طوال الليل أني لا أستطيع رؤية أصدقائي إلا في هذا الوقت المتأخر كونهم يسهرون الليل بطوله فاضطررت إلى أن اسهر معهم بالرغم من أني مرتبط بدراسة صيفية بالنهار ولا أنام إلا بضع ساعات ممايسبب لي الإرهاق والتعب0 الطالب بالصف الثاني متوسط علي الهاشم برر سهره بالدخول على شبكة الإنترنت دون الحاجة لسهر خارج المنزل ، وهذا كان رأي الطالبين حسين واحمد علي المبارك اللذين يدرس أحدهما بالصف الثالث متوسط والآخر بالصف الثاني الذي توافق رأيهما مع رأي علي الهاشم0 مضيفين انه الدخول إلى الشبكة في الأوقات المتأخرة أمر ممتع وخارج عن الإزعاج الذي يسببه الشباب في أوقات الذروة. أما الطالب ناصر إدريس الناصر الذي يدرس بالصف الثالث ثانوي فكانت له نظرته السلبية عن هذه الظاهرة إذ قال : نحن بالمنزل لم نعتد على السهر إلا نادراً ، مضيفاً إنه في هذه الحالة يكون فقط داخل المنزل دون الحاجة للتواجد بالشوارع والمجالس ، كما يفعل الكثير من الشباب وطبعاً السهر خارج المنزل يعتمد على طبيعة الشخص ودور الأسرة ومدى تقبلهم لذلك، فبعض الأسر لا يمنعون أولادهم من السهر والتواجد في الشوارع وبعض الآباء متساهلون في هذا الأمر مشيراً إلى أن السهر بحدود ونطاق تقتضيه الظروف والعوائل التي تسهر بحدود وتتابع أبناءها هي الأسر التي تحافظ عليهم وهذا هو الطريق الصحيح في التربية والتعامل مع الأبناء. وبرر الطالب عبد الله ناصر آل مكي الذي يدرس بالصف الأول ثانوي سهره بالمجالس بعدم وجود دورات مختلفة داخل بلدتنا ، بالرغم من وجود دورات متنوعة خارجها ولكن نحن بحاجة إلى دورات صيفية داخل البلدة حتى نستطيع ملء الفراغ الذي نعيشه طوال فترة الإجازة0 فهل يعقل أن نقضي الصيف بأكمله في منازلنا، مضيفاً إن هذا شيء مستنكر. إن الدورات الصيفية باتت أمراً ضرورياً يستلزم إيجاده لقضاء أوقات مفيدة. ولعل وجود فراغ كبير هو الذي يدفع محمد كمال آل هاشم بالصف الثاني متوسط الذي يقول إن مما يجعلنا نسهر طوال الليل هو أننا ننام طيلة النهار لعدم حاجتنا للجلوس من النوم مما يجعلنا ننام وقتا طويلا ومن ثم يضطرنا للسهر طوال الليل ونستمر على هذا المنوال طيلة الإجازة0 الطالب محمد عبد الإله المرزوق بالصف الثالث ثانوي برر سهره في الإجازة بوجود فراغ كبير مما يجعلني أوزع وقتي بين الجلوس عند الإنترنت ومصاحبة أصدقائي في المجالس وفي الرحلات الخفيفة 0 الطالب حسن مكي الناصر الذي يدرس بالصف الثالث متوسط يقضي الليل بأكمله في ممارسة اللعب على الالعاب الإلكترونية المعروفة بالبلاستيشن وهو مايجعله لا يفرق بين ليل أو نهار 0 وتساءل الطالب احمد الطويل ما الذي يجعلني أنهض في الصباح الباكر مجيباً لذلك أنام متى أشاء نهاراً أو ليلاً وهذا الأمر أدى لفوضى الوقت لدى غالبية الشباب. ومع تجوالنا في عدة مناطق وجدنا الكثير من الطلاب جالسين بالقرب من البقالات والتجمعات الأخرى تمارس هواية لعب الورق وغيرها من الألعاب يقضون الليل في الشوارع ، وبمختلف الفئات العمرية ، والبعض يمارس ظاهرة التدخين بما يعرف بالمعسل وآخرون يتنقلون بدراجاتهم هنا وهناك وكل ذلك بعيداً عن عيون الرقابة الأسرية. والملفت أن عدداً كبيراً من الشباب يذهبون بعيداً عن التجمعات ويلتجئون للجلوس خارج النطاق العمراني في ساحات فارغة بعيدة عن الضوضاء فيجلسون يتسامرون حتى طلوع الفجر 0 وسألنا أحد الضباط في أحد مراكز الشرطة بالمنطقة عن سهر الطلاب ومردوداته فقال إن كثيراً من المشاكل التي نشهدها في العطل الصيفية تتضاعف بعشرات المرات عن الأيام العادية، ففي اليوم الواحد نشهد حالات من المشاكل بين قضايا سرقة واعتداء باليد وبأدوات حادة وحالات الدهس ومما يثير الدهشة أن جميع القضايا تصدر من طلاب مدارس لاتتعدى أعمارهم العقد الثاني، مضيفاً إن هذه المشاكل ما جاءت إلا من السهر بالطرقات والأماكن العامة 0 ماذا قال أولياء الأمور والتربويون وقال أحد أولياء الأمور إن غياب ظاهرة جذب الطلاب خلال الإجازات من خلال الدورات المحببة لديهم التي توافق ميولهم ورغباتهم ولم يكن الدور الذي لعبته بعض الجمعيات الخيرية في بعض المناطق من طرح لبعض الدورات كافياً بشكل كبير حتى الآن ، ولعله اقتصر على فئات عمرية معينة أو مجال معين مما ترك الباقي من شباب المدارس يقف متردداً في خوض دورة لاتوافق ميوله أو رغباته ، أو لم تجد هذه البرامج والدورات الإعلام الكافي لوصولها إلى مسامع الطلاب ، وفي المقابل أيضاً لم تصل أسر مجتمعاتنا إلى الوعي الكامل في توجيه أبنائهم للالتحاق ببرامج أو دورات مبررين ذلك أنها لاتعود عليهم بأية فائدة أي حكموا على الشيء قبل أن يقدموا عليه.ويقول محمد المحسن (تربوي) إن المسؤول الأول والأخير عن وجود هذه الظاهرة بين طلاب المدارس هما الأبوان فبعض من الأسر لم تغير نمط حياتها مع بداية العطلة الصيفية أو لربما أعطوا أبناءهم فرصة للتأخر داخل المنزل وفق ضوابط معينة أوجدها الأبويين لكن لم يتركوا الحبل على الغارب. ولكن الأغلب من الأسر تركوا الخيار لأبنائهم ولم يجعلوا الخيار في أيديهم وهذا ماخلق تلك الظاهرة بين أبنائنا ، ولم يقف تنازل الأسرة عند هذا الحد بل شجعوا أبناءهم على الخروج للشوارع وكانت هذه الطامة الحقيقية فالشارع لايفرق بين المتعلم والجاهل أو المتشرد والفاهم فيختلط هذا بهذا وتكون العواقب وخيمة فتحدث المشاكل بين الفينة والأخرى وماإن تنتهي الإجازة إلا وقد تغير ذلك الطالب رأساً على عقب من طالب مجد إلى مهمل ومن خلق هادئ إلى سلوك غير سوي لم تشهده الأسرة مطلقاً،فتقف الأسرة تسأل نفسها عن سر هذا التغير ومن وراءه ، وهم السبب أوجدوه لأبنائهم بالأمس وحصدوه اليوم بأيديهم ، وتناسوا أنهم سمحوا لابنهم أن يحضر لمنزلهم بضيف جديد لم يعرفوا طبائعه اسمه سهر الليالي. علي الهاشم